23 ديسمبر، 2024 3:34 م

اربعة اسباب تمنع حل الازمة بين اربيل وبغداد

اربعة اسباب تمنع حل الازمة بين اربيل وبغداد

يوما بعد اخر تترسخ الرؤية القائلة بتضاؤل –او انعدام-فرص وامكانيات حل واحتواء الازمة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان في العراق، فمؤشرات ومصاديق التصعيد هيمنت وطغت كثيرا على مؤشرات ومصاديق التهدئة والتسكين.

  واذا كان طرفي الازمة الى وقت قريب يتحدثان عبر قنواتهما الرسمية وغير الرسمية عن مساعي وتوجهات ومحاولات للخروج من المأزق، باتا اليوم يؤكدان على ان الامور بلغت نقطة اللاعودة، فالبيانات والتصريحات الرسمية لهما تقول بذلك، والخطاب الاعلامي المتشنج الى ابعد الحدود عبر وسائلهما الاعلامية المرئية والمقروءة والالكترونية، وتحشيد وتعبئة الشارع في كلا الاتجاهين يذهب بذات الاتجاه والمنحى.

  وبصرف النظر عما اذا كان التصعيد المتواصل سوف يؤدي الى المواجهة المسلحة الشاملة بين الطرفين ام لا، فأن القول بأنحسار او انعدام فرص وامكانيات الحل والحلحلة يعود لاسباب عدة، يمكن ان نشير الى اربعة منها تعد رئيسية:

-انهيار الثقة بين الطرفين تماما وعلى اعلى المستويات، متمثلة برئيس الوزراء وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، وليس ادل على ذلك من الاتهامات الصريحة والمباشرة سواء على لسانهما او من خلال المقربين اليهما.

   ففي بيان رسمي للمالكي مؤخرا اعتبر “ان تطور الاحداث الجارية في المناطق المختلطة وطبيعة التصريحات الصادرة عن المسؤولين في الاقليم لاتنم عن نية حسنة ورغبة حقيقية في حل المشاكل عن طريق الحوار”.

   وفي بيان شبه رسمي لائتلاف دولة القانون صدر في نفس الوقت تقريبا ، نجد حزمة من الاتهامات للبارزاني حيث يشير البيان الى “ان البارزاني خرق الدستور وكل القوانين العراقية حين اوى طارق الهاشمي المجرم المطلوب بالارهاب وكان سببا في هروبه الى تركيا وبعدها قام يتوفير ملجأ امن للمسلحين السوريين في الاقليم وسعى في كل سفراته الى اظهار الحكومة المركزية ورئيس الوزراء نوري المالكي بموقف العدو المهدد لسلامة الاقليم بغية عرقلة اي صفقة سلاح في محاولة لابقاء الجيش العراقي ضعيفا في مقابل توفير الاسلحة المتطورة للميليشيات الكردية في الاقليم والمناطق المتنازع عليها”.

   اما اقليم كردستان، وتحديدا قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني فتقول “ان المالكي يحرض على الصراع القومي بين العرب والاكراد، وهو اول رئيس وزراء في العراق يعد الجيش للحرب والاقتتال الداخلي”، وهذا ماادلى به رئيس حكومة الاقليم والرجل الثاني في الحزب الديمقراطي نيجرفان  البارزاني خلال كلمة له بمراسم افتتاح مؤتمر للطاقة عقدا قبل عدة ايام في مدينة اربيل. وبنفس المعنى والمضمون تحدث رئيس الاقليم مسعود البارزاني مؤخرا لصحيفة الزمان اللندنية ولوسائل اعلام اخرى.

   وما يعزز القول بأنهيار الثقة بصورة تامة او شبه تامة استمرار تدفق الحشود العسكرية من قبل كلا الطرفين الى المناطق المتنازع عليها، والتي اصبح الاكراد يسمونها “المناطق المقتطعة من الاقليم”، بينما الحكومة الاتحادية تطلق عليها “المناطق المختلطة”.

