بالبداية ،وليس بعيداً من وعن ما يجري بشمال غرب سورية ،وهذا الزخم العسكري الكبير الذي يقوده الجيش العربي السوري بهدف تحرير محافظة ادلب واطباق فكي كماشة على عمقها الحيوي ،تزامناً مع قرب قمة بوتين – اردوغان ،والتي سيكون بعمق اجندتها نقاش ملف ادلب، فـ معركة إدلب اليوم وبقوة زخمها العسكري تُشكّل أهمية إستراتيجية “كبرى “،ليس لأنها اخر البؤر الإرهابية المتبقية بشمال سورية ،بل لأن المحافظة “إدلب ” وبموقعها الاستراتيجي بالشمال الغربي لسورية، تُشكّلُ أهمية استراتيجية بخريطة الجغرافيا “السياسية والاقتصادية والتجارية ” السورية، وتحتلُ أهمية استراتيجية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق، تمتدُ على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطةُ وصل بين مناطق شمال سورية ووسطها، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب التركي، إضافة إلى كونها تشكلُ نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية، المرتبطة بإدلب شمالاً وجنوباً، وهذا ما يعكسُ حجم الأهمية الإستراتيجية الكبرى لمحافظة إدلب في خريطة المعارك المُقبلة والنهائية والحاسمة في الشمال والوسط السوري بشكلٍ عام.
وهنا ،يمكن الجزم إن الجيش العربي السوري، قد استطاع تسديد الضربة القاسمة فعلياً لبنية المجاميع السلحة الإرهابية في مختلف بقاع الجغرافيا السورية ، وبدأ فعلياً برسم ملامح وطبيعة المعركة الحاسمة والنهائية في عموم مناطق محافظة إدلب ومحيطها ومناطق شرق الفرات، وقد بدا واضحاً لجميع المتابعين، أن المعركة الاخيرة للجيش العربي السوري، والتي جرت في الآونة الأخيرة”في مناطق جنوب سورية” حسم ملف درعا،ما كانت إلّا هدف من سلسلة أهداف إستراتيجية، كجزءٍ من خطة ورؤية أكبر، لمسار الحسم العسكري التي عمل ويعملُ عليها الجيش العربي السوري، وحلفاؤه ، والتي اسقطُت بالمحصلة رِهان بعض القوى الشريكة بالحرب على الدولة السورية، والتي حاولت طيلة عمر الحرب على سورية ،اتخاذ المجاميع الإرهابية المسلحة كنقطة ارتكازٍ.. في محاولة لإخضاع الدولة السورية، لشروطٍ واملاءات، كانت تحاولُ بعض القوى الإقليمية الحليفة والشريكة والداعمة للمشروع الصهيو- أميركي بالمنطقة، فرضها على الدولة السورية.
وهنا،وبالعودة إلى الاساس وصلب مايجري اليوم بإدلب ومحيطها ،لايمكن انكار حقيقة هامة ومفصلية تخص محافظة إدلب بالتحديد ،فالمحافظة بمجموعها بالاضافة إلى محيطها الحيوي والاستراتيجي ،سعى محور العدوان على سورية وخصوصاً تركيا لتحويلها بمجموعها إلى قاعدة استنزاف لسورية الدولة بكيانها الجغرافي والسيادي، واليوم ،هناك تقارير موثقة تقول إنّ إدلب ومحيطها من ارياف حماه الشمالية الغربية واللاذقية الشمالية الشرقية وحلب الجنوبية الغربية ،تحوي على الأقل مئة الف مسلح سوري وغير سوري بين إرهابي “ومعتدل “حسب التصنيف – الأمريكي – التركي “وتشير إلى أنّ هناك ومن أصل المئة الف ما بين 11 و15 ألف إرهابي عابر للقارات موجودون في ادلب “داعش” و”النصرة”، أو في صفوف ما يُسمّى تركياً بـ “قوات المعارضة السورية”، وتفيد المعلومات عينها، بأنّ هناك حوالي 40 ألف مسلح سوري كانوا يقاتلون الجيش العربي السوري في مناطق سورية عدة ،ورفضوا مشاريع المصالحات وقرروا الذهاب لإدلب ، وهؤلاء عبارة عن أدوات في أيدي أجهزة استخبارات الدول الشريكة في المؤامرة على سورية، وهنا يعلم الكثير من المتابعين أن هناك حوالي 12 جهاز استخباراتي غربي وعربي وإقليمي يعمل اليوم داخل “ادلب “.
