29 ديسمبر، 2024 5:10 ص

اذا لم تكن مستعدا لسماع الحقيقة الصادمة فلا تقرأ السطور الآتية ..!

اذا لم تكن مستعدا لسماع الحقيقة الصادمة فلا تقرأ السطور الآتية ..!

نعم “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ” لايختلف في ذلك إثنان،ولا يتناطح بشأنه كبشان، ومما لاشك فيه أن من حق المواطن في كل زمان ومكان أن يحلم بغد مشرق وبمستقبل زاه يكون بكل مافيه خيرا من حاضره وأفضل من أمسه ليأتيه بالأفراح والمسرات في علانيته وفي سره، الا أن من يحلم بحكومات عادلة أمينة ونزيهة فعليه أولا وقبل كل شيء أن يتصف هو شخصيا بما يطالب حكوماته المتعاقبة ايا كانت خلفياتها وأدبياتها وانتماءاتها للاتصاف بها، وعليه كفرد في أسرته، في منطقته، في مدرسته، في جامعته،في مسجده ،في محكمته ،في وحدته،في مصنعه ، في دائرته ،في مزرعته ، في متجره ، في عيادته ، في صيدليته ، في سوقه، أن يكون عفيفا وشريفا ونزيها كذلك وفي كل شؤون ومناحي الحياة ، عليه ان يكون مواطنا صالحا يعرف جيدا ما له من حقوق لايتوقف البتة عن المطالبة بها سلميا وماضاع حق وراءه مطالب ، وان يكون مواطنا يعي في ذات الوقت ماعليه من واجبات يحرص أشد الحرص على أدائها كاملة في الرضا والغضب، في القصد والغنى ،من غير افراط ولا تفريط ، وليعلم يقينا بأن الحكام العادلين والوطنيين لايولدون من رحم المجتمعات الغارقة بالعصبيات والطائفيات والقبليات والطلمات اضافة الى المفاسد والموبقات ،هؤلاء لا يخرجون في العادة من رحم المجتمعات الظالمة لنفسها ولغيرها ولمن حولها ولو خرجوا جدلا لحوربوا ، وربما على الخوازيق أجلسوا ، وعلى المشانق علقوا !
وبالتالي فإن اقتصار النقد وحصر الهجاء وتصويب سهام التقصير تجاه الحكومات – اية حكومة كانت – وتقييد مسؤولية الاصلاح بالحكومات فحسب من دون الجماهير والمجتمعات فهذا هو القفز على الحقائق ، وذلكم هو الهراء بعينه ، وإن كان هذا النقد بناءا ، وإن كان ذلكم الهجاء صحيحا ، الا أنه يعد جزءا من منظومة التخدير والتحشيش ومحاولة كل من الشعب والحكومة رمي الكرة بملعب الآخر والتنصل من المسؤولية ، وما إخلاء ذمة الشعب وتنصله عن مسؤولياته الإصلاحية الكبرى كاملة وتعليقها على شماعة الحكومات فقط سوى البداية المشؤومة لغرق الشعب ومن ثم الحكومات الخارجة من عباءته ،الفائزة بأصابعه ، الصاعدة بأصواته، المتماهية مع عصبياته ، المؤججة لطائفياته ، الراقصة على جراحاته ، وبالتدريج في كم هائل من المفاسد والآثام والمظالم مع الترويج لها ، وربما التعجيل بها والتبرير لها كذلك وبما يصعب إصلاحه فيما بعد والكل مرتاح الضمير لايفتأ يردد في سره وفي علانيته “مادام ما مأذي أحد ،فبالي وضميري مرتاح !” كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من الجميع بإنتظار “الحكومة المخلصة ..الشخص المخلص ..النظام المخلص ..الفكر المخلص ..المعجزة المخلصة..الحزب المخلص ” علما بأن هذا المخلص حكومة كان أو شخصا ، نظاما أو فكرا ، حزبا أو عصبة ، لن يولد من رحم مجتمع فاسد غارق بالرذائل والموبقات ومستبيح لها ، قانع بها ، غارق فيها من دون خطوات حقيقية وفاعلة في طريق الاصلاح ولو بالحد الأدنى ، وقد تطبع كليا على “وأد الاصلاح ، ومحاربة المصلحين أينما ظهروا ، وقد أدمن السخرية منهم حيثما كانوا وهو يردد وكلما أبصر مصلحا ” يابه ، صاير وطني العينتين ،خخخ ….ديبيع شرف بروسنه هاهاها ..العفو الأخ وين يزين ههههه؟!” ونحوها من عبارات التهكم والسخرية والاستهزاء، ولو ظهر المصلح بأية صفة كانت جماعية أو فردية ..مركزية أو ديمقراطية ..عسكرية أو مدنية ..حزبية أو مستقلة بين ظهرانينا اليوم لوجدت أشد الناس توقا ودعاية له وجعجعة بإنتظاره ، اكثرهم سخرية واقصاءا وتهميشا وتخوينا وتكذيبا له وافتراءا عليه ..لماذا ؟ لأن حجم المفاسد التي تم إدمانها وتعليمها وتعلمها وتناقلها والتطبع بها اضافة الى تبريرها حتى إستحكمت وتغلغلت في المجتمع كليا صارت له طبعا وسجية وخلقا لن يسمح بظهور من يأمر بإزالتها وتنظيفها واقتلاعها والتثقيف بإجتثاثها واصدار القوانين الحازمة لإقتلاعها من جذورها مطلقا ..!
