23 ديسمبر، 2024 1:13 ص

اخطاء في تطبيق قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015

اخطاء في تطبيق قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015

لم يكن تضمين الموظف واسترداد المال العام ممن تسبب بأهداره يشغل بال المشرع العراقي حتى عام 2003 ولعل ذلك يعود الى سيطرة وسيادة منطق الدولة البوليسية التي كانت تتعامل بالحديد والنار مع كل من يكون سبب في تلف او اهدار المال العام لذا فلم يفرد له المشرع العراقي قانون خاص كما يحدث الان ، إذ كان موضوع التضمين من ضمن مواد قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1961 المعدل حيث نصت المادة 61 منه على ان للوزير المختص ان يضمن الموظف قيمة الاضرار التي تكبدتها الخزينة بسبب اهماله او مخالفته للقوانين والانظمة والتعليمات … غير ان المادة اعلاه الغيت بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 100 لسنة 1999 الذي تضمن تفاصيل تطبيق تضمين الموظف ……
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى صدور قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 الذي يعد اول تشريع مختص بالتضمين والذي جاء باحكام تفصيلية على الرغم من القصور الذي شابه من عدة اوجه لسنا بصددها الان ، حيث الغي بالقانون رقم 31 لسنة 2015 النافذ وهنا لابد لنا من تسجيل ملاحظاتنا العملية على عمل اللجان المشكلة بموجب القانون النافذ وهي ملاحظات يمكن تسميتها بالاخطاء الكارثية التي قد يقع الكثير من الموظفين المضمنين ضحية لها نتيجة اما جهل اللجان المشكلة بالقانون واليات تطبيقة نتيجة نقص الخبرة او نتيجة الفهم الخاطئ لنصوصه وقد يكون السبب هو عدم تمتع اعضاء اللجان التحقيقية المشكلة طبقا لقانون التضمين بالاهلية اللازمة لممارسة اعمالهم نتيجة الخوف من المسؤولية او الخوف من تبعات تضمين اي موظف ونعتقد ان اختيار اعضاء تلك اللجان يجب اولا ان يكون من موظفين يتمتعون بخبرة اداربة وقانونية واسعة تمكنهم من تسيير عمل اللجان بما يحقق الهدف منه لان هدف اللجنة التحقيقية المشكلة طبقا للقانون ليس الانتقام من الموظف او معاقبته حيث تكفل قانون انضباط موظفي الدولة بذلك انما هدفها استدرار الاموال التي تسبب الموظف بتلفها او ضياعها ونعتقد ان سبب افرد تشريع خاص للتضمين هو نتيجة اشاعة الممارسات الفاسدة والاستيلاء على اموال الدولة دون اي مسائلة حقيقية ويمكن ابداء الملاحظات التالية على عمل اللجان التحقيقية الخاصة بالتضمين واللتي يجب على كل عامل في مجال تطبيق القانون المذكور الالمام بها وادراكها:
لا توجد علاقة تبعية بين قانون التضمين وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل حيث يختلف القانونين من ناحية الغاية والهدف لان لجنة التحقيق الخاصة بالتضمين يتم انشائها بموجب المادة 2/اولا من قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015 في حين يتم تشكيل اللجنة التحقيقية الخاصة بقانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعجل بموجب المادة 10/اولا منه ، وكلا منهما لجنة تحقيقية لها غاية محددة بموجب القانون لا يسوغ لها تجاوزها ولا يمكن لاي لجنة الاتكال على ما توصلت اليه اللجنة الاخرى حتى وان اتحد الاطراف لان في ذلك تقصير منها في القيام بما حدده القانون لها. وقد سبق لمجلس الدولة ان افتى في احدى فتاواه بانه لا يجوز تشكيل لجنة واحد للتحقيق مع الموظف طبقا لقانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 وقانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 .
يهدف المشرع من تشكيل اللجنة التحقيقية الخاصة بالضمين الى الحفاظ على المال العام واسترداده عينا او قيمته و لا تتعدى مهمتها هذا الحد في حين ان اللجنة التحقيقية الانضباطية تكون مهمتها بيان وجود مخالفة من قبل الموظف والتي قد لا تتعلق بالمال العام حيث وردت في القانون رقم 14 لسنة 1991 جملة من الخطوط العامة التي يعد كل ما يندرج تحتها مخالفة انضباطية وان وجدت تلك اللجنة ان موظفا قد ارتكب ما يعد مخالفة فعليها معاقبته باحد العقوبات الواردة في القانون على سبيل الحصر دون ان تتعدى هذا الحد فليس لها بحث الامور المالية الا بقدرما ترتبط بالمخالفة الانضباطية او ان كانت المخالفة هي في الوقت عينة جريمة مالية كالرشوة والاختلاس وهنا لابد من التوصية بالاحالة للقضاء وهو ما نصت عليه المادة 24 من القانون ، ولكن ان كانت المخالفة المرتكبة سببت اي ضرر بالمال العام فيمكن للجنة الانضباطية التوصية بالاحالة الى لجنة التحقيق الخاصة بالتضمين على ان عدم التوصية لا يعدم امكانية الاحالة بصلاحية الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او من يخوله اي منهما على تفصيل لا مجال لشرحه فكلما اشترطه قانون التضمين هو موافقة الوزير او رئيس الدائرة او من يخوله اي منهما .