وهنا ، نقرأ بوضوح مدى ارتباط المجاميع المسلحة “الإرهابية ” في ادلب ومحيطها مع الجانب التركي الذي أصبح ممراً ومقراً لهذه المجاميع، وهذا ما يظهر في شكل واضح أرتباط الأجندات التركية بالمنطقة مع أجندات هذه المنظمات المسلحة المدعومة هي الأخرى من دول وكيانات ومنظمات هدفها الأول والأخير هو ضرب وحدة سورية الجغرافية والديمغرافية خدمة للمشروع المستقبلي الصهيو- اميركي بالمنطقة، وهو ما يظهر حقيقة التفاهم المشترك لكل هذه المنظمات وبين هذه الدول والكيانات لرؤية كل طرف منها للواقع المستقبلي لسورية ، وبالأخص للحرب «الغامضة» التي تدعي أميركا وبعض حلفائها بالمنطقة أنهم يقومون بها لضرب تمدد الفكر الإرهابي في العالم والمنطقة العربية على الخصوص .
وهنا بالتحديد يعلم اغلب المطلعين على ما يدور بإدلب اليوم ،ان معركة الجيش العربي السوري في ادلب ،لن تكون فقط معركة مع مجموعات إرهابية عابرة للقارات، بقدر ما ستكون ، معركة مع نظام عالمي جديد يُرسم للمنطقة، وينسج خيوط مؤامرته في سورية ليعلن عن قيامه بقيادة قوى الإمبريالية العالمية والماسونية اليهودية الصهيونية، وهذه المؤامرة تعكس حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكلّ ما يجري في سورية، وهي الأهداف المرسومة التي تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة إلى أقصى الحدود، إلا أنّ الجيش العربي السوري وذهابه نحو الصدام المباشر مع هذا المشروع ، كسر كلّ الرهانات الغربية والإقليمية وبعض العربية، فالجيش العربي السوري حقق إنجازات كبيرة وهائلة في الميدان أذهلت العالم وغيّرت سياسات ورسمت معادلات جديدة، لا يستطيع أحد القفز فوقها، والأهمّ من ذلك كله هو تلاحم الشعب والجيش والقيادة السياسية في معركة ضارية قادتها وموّلتها ورعتها تسعون دولة في العالم، لكنّ إرادة الشعب السوري المتمسّك بأرضه والمؤمن بقضيته والمتفهّم حقيقة وطبيعة المؤامرة، أبعاداً وخلفيات، أفشل خطط الأعداء وأسقط أهدافهم بالتضحيات الجسام.
ختاماً،يبدو أنّ الأكثر وضوحاً اليوم، أنّ منظومة الحرب على سورية بدأت بالتهاوي بالتزامن مع تهاوي بقايا المجاميع المسلحة الإرهابية ، واليوم نرى أنّ هذه المنظومة تعيش فترة ترنح ما قبل السقوط النهائي مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرّض لها المجاميع المسلحة الإرهابية من الشمال إلى الشرق السوري وتخلي داعميها عنها، وعلى قاعدة سلسلة انهيار أحجار الدومينو، فاليوم القيادة السياسية والعسكرية السورية تدير المعركة بحنكة وبحرفية عالية، والأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات “شرقاً وشمالاً “وستشهد تغيّراً ملموساً وواضحاً في طبيعة حسم المعارك بعموم خرائط المعارك الميدانية في “شمال وشرق “سورية، واليوم الجيش العربي السوري بداً المبادرة بعد أن انتقل من مرحلة التموضع والاستعداد إلى مرحلة الهجوم واستعادة الأرض “شمالاً وشرقاً “، ومن هنا سننتظر نتائج المعارك العسكرية المقبلة ، والتي ستعطينا إجابات منطقية وأكثر وضوحاً وواقعية من مجمل التغيّرات التي سنشهدها بالساحة العسكرية السورية بشكل عام..