مجتمع الا مارحم ربك قد أدمن الانتحار والخمور والقمار والربا والمخدرات والسحر والتنجيم والطلاق والقتل والسرقة والاختلاس وقطع الطريق والرشوة والابتزاز والكذب والتزوير والغش في الميزان وخيانة الامانة والبخل والشح والجبن والنفاق والغيبة والنميمة وعقوق الوالدين والرياء والمراء والظلم والعنف والشرك والالحاد والكفر وحمل السلاح والدكات العشائرية ولو على – صوندة – مائية ، لن يسمح بظهور مخلص فيه ليقول له ” كفى ..حسبك ..اقصر فلقد آن آوان الاصلاح والتغيير الحقيقي !! وتأسيسا على ذلك فلن يحكم المخدرين الكسالى المتقاعسين ،الا المخدرون التنابلة المتقاعسون وكيفما تكونوا يولى عليكم !
وبما أن المقال قد استهل بالحلم الجميل المشروع بغد أجمل ، فدعوني أختم بالاحلام ايضا ، ولعل فوضى تفسير الأحلام للتلاعب بعقول الأنام وهي بمثابة غيض من فيض تجسد جزءا يسيرا من ذلكم الغثاء الذي نعيشه ونعتاش عليه ودعوني أقدم هاهنا الى حضراتكم أنموذجا واقعيا واحدا عن كيفية التلاعب بالعقول “سوشيال ميديويا” حيث إستيقظ أحد الزملاء الأحبة صباحا فسارع من فوره وقبل أن يتناول فطوره الى الحاسوب ليتصفح مواقع تفسير الأحلام وما أكثرها في عالم السوشيال ميديا، ربما لأننا وعلى وصف نزار قباني، نعشق كتب الطبخ وتفسير الأحلام أكثر من أي شيء آخر ، وربما لأننا شعوب تنام كثيرا ، ونأكل أكثر، الحقيقة لقد راع زوجة الزميل العزيز تصرفه الغريب والمريب حين قفز كالاسد الهصور من الفراش الى الحاسوب فورا فقالت له زوجته ” خير ابو فلان ، خوما اكو شي ..؟” فلم يرد عليها واكتفى بنظرة إزدراء أعقبتها نظرة إستياء الأمر الذي عكر الصفو بينهما ولبد الأجواء الملبدة أساسا على خلفية انقطاع الكهرباء الوطنية الطويل المشفوع بشح المياه الأطول بما يذكرنا بالبؤس الصباحي لفيلم ” خرج ولم يعد ” ، أخذ الزميل يقلب الطرف في مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن تفسير “شرب القهوة في المنام ” بعد ان رأي في المنام انه يشربها ..أين ..في الامارات؟!
وجاءت التفسيرات كالعادة مستهلة بتفسير ابن سيرين للقهوة في المنام ، ومن ثم تفسير النابلسي للقهوة في المنام ، ومن ثم تفسير ابن شاهين للاحلام ، ثم مالبث أن اطلعني الزميل على التفاصيل همسا ونقل الي رأي كل كتاب من كتب تفسير الاحلام في القهوة وكيف انهم فصلوا تفسيرها بحسب مكان وزمان شربها اضافة الى نوعها ، اذ ان تفسير شرب القهوة المرة غير تفسير القهوة على الريحة ، غير تفسير القهوة سكر زيادة ، وتفسير شربها داخل البيت غير تفسيرها خارجه ، كذلك تفسير شربها في السفر غير تفسير شربها في الحضر وبعضها يبشر الرائي بالخير العميم ، بينما بعضها الاخر يحذره من شر مستطير ، فجاء الى الدوام بمزاج عكر وطبع حاد وكان – يتعارك مع ذبان وجهه – كما يقول البغادة …
الحقيقة لقد ابديت إستغرابي مما قاله ، ولم اخف إمتعاضي مما نقله لي و للاسباب الاتية :
اولا لأن القهوة قد عرفت أول مرة عربيا في اليمن وتحديدا في ربط الصوفية بعد نقلها من اثيوبيا – الحبشة – في القرن الخامس عشر الميلادي ..بينما ابن سيرين وهو من كبار التابعين وقد عاصر الحسن البصري ، كان قد توفي في القرن الثامن الميلادي وتحديدا سنة 729 م / 110 هـ …ومما حز في قلبي أن هذه المواقع التي تزعم تخصصها بتفسير الاحلام قد نسبت أقوالا الى التابعي والزاهد الكبير ابن سيرين بما لايقبله العقل والمنطق وهو منها براء كليا ، نحو ” تفسيره لركوب السيارة في المنام قبل اختراع السيارة بقرون طويلة ، وتفسيره لركوب الطائرة قبل اختراعها بقرون طويلة ، زاعمين ان ابن سيرين قد فسر رؤية الشخص لنفسه وهو في الطائرة او وهو يقود السيارة في المنام بكذا وكذا ..كذلك تفسيره لرؤية الصاروخ قبل اختراعه بـ 13 قرنا بأنه يدل على كذا وكذا ، وتفسير ابن سيرين لرؤيا المدفع في المنام للمتزوجة والعزباء والرجل ، مع ان المدفع قد اخترع أول مرة في القرن الثالث عشر الميلادي ، اي بعد وفاة ابن سيرين بستة قرون !!” .