-السبب الاخر يتمثل في حدوث استقطابات حادة واصطفافات جديدة، لايمكن ان تساهم في التهدئة والحل والحلحلة، فبعدما كان المشهد الكردي يعاني من تشظيات وتقاطعات في التوجهات والمواقف جعلت البعض يطرح قراءات تشاؤمية لمالاته ونتائجه، حصل توحد وانسجام بين مختلف الفرقاء، فالطالباني الذي كان وحزبه متعاطفا مع المالكي وقريبا منه اصطف مع البارزاني، وكذلك الامر بالنسبة لحركة التغيير الكردية بزعامة نوشيروان مصطفى والحركة الاسلامية والاتحاد الاسلامي الكردستاني، واليوم فقد اصبح مايقوله البارزاني معبرا عن عموم الموقف والتوجه الكردي. اضف الى ذلك فأن هناك عناوين سياسية وعشائرية تركمانية في كركوك ومناطق اخرى تبنت مواقف مؤيدة للاقليم.

   في مقابل ذلك فأن المالكي استطاع ان يستقطب لخطابه ومواقفه قوى ومكونات سياسية واجتماعية من خارج كتلته البرلمانية وفضائه الحزبي، راحت تشجعه وتحفزه على المزيد من التشدد والخطوات الحازمة ضد الاكراد الذين ترى اوساط ومحافل عربية وغير عربية عديدة ان مطاليبهم لاسقف لها ومطامعهم لاحدود لها.

   هذا الاستقطاب الحاد والخطير لايمكن له الا ان يدفع الجميع نحو الحافات الخطرة والنقاط الحرجة، وحينما تدخل الاغراءات المادية على الخط من الطبيعي ان تنحو الامور منحى اكثر خطورة، فالمال الى جانب تدفقه لتأمين الظروف والامكانيات العسكرية والوجيستية المطلوبة، فأنه راح يتدفق لكسب المزيد من المؤيدين والداعمين سياسيا واعلاميا وجماهيريا.

-ان تدخل اطراف خارجية ودخولها على الخط ليس من اجل الحل وانما لدعم احد طرفي الازمة لاضعاف الطرف الاخر، يعني اضعافا لفاعلية وتأثير جهود الاطراف الساعية الى البحث عن حلول سلمية ومعالجات واقعية بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، وهذا ما هو حاصل بالفعل، لاسيما وان تفاعلات الاحداث في العراق والصراعات بين قواه وشخصياته السياسية  اقحمت او انه يراد اقحامها مع مايجري في بعض الدول في المحيط الاقليمي مثل سوريا.

   وبما ان الحكومة العراقية تبنت مواقف بدت وكأنها مساندة للنظام السوري ومنسجمة مع المواقف الايرانية، فأن اطرافا اقليمية ودولية راحت تحرض وتؤلب وتدعم خصومها-اي خصوم الحكومة-من اجل اضعافها، وربما تبدو التسريبات السياسية والاعلامية عن دخول انقرة والدوحة على خط الازمة بين بغداد واربيل فيها شيء من الواقعية والمنطق، واغلب الظن انه كلما تعمقت الازمة في سوريا واتجهت الى الحافات الخطيرة، زادت حدة الاستقطابات السياسية في العراق بفعل العوامل والمؤثرات الخارجية.

-السبب الاخر في انحسار او انعدام فرص الحل هو ان الازمة الاخيرة لم تكن الاولى من نوعها، وانها في الواقع نتاج عدة ازمات امتدت وتراكمت على مدى الاعوام العشرة الماضية، ناهيك عن ان جذور البعض منها تعود الى عقود سابقة، فأزمة “تشكيل قيادة عمليات دجلة”، كانت امتدادا لازمة تطبيق المادة 140 من الدستور التي تعود الى المادة 58 من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وامتدادا لأزمة حصة اقليم كردستان من الموازنة المالية الاتحادية السنوية، وتخصيصات قوات البيشمركة الكردية، وازمة العقود النفطية المبرمة من قبل حكومة الاقليم مع الشركات الاجنبية، وازمة عوائد الاقليم المالية من الرسوم الكمركية والضرائب وغيرها من الموارد التي تعتبر موارد اتحادية، ناهيك عن المشاكل والازمات التفصيلية التي تعود الى التباين في وجهات النظر بشأن ادارة الدولة ورسم سياساتها وتحديد اولوياتها.

    الازمة الاخيرة هي في واقع الامر نتيجة اكثر مما هي سبب، وخاتمة-سلبية او ايجابية-اكثر مما هي مقدمة، وعنوان واسع وشامل تقع ضمن اطاره مجمل الازمات والاشكاليات الاخرى، وحتى لو نزع فتيلها فأن ذلك لن يفضي الى نزع فتيل غيرها، وفي حال تحقق ذلك فأنه لن يكون الا لوقت قصير، والاسباب هي ذاتها التي اوردناها انفا.
[email protected]