ان الادارة السليمة للمخلفات الصلبة تتطلب التعامل معها بشكل يضمن صحة المجتمع وسلامة البيئة من خلال منظومة متكاملة متعددة الجوانب والمكونات ومترابطة الحلقات ، ولهذا من الضروري استخدام وسائل مناسبة وملائمة للظروف السائدة والموارد المتاحة والمحددات القائمة. ويعني ذلك تبني افضل الخيارات التي سوف تستوفي المعايير والسلامة البيئية واقل التكاليف الممكنة واعلى استرجاع ممكن للموارد والالتزام بالتشريعات والانظمة. ولهذا عملت وزارة البيئة من خلال دوائرها الفنية ومتمثلة بأقسام ادارة المخلفات الصلبة على تنفيذ برنامج عملها والسعي على اعداد التعليمات الخاصة بالإدارة البيئية السليمة للمخلفات الصلبة مثل تعليمات ادارة المخلفات (البلدية ، مخلفات الرعاية الصحية وغيرها ) التي يشكل الالتزام بها اهم الاليات التي تساهم في حل عدد من الاشكاليات ذات الصلة بإدارة النفايات الصلبة.
وتعرف النفايات الصلبة بأنها كل البقايا الصلبة الناتجة عن مختلف النشاطات وهي غير قابلة للاستخدام او التدوير. وبصفة عامة كل المواد والاشياء الصلبة المنقولة التي يتم التخلص منها من قبل حائزها او ينوي التخلص منها او التي يلزم التخلص منها بهدف عدم الاضرار بصحة الانسان والبيئة. وتعد مشكلة المخلفات الصلبة بكافة انواعها سواء المنزلية او الزراعية او الصناعية او الصحية احد اكبر المشاكل التي تعاني منها الدول سواء المتقدمة منها أو النامية ، حيث تمثل مصدرا كبيرا للتلوث وتهديد لحياة الانسان وسلامة البيئة لما تحمله من مكونات سامة وخطيرة ، وقد اصبح التخلص منها قضية تقلق بال القائمين على ادارتها ضمن اطار بيئي سليم.
وعلى الرغم من تزايد كميات النفايات الصلبة التي يتم انتاجها سنويا ، الا ان العمليات الاساسية لإدارتها متمثلة في التجميع ، النقل ، الفرز ، المعالجة ، التدوير والتخلص النهائي لم تواكب التطور العالمي في هذا المجال ، وان افتقارنا الى استراتيجيات وخطط واضحة المعايير للتعامل مع هذه المخلفات والتلوث البيئي المترتب على ذلك ، ادى الى ضياع فرص توظيفها كمورد يمكن الاستفادة منه. هناك عدة تحديات تواجه الإدارة السليمة للمخلفات الخطرة ، ومن أهم هذه التحديات عدم توافر بيانات كاملة عن كمياتها وخصائصها ومعدلات تولدها ، وكذلك وجود نقص في الكوادر المدربة والمؤهلة في كافة المستويات للتعرف على المخلفات الخطرة ، مع قلة الوعي لطرق التعامل الآمنة معها ، وكذلك عدم توافر مرافق وبنية أساسية ونقص في الموارد المالية لمعالجة المخلفات الخطرة والتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً ، بالإضافة إلى عدم توفر المختبرات المتخصصة لإجراء التحاليل ، بالإضافة إلى خلط هذه المخلفات مع المخلفات الأخرى مما يزيد من كمية المخلفات الخطرة وبالتالي يزيد من كلف المعالجة.
أولاً- الواقع البيئي للمخلفات البلدية في العراق:
تراكمت كميات كبيرة من المخلفات في معظم المحافظات في مواقع التجميع العشوائية والمحطات التحويلية الغير مطابقة للمحددات البيئية ، واصبح الحرق المكشوف والمتعمد للمخلفات وسيلة للتخلص منها مما يشكل مصدرا اخر لتلوث الهواء اضافة الى انشاء مواقع الطمر العشوائية والغير نظامية في عدة اماكن حيوية. وتقدر الكمية الاجمالية للنفايات البلدية في العراق بنحو (25604) طن يوميا حسب تقديرات وزارة البلديات والاشغال العامة وامانة بغداد ، وتضم المخلفات البلدية (القمامة) مخلفات المنازل ، المحال والاسواق التجارية ، المؤسسات الخدمية كالمدارس والمعاهد والجامعات ، المستشفيات ، المنشآت الادارية ، تنظيف الشوارع ، الحدائق ، الفنادق وغيرها. ولا يوجد نظام كفوء لإدارة المخلفات الصلبة بكافة تصنيفاتها حيث ان النظام الحالي لا يمكن ان يلبي احتياجات المجتمع ، وبالتالي الحد من الاثار الصحية والبيئية وتحسين المظهر العام.