ثانيا ان ابن سيرين لم يؤلف كتابا في تفسير الاحلام البتة ، صحيح أنه كان ضليعا ومتبحرا في تفسير الرؤى والاحلام للعوام والخواص ، الا أنه لم يترك خلفه كتابا في ذلك ابدا ، وما نقل عنه ينسب الى بعض تلامذته نقلا عنه مع الاضافة ، وقد ظل الناس من خلفهم يضيفون الى تفسير الاحلام ما يحلو لهم على مدار قرون وينسبونه الى ابن سيرين ولم يبق الا ان يحشروا بين دفتي تفسير ابن سيرين تفسيره لرؤية الفيس بوك وانستغرام والهولو غرام ومرصد “جيمس ويب” العملاق الذي يتفوق على سلفه مرصد هابل بـ 100 ضعف في المنام ..وهناك من المؤرخين من يقطع جازما بان الكتاب المنسوب لابن سيرين في حقيقته هو لشخص جاء بعده بثلاثة قرون واسمه ابي سعيد الواعظ وقد توفي سنة 407 هـ ، وعلى فرضية أن الكتاب للشخص الثاني وليس للاول ، فكل ما يصدق على كتاب ابن سيرين بشأنه يصدق على كتاب الواعظ ايضا لعدم معاصرته للمخترعات والاكتشافات الحديثة وبالتالي عدم صحة كل تفسير لرؤيتها في المنام بما فيها القهوة محور الموضوع والتي عرفت كما اشرنا الى ذلك سالفا اول مرة في القرن الخامس عشر الميلادي ، والفرق بين التقويم الهجري والميلادي بحدود 622 عاما !
ثالثا : القهوة قديما هي اسم من اسماء الخمر ولو صح نسبتها الى كتب تفسير الاحلام للأقدمين فهي ولاشك قد تناولتها بصفتها خمرا وليست ” بنا ” لأن البن لم يعرف الا بعد قرون ، وقد سميت الخمر والبن بالقهوة بناءا على الاقهاء بمعنى انها تبعد صاحبها عن تناول الطعام وتشعره بالشبع،وفي وصف الخمر بأحد اشهر اسمائها – القهوة – قال البحتري(ت 280 هـ ) :
من قهوة “خمر” تنسى الهموم وتبعث الـ …شوق الذي قد ضل في الأحشاء
رابعا ان ما يصدق على ابن سيرين يصدق على ابن شاهين وعلى النابلسي وهو غير الداعية راتب النابلسي ، فإبن شاهين الظاهري قد توفي سنة 893 هـ وله كتاب في تفسير الرؤى والاحلام بعنوان ” الإشارات إلى علم العبارات” والثاني بعنوان ” الكوكب المنير في أصول التعبير ” اما عن عبد الغني بن إسماعيل النابلسي وهو فقيه حنفي واديب متصوف ومفسر رؤى واحلام وله كتاب”تعطير الأنام في تعبير الأنام” اضافة الى كتاب ” التعبير في تفسير الأحلام” ولاشأن للكاتبين ولا لكتابي كل منهما بالصواريخ والسيارات والطائرات ولابقية الاكتشافات والمخترعات ولا يحزنون، وقد صعقت بموقع تفسير أحلام وهو يعرض تفسير رؤية الكومبيوتر في المنام تحت عنوان عريض لاينطلي الا على السذج ونصه الاتي : ” تفسير رؤية الكومبيوتر في المنام لكبار علماء ومفسري الاحلام كأبن سيرين والنابلسي وابن شاهين !!” .
وبناء عليه أقول حَكِم عقلك في كل ما تقرأ وكل ما تسمع “وكفى بالمرء أثما أن يحدث بكل ما يسمع ” فهل من معتبر ؟! اودعناكم أغاتي