قوة شخصية الرؤساء الثلاث أو ضعفها..ومخاطرها على مستقبل العراق!!
يبدو ان العراق يعيش حاليا حالة تناقض لمرحلتين زمنيتين مرت عليه في العقد الاخير من هيكل النظام السياسي المتبع فيه، أحدهما كانت تسير فيه في اتجاهات إيجابية وفي أخرى دفعت بالبلد الى ( مهاو) أو ( نكسات) بعد ان تحولت الحالة من مرحلة ( شراكة ) الى حالة ( إستفراد ) بسلطة القرار وعدم السماح للشخصيات القوية ان تأخذ دورها في خلق ( حالة التوازن) بين تلك السلطات، وبخاصة في المرحلة الاخيرة من ولاية المالكي، وقبيل تخلي الرئيس جلال الطالباني عن السلطة في المرحلة التي أعقبت مرضه، ثم عاد التوازن ليختل مرة أخرى بعد تولي خضير الخزاعي منضب رئاسة الجمهورية بدلا عن الطالباني!
لقد كانت مرحلة سنوات 2010 – 2014 في بدايتها الاولى اكثر استقرارا بالرغم من حالة الفوضى التي عمت الوضع الأمني، الا ان قوة الرئاسات الثلاث ( المالكي، النجيفي ، الطالباني ) الى حدما ما، كانت تعطي انطباعا بأن أجواء ( الشراكة ) في السلطة والقرار كانت بطريقة أفضل، وكانت العلاقة بينهم تصل الى حدود مقبولة من الود والاحترام، الا انها اختلت كثيرا في السنتين الاخيرتين من ولاية المالكي الثانية ، بعدما سار رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي باتجاه العمل على (تحييد) سلطة رئيس البرلمان أسامة النجيفي ، الذي بقي الشخصية الوحيدة التي تواجه المالكي خلال فترة توليه رئاسة البرلمان ، ولم يستطع ان يثتيه عن طريقه في تحقيق مطالب المكون العربي او حتى منعه من التدخل في القرارات التي يعمل البرلمان على اتخاذها في الظروف المعقدة التي اختلت فيها تلك العلاقة وأدت الى (توترات) ساخنة في الوضع العراقي، اوصلته الى الحالة التي سقطت فيها محافظة نينوى، لأن الهدف الأساس الذي كان يسعى اليه المالكي هو ( تسقيط ) أسامة النجيفي سياسيا حتى وان تطلب الأمر تسليم مقدرات تلك المحافظة بيد داعش، أي ان الهدف كان فقط إزاحة أسامة النجيفي لأن الاخير رفض بقوة ولاية ثالثة للمالكي، بسبب ما ارتكبه من تجاوزات خطيرة سعى من خلالها الى ابقاء سلطات البلد بيده ، وكاد يقود ( انقلابا) على السلطة بعدما رفض التحالف الوطني ولاية ثالثة للمالكي، وأدت كل هذه التوترات واختلاق الأزمات الى الحالة غير السارة التي هي عليها العراق الان ، بعد ان رفض المالكي كل الدعوات التي تطالب بالاستجابة لما هو مشروع من مطالب المكون العربي (السني)، حتى وصل الوضع الى نقطة الانفجار وما أعقبه من تسليم الموصل بدون قتال!!
كان خطأ المالكي الكبير هو ان يجعل من أسامة النجيفي (عدوا) سعى الى مواجهته باية طريقة وانتقل بالبلاد معه من مرحلة الشراكة والتشاور في القرارات المصيرية في السنتين الاوليتين من الولاية الثانية الى مرحلة ( اختلاق الأزمات ) في السنتين الاخيرتين من تلك الولاية، ما أدى الى كل تلك الاوضاع المزرية والانتكاسات التي شهدها العراق!!
ويؤكد خبراء ومختصون في الشأن العراقي ومحللون سياسيون لو ان المالكي استمر بتلك العلاقة الايجابية مع أسامة النجيفي التي كانت ماثلة للعيان في سنواتها الاولى وتحققت فيها طفرات نوعية من العلاقة الايجابية، ولم يسع المالكي الى (الانفراد ) بالسلطة والعمل على إضعاف البرلمان وسلبه سلطة اصدار القرارات لكن العراق وصل الى مراحل أكثر أمنا واستقرارا، ولكانت قوة الرئاسات الثلاث عامل قوة بدلا من ان تتحول الى عامل ضعف، ولاستفاد المالكي كثيرا من قوة شخصية أسامة النجيفي بالاتجاهات الايجابية ولعادت باثارها الايجابية ليس على صعيد مستقبل المالكي السياسي وحصوله على الولاية الثالثة بل الى عهد من الشراكة القوية التي كانت مراحلها الاولى تشكل دعائم قوة للعراق ولاستقراره، وكان المالكي يظن ان بقاء النجيفي قويا يمسك بسلطة القرار في البرلمان إضعافا له، وهو على العكس لو ترك للنجيفي ان يناظره في قوة التأثير وفي اتخاذ قرارات فاعلة ومصيرية تخدم مصالح المكون العربي وجتى مصالح مكونات التحالف الوطني ، ولم يختلق المالكي الازمات مع الكرد، لما وصل الأمر الى تلك التداعيات الخطيرة التي هي عليها العراق الان وأصبح من الصعوبة بمكان ايجاد ( معالجات حقيقية ) لمحن وانتكاسات ما كانت لتحدث لو لم يسر المالكي باتجاه التصعيد بل والتآمر ضد أسامة النجيفي والعمل على خلق المشاكل وعرقلة الوصول بالبلد الى حالة أمثل من الامان والاستقرار ولكان العراق قد خرج من تلك السنوات التي شهدت تفهما وشراكة مقبولة الى حالة وئام وتجانس ولكان مستقبل المالكي أفضل بكثير مما هو عليه الان، وهو في وضع لايحسد عليه!!
أما عهد الرئاسات الثلاث الضعيفة حاليا والتي تشكل محور ( حيدرالعبادي سليم الجبوري ، معصوم ) فهي الأكثر سوءا للعراق لانها لم تجد رؤساء يقدرون حجم التزاماتهم ويتحكم فيهم آخرون من خارج سلطة القرار، وهم (مسيرون) في الأغلب وليسوا ( مخيرين )!!
أي ان ما نريد ان نقوله في هذا الاستعراض ان عهد ضعف الرئاسات الثلاث الحالي، يكاد يكون الاكثر خطورة على مستقبل العراق، ولن يقود الى ايجاد حلول لمشكلاته المتفاقمة، وسيكون أمر خلاص محافظات المكون العربي من داعش أكثر صعوبة، وان مستقبل سكان تلك المحافظات في مهب الريح، وتكتنفه حالات خطيرة من الغموض بشأن مستقبلهم وسبل عودتهم الى محافظاتهم، والمصير المجهول لتلك المحافظات، وهل ستبقى في يد داعش ام يتم تحريرها ولكن ربما بعد سنوات من الضياع والغربة واستلاب كرامة المواطن العراقي الذي عاش ويلات النزوح والفاقة ولم يعد بمقدوره ان يقف على قدميه بسبب مخلفات تلك الانتكاسات وتراكماتها التي تبقى تلاحقه لسنوات مقبلة!!