ثانياً- الواقع البيئي لمؤسسات الرعاية الصحية:
النفايات الطبية: تعتبر الادارة الامنة للنفايات الطبية المتولدة من مؤسسات الرعاية الصحية احد اهم القضايا الرئيسية التي توليها وزارة البيئة اهتماما خاصا نظرا لما تمثله هذه النفايات من مخاطر على صحة الانسان والبيئة ، مما دعي وزارة البيئة بأعداد مسودة تعليمات خاصة بإدارة نفايات المؤسسات الصحية وهو قيد الدراسة والتشريع في مجلس شورى الدولة ، وكذلك المراقبة المستمرة لعمليات الفصل والجمع والنقل والتخلص النهائي لكافة مؤسسات الصحية لعموم محافظات العراق باستثناء اقليم كردستان. تقدر كمية النفايات الطبية (360 ,18) كغم / يوم ( حسب تقديرات وزارة البيئة ) ويستخدم في العراق نظام الحرق ( النظام السائد ) في التخلص النهائي من النفايات.
وتصنف نفايات الرعاية الصحية كالاتي:
1- النفايات المعدية: هي النفايات التي تحتوي على مسببات الامراض المعدية (بكتريا، فيروسات، طفيليات، فطريات) وتشمل:
أ- الاوساط الزراعية والمواد المستعملة لتحاليل الامراض المعدية في المختبرات.
ب- نفايات وحدات الجراحة والتشريح.
ت- نفايات المرضى المعزولين في ردهات الحجر الخاص بالأمراض المعدية.
ث- نفايات وحدات غسيل الكلى ، من اجهزة وادوات وفلاتر وقفازات واغطية الاحذية والصداري ذات الاستعمال الواحد.
ج- حيوانات التجارب.
ح- أية مواد لامست الاشخاص المصابين او الحيوانات المصابة بأمراض معدية مثل (غيارات القطن والشاش الملوثة ، المسحات والنفايات الاخرى الملوثة بإفرازات المريض ، الادوات الشخصية للمريض، اغطية الاسّرة والمفروشات).
2- النفايات التشريحية ( الباثولوجية): هي النفايات التي لها علاقة بجسم المريض او مكوناته من انسجة او اعضاء مريضة تم استئصالها ، او اطراف او اجزاء مبتورة او اجنة ميتة او سوائل الجسم مثل الدم والافرازات الاخرى او الأنسجة المرسلة للفحص المختبري.
3- النفايات الحادة: هي الادوات التي قد تسبب قطع او وخز في الجسم البشري مثل الابر، المشارط والسكاكين والشفرات المستخدمة في العمليات الجراحية ، المسامير، قطع الزجاج المكسور وغيرها.
4- النفايات الكيمياوية: هي النفايات الصلبة أو السائلة أو الغازية الناتجة عن الاعمال التشخيصية او العلاجية او المختبرية او اعمال التنظيف او التطهير او التعقيم.
5- النفايات الدوائية: هي المواد الاولية والادوية والمستحضرات الصيدلانية المنتهية المفعول او غير مطابقة للمواصفات او التي لم يعد لها استعمال لسبب او لآخر ، وكذلك بعض نفايات الصناعات الدوائية الصلبة وشبه الصلبة والسائلة والغازية وكذلك الزجاجات والعلب المستخدمة في حفظ الدواء والمحتوية على بقاياه.
6- العبوات المضغوطة: هي العبوات التي قد تحتوي على رذاذ ادوية مضغوطة مثل الكورتيزون وادوية الربو والحساسية وغيرها ، والتي قد تستعمل في اعمال علاجية او غيرها ، والتي من الممكن ان تنفجر اذا ما تعرضت لضغط عالي او حرارة عالية.
7- النفايات السامة للجينات: هي نفايات شديدة الخطورة حيث من الممكن ان تسبب طفرات ضارة او تؤدي الى إحداث تغييرات خلقية في الجسم البشري او تكون لها نتائج مسرطنة للخلايا وتشمل: نفايات ادوية العلاج الكيمياوي والنفايات المشعة والنفايات ذات المحتوى العالي من العناصر الفلزية الثقيلة.