وكما حدد المشرع ما يمكن للجنة التحقيقية الانضباطية التوصية به فقد حدد للجنة التضمين توصياتها وصلاحيتها على سبيل الحصر وهي
اولا- تحديد المسوؤل عن احداث الضرر
ثانيا – جسامة الفعل المرتكب الذي تسبب باهدار المال العام
ثالثا –تحديد مبلغ التضمين
ومن خلال التمعن في المادة (2/ ثانيا / ب) يمكن ان نستنتج ان اللجنة التحقيق الخاصة بالتضمين مستقلة تماما عن عمل لجان التحقيق الانضباطي من ناحية توصياتها بدليل قيامها باجراءاتها من التحقيق التحريري مع الموظف والاطلاع على الوثائق وتحديد المسؤول عن احداث الضرر والذي لو كان التضمين معلق او متوقف على التحقيق الانضباطي لما نص المشرع صراحة على هذا الامر لان معاقبة الموظف من قبل اللجنة الانضباطية لايكون كافيا للتوصية بتضمينه من قبل لجنة التضمين بل نص المشرع صراحة على وجوب اجراء لجان التمضين التحقيق صراحة مع الموظف بغض النظر ان كان سبق وان تم التحقيق معه من قبل اللجان الانضباطية او لا ويجب اجراء تحقيق جديد او تحديد هوية الموظف المتسبب بالضرر ، لذا على لجان التضمين ان تكون مستقلة كما اراد لها المشرع وان لا تكون تابعة باي صفة كان للجان التحقيق الانضباطي فهي مستقلة في تحديد الموظف المسؤول طبقا لما تتوصل اليه هي بموجب تحقيقها وليس بموجب تحقيق سابق اجرته لجنة اخرى وهي مستقلة في تحديد مبلغ التضمين الذي يمكن ان لا يكون الا جزء من المال المهدور وليس كله طبقا لسلطتها التقديرية وما تتوصل اليه ن اما ما تقوم به لجنة التضمين من ربط توصيتها بما توصلت اليه اللجنة الانضباطيه فهو تقصير وافراغ للقانون من محتواه وقد يصل الامر الى ان يعد هذا الربط شبه الكلي تقصيرا يوجب مسائلة لجنة التضمين لانها لم تقم بواجبها من ناحية تحديد المسؤول انما استوردته من لجنة اخرى لم ينص المشرع على اي ربط بينهما كما ان تضمين المسؤول كل المبلغ امر هو الاخر يعد خطئا فادحا لان المسرع قد نص على تحديد مبلغ التضمين بمعنى ان هذا المبلغ قد يكون جزء يختلف حسب المسؤولية ولا يكون كل المبلغ
حتى في حالة توصية اللجنة التحقيقية الانضباطية باحالة الموظف الى التضمين فليس واجبا على اللجنة من ناحية نظرية ان تقوم لجنة التضمين بتضمينه لان المشرع نص في القانون رقم 31 على ان اللجنة بعد استكمال تحقيقاتها اما ان توصي بتضمين الموظف او عدم تضمينه متى ما وجدته غير مسؤول اي الاضرار بالمال العام
بعض لجان التضمين تهمل الاشارة الى حق الموظف في الطعن بقرار التضمين خلال فترة 30 يوما من صدور قرار التضمين على مرحلتين وهو ما يجب الاشارة اليه بالتظلم من القرار كما ان التضمين يتم الطعن فيه – بعد التظلم – امام محكمة القضاء الاداري على عكس العقوبات الانضباطية التي يكون الطعن في توصياتها بالعقوبة امام محكمة قضاء الموظفين
من الجدير بالاشارة الى اننا نعتقد ان استمرار المشرع على عده سكوت الادارة عن البت بالتظلم رفضا له امر لم يعد ينسجم مع ما تمتلكه الادارة من اليات التنفيذ المباشر لقراراتها وامكانياتها المادية والادارية ووجود تشكيلات قانونية في كل دائرة لذا نقل عبء الطعن على الموظف المضمن والمعافب امر لا بد من اعادة دراسته من قبل المشرع ونعتقد ان اعتبار السكوت هو قبول للتظلم ينقل العبء الى الادارة وهو امر يتناسب مع امكانياتها ويجعل الادارة تعطي اهتماما اكبر لمثل هذه التظلمات فان كان التظلم هو بمثابة الرقابة الذاتية للادارة بما يمكنها من مراعاة قراراتها وامكانية الرجوع عنها فان نقل العبء اليها سوف يحقق هذه الغاية ويخفف العبء عن كاهل المضمن محدود الامكانات.
المصادر
قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل
قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل
قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006
قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015
أ . د فيصل غازي مهدي ،شرح قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015 ،مكتبة القانون والقضاء ،ط1 ، بغداد ، 2016
قرار مجلس الدولة رقم 123/2010 لسنة 2010 ، غير منشور