18 ديسمبر، 2024 11:14 م

 بعد انهيار القوات الأمنية وسقوط الرمادي بيد داعش، كثرت تصريحات المحللين والقادة العسكريين غالبيتها تبريرية للتنصل عن المسؤولية، العراقيون وصفوه بـ (انسحاب تكتيكي) ولا يوجد مصطلح عسكري بهذا المعنى وإنما هناك انسحاب منظم، وهذا لا يطبق على المدن وإنما يطبق لاحتلال مواضع أكثر أهمية من الموضع الحالي، والانسحاب الثاني هو انسحاب فوضوي يتم تحت الضغط، تترك فيه الأسلحة والآليات والأعتدة والمعدات، أما الأميركان فوصفوه، بعدم وجود (إرادة القتال) لدى المقاتل العراقي، والتوصيف سواءً العراقي أو الأميركي هو تجميل لواحدة من ثلاث كلمات (الجبن، أو التخاذل، أو الخيانة). قد يعتقد بعضهم بأن هذا التوصيف قاسٍ يسيء إلى سمعة مؤسسة عسكرية عريقة تمثل درع الوطن الواقي، هنا اتفق مع هذا الرأي، ويحز في نفسي، وقلبي يقطر ألماً وأنا اكتب عن ذلك كوني ابن هذه المؤسسة التي تمثل هيبة الدولة العراقية، وجميعنا نستظل بظلها، ولكنه خطأ جسيم وتكرر لأكثر من مرة، إنه ليس إهمال في كتاب أو مستند رسمي لمعاملة إدارية مدنية، إنه أمر يتعلق باحتلال أراضٍ، وسفك دماء طاهرة وتشريد مواطنين أبرياء، كما أني لا اتهم مؤسسة بالكامل وإنما رؤوس هذه المؤسسة. جميع من تحدث عن عدم وجود إرادة للقتال، لم يبحث عن أسباب ذلك، مهما تكن عدالة القضية التي يدافع عنها الجندي العراقي أو أي جندي آخر، هناك عدد من المعطيات تولد لديه قناعة بعدم القتال لأجلها منها: أولاً، عدم ثقته بقيادته السياسية، وهذا نابع من ضبابية الرؤية السياسية التي تؤطر أي عمل عسكري بسبب التقاطعات السياسية وعدم توحد الأطراف السياسية خلف مؤسستهم العسكرية ودعمها، بل وصلت الأمور حتى إلى التشكيك بوطنيتها عبر وصفها بالطائفية أو ربطها بشخصيات أو دول. ثانياً. فقدان الثقة المتبادلة بينه وبين سكان المناطق التي يدافع عنها وهذا ناتج عن الشحن الطائفي، والذي تولد عنه بيئة اجتماعية حاضنة للعدو،مما أعطى للجندي انطباع بأن ظهره مكشوف. ثالثاً، فقدان ثقة الجندي بسلاحه، فتصريحات بعض المسؤولين العسكريين تشير إلى وجود فساد في صفقات الأسلحة أو اختلافها لما موجود في العقود، وإن الأسلحة الموجودة في أيديهم فاسدة، وإنها ترتفع درجة حرارتها عند استخدامها لأكثر من عشر دقائق وتتوقف عن الإطلاق، وسواء صحت هذه المعلومة ام لا فإن وصولها إلى المقاتل يزعزع ثقته بسلاحه. رابعاً، تصريح رئيس الوزراء بوجود خمسين ألف جندي فضائي، وافتقارهم للإرادة والقدرة على معالجة هذه الظاهرة ومحاسبة الضالعين فيها، مع علم الجنود بوجود عدد منهم في وحداتهم، يولد لدى الجندي شعور بالغبن، وفقدان الثقة بالقيادة العسكرية، وتنعدم عنده الرغبة في القتال تحت أمرة قيادة عسكرية فاسدة. لقد بحثنا في الأسباب التي دفعت الجنود والضباط الصغار إلى الانسحاب، ليس في الرمادي فقط وإنما في الموصل، وأماكن أخرى، يجب البحث فيها عن المسببين بين القادة وكبار الضباط، وهؤلاء من تنطبق عليهم احد التهم الثلاث(الجبن، والتخاذل، والخيانة). إرادة القتال ليست عصيراً يسقى به الجنود، أو وصفة طبية على شكل حقن، بل إنها عوامل نفسية.