ثالثاً- الواقع البيئي للنشاط العضوي:
تعتبر المخلفات العضوية الناتجة عن تربية المواشي والدواجن مصدر غني بالعناصر الضرورية اللازمة للنباتات ومحسن جيد لخواص التربة من ناحية كيميائية وبيولوجية ، حيث تعتبر الاسمدة العضوية المعالجة بالطرق السليمة مصدراً بديلاً وناجحاً من اضافة الاسمدة الكيميائية المصنعة والمكلفة ، والتي تعود بالأثر الجيد على انتاجية المحصول وتحافظ على خواص التربة الزراعية وتقلل من الاعباء المادية على المزارع. و تعد المخلفات الناتجة من الانشطة البيطرية (المجازر) ذات اهمية كبيرة في التأثير على عناصر البيئة (الماء – الهواء – التربة ) وخاصة القريبة من مواقع المجازر ، لما تحتويه تلك المخلفات من مواد بيولوجية ذات تأثير ملوث لوجود بكتيريا وينتج عنها عملية تفسخ بكتيري او الفطري او التحلل الذاتي ، اضافة الى تكاثر الحشرات وانتشارها في المجازر والمواقع القريبة منها ، بالإضافة الى الحيوانات السائبة التي تعد مصدر اساسي لنقل الامراض المشتركة بين الحيوان والانسان. ويبلغ عدد الانشطة العضوية المتوقفة عن العمل (82) نشاط عضوي بسبب قدمها وعطل اجهزتها الميكانيكية والكهربائية ، اضافة الى زيادة ظاهرة الجزر العشوائي في الشوارع العامة والمناطق السكنية مؤدية الى تجمع الاوبئة وانتشار الحشرات والحيوانات السائبة والروائح الكريهة.
هذا وتفتقر معظم المجازر الى المتطلبات البيئية الضرورية كوجود سياج نظامي ومحرقة نظامية تتناسب والطاقة الانتاجية للمجزرة او الحقل او المفقس.
رابعاً- الواقع البيئي للمخلفات الصناعية الصلبة:
تتميز معظم المخلفات الصناعية بخطورتها بسبب خواصها الكيمياوية والبيولوجية الخطرة وبذا تشكل عبئا كبيراً على البيئة وصحة الإنسان ما لم يتم التعامل معها بطريقة سليمة وآمنة. وتقدر كمية المخلفات الخطرة المتحررة من الانشطة الصناعية بحوالي (36852 طن سنة ) والمخلفات غير الخطرة ( 77309 طن سنة) حسب تقديرات وزارة الصناعة والمعادن. وتحتل الصناعات الصغرى ومنها الإنشائية , والصناعات الغذائية ثم الصناعات الخدمية والحرفية الاهتمام الأكبر في أنشطة القطاع الصناعي ، حيث بلغت نسبتها 49% و 25% و 16% على التوالي مقارنة بنسب الأنشطة الأخرى ، وهي الصناعات الأهلية ومنها النفطية والنسيجية والبلاستيكية والكهربائية ، حيث بلغت 3% و3% و2% و 1% على التوالي. وتشمل الصناعات الإنشائية معامل إنتاج طابوق البناء والإسمنت والبلوك والشتايكر والكاشي والصناعات الخدمية تشمل معامل إنتاج قوالب الثلج ومحلات النجارة والسمكرة والحدادة وافران الصمون وصناعات صغيرة أخرى.
لذا لابد من العمل على وفق الآتي:
1- ان الانتقال من مبدأ من يلوث الى مبدأ منع التلوث يحقق منافع للجميع ، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال إعادة بناء النظام الاقتصادي وعلى وفق المبادئ البيئية. وهذا الانتقال يساعد البيئيين الان في وضع جدول اعمال جديد للتنمية المستدامة كمحاولة لتوضيح التوازن المرغوب فيه بين النمو الاقتصادي من جهة والحفاظ على البيئة من جهة اخرى ومستخدمين بذلك الاستراتيجية الثلاثية الجوانب وعلى وفق الآتي:
أ- استراتيجية لمشروعات التنمية تتسم بالقدرة على التوقع والوقاية ( توقع مشكلات بيئية معينة والوقاية منها لان تكلفة العلاج اكبر بكثير من تكاليف الوقاية).
ب- ان للسياسات البيئية اثاراً إيجابية على التنمية الاقتصادية.
جـ- تشجيع إدماج الاعتبارات البيئية ضمن سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وهذا يعني ان النمو المستقبلي والنوعية الكلية للحياة تعتمد وبشكل حاسم على نوعية البيئة ، وهذا ما يدعم فرضية البحث.
2- ان الموارد الطبيعية الاساسية للبلد ونوعية هواءه ومياهه وارضه تمثل ميراثاً مشاعاً لجميع الاجيال ، فدمار هذه الهبات من خلال السعي لتحقيق اهداف اقتصادية قصيرة المدى ما هو إلا عقاباً للأجيال الحالية منها بسبب تحمل نفقات البيئة ، والاجيال القادمة بسبب حرمانهم من الموارد المستنزفة من قبل الاجيال السابقة. وهنا لابد من اخذ هذه التكاليف البيئية بعين الاعتبار ومعالجتها ضمن ما يسمى بالمحاسبة البيئية في القرارات المتعلقة باتخاذ السياسات الاقتصادية.