في جميع دول العالم وشعوبها ينظر للتجارب “السيئة” كأخطاء لا يمكن إعادتها مرة اخرى او المجازفة بطرحها لكونها اثبتت فشلها وعجزها عن تحقيق النتيجة التي حاول أصحابها ايصالها “لعباد الله”، ولا يستثنى من ذلك التجارب السياسية التي سجلتها كتب التاريخ منذ بداية تشكيل الحكومات وعروش المماليك في غرب الارض وشرقها.
لكن العملية السياسية التي ابتليت بها بلادنا اصرت على تجاوز هذا “الالتزام” وفقا لنظرية لكل قاعدة “شواذ” لتتصدر ماعجزت عنه جميع البلدان من خلال البحث عن فرص جديدة “لاعادة تدوير الوجوه القديمة” وايجاد مناصب “تليق” بخبراتهم التي لا يمكن الاستغناء عنها، على الرغم من “هزيمتهم” في اختبار صناديق الاقتراع، لتخرج علينا رئاسة الجمهورية متصدية لحملة اعادة “الكفاءات” من خلال قرار يعيد “لجنرال” لجنة الامن والدفاع وشاعر المعارضة “العتيد” حسن السنيد هيبته بتسميته ممثلا لرئاسة الجمهورية في مجلس النواب، لاسباب عدة ابرزها النجاحات التي حققها اثناء ادارته للملف الامني كرئيس للجنة الامن والدفاع البرلمانية والتي تمكن في وقتها من تحقيق الامن وكشف جميع المخططات التي كانت تستهدف الوطن والمواطنين لكونه عقلية استخبارية لا يمكن التفريط بها، فالرجل كان اول من “شخص” الخلل الامني وأسبابه حينما اكتشف بان “المواطن هو المسؤول عن الفشل الامني” وحتى تستثمر رئاسة الجمهورية بشخص رئيسها برهم صالح هذه العقلية بعد ست سنوات على “فقدان” خدماتها اصرت على عودته تكريما لإنجازاته السابقة.
ربما السيد حسن السنيد لم يكن الوحيد الذي جرى “تكريمه” فمن يبحث في قائمة “تدوير الوجوه” سيعثر على سليم الجبوري الذي خرج من سباق الانتخابات “بخفي حنين” لكن مايدور خلف الكواليس يؤكد وجود اصرار كبير من قبل زعامات سياسية ابرزهم اياد علاوي لاعادته كوزير للدفاع، من اجل الاستفادة من خبرته و”حنكته” السياسية، كما اخبرنا النائب احمد المساري في لقاء متلفز قائلا بانه “ترك مهنة الطب وانخرط في العملية السياسية من اجل إصلاحها”.
نعم.. ياسادة شعار اصلاح العملية السياسية الذي تشكلت على اساسه حكومة السيد عادل عبد المهدي “بتزكية” من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر وبدعم من جناحه السياسي في مجلس النواب تحالف سائرون الذي تكفل بمراقبة خطوات الاصلاح والتي كانت من ثمارها عودة الوجوه السابقة بمسميات مختلفة، لكن تلك الخطوات تحولت بين ليلة وضحاها من اصلاح العملية السياسية الى عنوان اخر يحمل صيغة “الاصلاح الداخلي” لتظهر قيادات مقربة من السيد الصدر متهمة “بالفساد” بعضها كان يحمل صفات لا تنطبق الا على “الراسخين في العلم والزاهدين” منهم المعاون الجهادي للسيد الصدر ابو دعاء العيساوي، لتصدر قرارات عبر تغريدات في تويتر اعلن عنها “صالح محمد العراقي” الشخصية المجهولة التي اثارت الكثير من التساؤلات ودفعت مكتب الصدر الى معاقبة خطباء وائمة مساجد بسبب مطالبتهم بالكشف عن هويته، لكن ماحصل في طريقة “العقاب” للقيادات المتهمة بالفساد رسم صورة واضحة “لغياب” مفهوم الدولة بأدوات تدعي حرصها على “حفظ هيبة الدولة ووحدة قرارها” حتى وقعت “فاجعة” مول البشير بمدينة النجف التي راح ضحيتها اربعة اشخاص خرجوا لتطبيق القانون بدلا عن “الدولة” في حين مارست الحكومة وجميع اجهزتها صمتها الذي تعودنا عليه في كل مناسبة، لكن ماذا حصل بعدها، قرر السيد الصدر العفو عن ابو دعاء العيساوي مقابل بعض الشروط، فهل كان اصلاح المقربين يتطلب “اراقة” الدماء على عتبة مول القيادي السابق جواد الكرعاوي؟.
الخلاصة… ان ماحصل يطرح العديد من التساؤلات عن “حقيقة” وجود الدولة وصمود القوى السياسية امام “ميزة” المناصب التي حولت التيار الصدري من “قوة” جماهيرية ناطقة باسم الطبقة “المتضررة” من سوء ادارة الحكومات الى تجمع يؤسس “لدولة عميقة” تنفذ رغباتها بايدي جمهورها بعيدا عن سلطة القانون.. اخيرا… السؤال الذي لابد منه… كلفة الاصلاح الداخلي كانت اربعة، كم سيكلفنا الاصلاح الحقيقي؟..