11 أبريل، 2024 8:13 ص
Search
Close this search box.

اذا عطس العراق اصيب العرب  بزكام

Facebook
Twitter
LinkedIn

لو تمعنا في قراءة  سيرة رئيس الوزراء نوري سعيد على ضوء الوثائق لوجدنا ان السعيد كان يؤمن بمقولة كان يرددها امام الشخصيات الاجنبية ” اذا كان مترنيخ يقول .. اذا عطست فرنسا اصيبت اوربا بزكام فانا اقول على غرار ما قال .. اذا عطس العراق اصيب العرب بزكام ” نعم هذا هو العراق  عظيم بتاريخه  عظيم بالقيم  التي يحملها  ابناءه ولم تأتِ هذه القيم من فراغ  بل هي قيم متأصلة فيه  وهذه الاصالة هي التي جعلته اول المضحين فلو تتبعنا تاريخ العراق لوجدناه كان وما يزال هو المصد القوي لكل الغزوات .. ولم تكن الدعوات للتمسك بالقيم النبيلة والجميلة التي ارادت الحكومات المتعاقبة  على حكم العراق ان تمسحها او ان تشطبها من حياة العراقيين دون اساس او اعتبار فقد كانت علامات الخير والمحبة هي الوسام التي حملها على صدره ليتألق في ضوء الشمس لم يكن الشعب العراقي عبر تاريخه متعصبا لدين او طائفة  او قومية معينة بل كان مزيج اجتماعي متجانس  متسامح تربطه علاقات حميمة  
ولم يحسب العراقي في يوم من الايام حساب لحواجز العلاقات الانسانية بين المسلم والمسيحي واليهودي والصابئي واليزيدي او بين العربي والكردي والتركماني بل هم كل وليس جزء عاشوا جنبا الى جنب بحلو الحياة ومرها ورسمت حياتهم لوحة حب وتعايش سلمي بين الديانات  والقوميات الى ان هب اعصار التعصب الطائفي والقومي من خارج الحدود ليهز كيان البيت العراقي الواحد وبسبب هذا الاعصار الذي بدأ مع دخول القوات الامريكية للعراق عام 2003  وكانت شدة الاعصار اكبر وقعا ودمارا عام 2006  عندما فجرت عناصر موتورة لاتمت للعراق بصلة ضريح الامامين العسكريين في سامراء فكانت الشرارة الاولى لدخول البلاد  في اتون صراع طائفي ما زالت اثاره مستمرة  شوهت وغيرت ملامح قرون من التعايش السلمي .. ولو تتبعنا  مواقف  مسؤولين كبار حكموا العراق لوجدنا رئيس الوزراء نوري سعيد انموذجا  في  التعامل مع الطوائف الدينية  ..ويقال ان الباشا نوري سعيد كان يتحلى بالحكمة في معالجة القضايا التي تتطلب مواقف سريعة ففي عام 1957  تم رفع الجسر العائم الذي يربط الاعظمية بالكاظمية وتم بناء جسر جديد بدلا عنه وبعد الانتهاء من بناء الجسر اراد اهالي الاعظمية تسميته باسم ” ابو حنيفة النعمان ” فيما اراد اهالي الكاظمية تسميته باسم ” الامام الكاظم ” وصل الامر الى اسماع رئيس الوزراء نوري سعيد فقالوا له ”  كيف الحل ياباشا ” .. سكت قليلا ثم قال ” بسيطة نسميه جسر الائمة و تنحل المشكلة ” 

وكان  اقتراح الباشا  مرضي للجميع واصبح الجسر بهذا الاسم رغم ان هذه الحادثة مؤسفة لانها تمثل صراع على ابسط الاشياء الا ان ذكاء وحنكة نوري سعيد تبين دور القائد السياسي في حل مثل هكذا امور..ورغم الفاجعة التي حلت بالعائلة الملكية  ومقتل نوري سعيد وما تبع سقوط النظام الملكي من تداعيات  فقد كان خلفه الزعيم عبد الكريم قاسم  نظيفا فلم تلوثه تنازاعات الطائفية .. نشأ الزعيم محايدا يمقت التمييز بين العراقيين على اساس العرق او الدين او المذهب ويقال ان  الزعيم عبد الكريم قاسم عندما كان يصلي وهو في مقره في وزارة الدفاع خلال فترة توليه السلطة كان يصر على اغلاق باب غرفته قائل .. انه كرئيس حكومة لكل العراقيين لايريد ان يعرف احد مذهبه الديني .. وخلال فترة حكمه للعراق بذل جهدا استثنائيا وتدريجيا وبهدوء للتخلص من جميع اشكال التمييز العرقي والديني والطائفي بحيث كادت الطائفية ان تختفي تدريجيا وكان سلوك قاسم في نظر المنصفين هو عدم التمييز بين ابناء الشعب العراقي على اساس مذهبي واعتبر التمييز انقطاعا عن الموروث وخروجا  على احد أهم اركان السياسة العراقية التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 .. مات عبد الكريم قاسم مقتولا ومات نوري سعيد مسحولا .. لكن تبقى الوصية الاخيرة التي كتبها نوري سعيد قبل نهايته المأساوية ناقوسا يدق ليوقظ ضمائر  السياسيين الجدد عندما قال  ” لقد طفح الكيل كثيرا جراء سياسات الغرب معنا .. ويشاركني في مشاعري كل المسؤولين العرب في العالم .. لقد سبق ان نبهناكم ونصحناكم مرارا بضرورة انصافنا وحل قضيتنا قبل ان يستفحل الامر ولكنكم تجاهلتمونا فحلت في المنطقة عدة مشاكل وخطوب .. والان اني ارى كوارث مقبلة في الافق البعيد فهي ان حلت عن طريق اليأس فلا بد  ان يتجدد سعيرها الملتهب على ايدي شيوعيين او ارهابيين في المستقبل القريب ويقيني ان اخمادها حين ذلك لن يكون هينا باي حال من الاحوال “
ان ما خشى نوري سعيد من حدوثه قد تحقق وان كل ماحصل كان بسبب الغرب وعلى رأسه امريكا .. وعلينا ان نتأمل في قوله الشهير عندما قال في خطابه عام 1956 ” انه يحق لرجل الدولة الامين ان يغامر بحياته ومركزه وبكل ما يملك اذا اراد ذلك .. ولكن لايجوز له قط ان يجازف بمقدرات او كيان الامة التي يرعاها ” فما احرانا اليوم ان نكون بمستوى عقلية نوري سعيد في ادارة البلاد بعد ان مل العباد  مزايدات المفسدين الاوغاد 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب