منذ الاختراق التأريخي للأمن الوطني العراقي, المتمثل في سرقة طائرة سلاح الجو العراقي ( ميغ 21) ,من قبل الطيار الخائن منير روفا..لم يسجل رسميا, وبشكل معلن وواضح ومدعم بالحقائق والوثائق, تحقيق اختراق أجنبي للأمن العراقي.
وفي عديد المرات, جمعتني مع بعض المهتمين بالشأن الأمني, من العرب وغيرهم ,كان يطرح بيننا تساؤل هام ,يتعلق بمدى نجاح الإدارة الأمريكية ,ومن وراءها ( إسرائيل), في أيجاد عميل واحد لها يعمل داخل العراق ؟ كان ذلك في سنوات العقود السبعينية والثمانينية والتسعينية ؟ حتى أن عملية سرقة ( الميغ), اعتمدت بالأساس, على عائلة ذات ارتباطات خارجية لاتخلو من مسحة دينية , وليس على فرد أوعائلة تفتقر إلى تلك الارتباطات, وكانت بتخطيط على مستوى دولي .
تذكرت هذا الأمر, وأنا أتابع باهتمام بالغ, مايجرفي الخفاء, من اختراقات, صارت نتائجها واضحة للعيان, فيما بقي الغاطس منها بعيدا عن الأعين .
وإذا أردنا تأشير حقيقة بدايات الاختراقات الأمنية للعراق, في التأريخ الحديث, علينا عدم نسيان أن الاختراقات الأولى للأمن الوطني العراقي, قد جرت على أيادي الملا مصطفى البارزاني, في ستينات القرن الماضي, حيث زار ( إسرائيل) ,والتقى الرئيس الإسرائيلي ( شوفال), واستقبلت الكهوف الكردية ( عميت), وغيره من كبار قادة (الموساد), وقد رافقهم وترجم لهم ,السياسي الكردي الحالي, (محمود عثمان), فيما دخلت أجهزة الاتصالات الإسرائيلية, وسلاح الدولة العبرية في مقاتلة الجيش العراقي ! .
وعندما نقول بعدم تسجيل اختراقات للأمن الوطني العراقي, نعني بذلك التسجيل الاعتراف الرسمي الموثق . فيما أغرق العراق بسيل الاختراقات الأمنية منذ الاحتلال الأمريكي الغاشم, لحد الآن, دونما توثيق ذلك وتسجيله, كنشاط تخريبي واضح ضد العراق .. ولايعثر الباحث على أية وثائق أو حيثيات مسجلة معترف بها من قبل السلطة المختصة, يمكن أن تخضع تلك الأختراقات للدراسة والتحليل .من أجل أعداد الخطط والبرامج لإحباط جديدها, بهدف تأمين الشعب العراقي, من أضرارها, ونتائجها الكارثية ,التي أودت بمئات الآلاف من الشهداء, والهدر المتصاعد في الإمكانيات المالية , الآّ أن الأخطر في ذلك, تلك الاختراقات الأساسية للأمن الوطني, المتمثلة في تصرفات (الكويت) , أبان الاحتلال الأمريكي, حيث عملت المخابرات الكويتية بأشراف مباشر من أحد ابرز أركانها ( عذبي فهد الصباح), على عناصرها التخريبية, منذ الساعات الأولى لدخول قوات الاحتلال, وقيام تلك العناصر المعدة سلفا, بإحراق مقرات الوزارات والدوائر الهامة, ومن بينها وزارة التربية ووزارة التعليم العالي والمكتبة الوطنية, الحاوية على الأرشيف الثقافي والإعلامي العراقي, وأرشيف الدولة, إلى جانب التسلل بين الناس البسطاء لنشر الإشاعات, التي تتلائم والأهداف التخريبية الكويتية, ثم جاءت مرحلة الاستحواذ على الشريط الحدودي العراقي, على امتداد المنطقة فيما بين( صفوان )و(الكويت) التي كانت حدودها في ستينات القرن الماضي تقف عند ( المطلاع), التي تبعد عن مدينة ( الكويت ) 45 كيلومترا فقط! فيما استخدمت الرشى, وسلكت المسالك الوصولية, لجعل قرارات ترسيم مايسمى بالحدود العراقية الكويتية ,بالشكل الذي يحقق مصالحها التوسعية مستغلة ظروف العقوبات على العراق, أبان عهد النظام السابق, ولم تتحول عن سياستها التوسعية ,عندما حل النظام الجديد في أعقاب الاحتلال الأمريكي, مستحوذة على جزء كبير من البر والمياه العراقية الاقليمية, حتى وصلت تجاوزاتها إلى نصف ( أم قصر ) , فيما أبتدع لها ( جون ميجر ) ,ومؤسسة دراساته ,ميناء ( مبارك ), الذي يستهدف خنق الموانيء العراقية, وأحداث التغييرات في المجرى المائي لصالح (الكويت), وتحقيق هدف جعل العراق يلجأ مضطرا ,إلى استيراد وتصدير منتجاته من خلال ذلك الميناء! وليست ببعيدة عنا الأساليب الإيرانية, في الزحف على الأراضي التي تدعى ب( المتنازع عليها ), في القاطع الأوسط ,وأساليب ( إيران),في تغيير الحدود البحرية في( شط العرب), لجهة الأخذ من الجرف العراقي عمليا .
وأذا ما أضفنا كل هذا, الى محاولات قضم الأكراد المدللين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, والذين نجحوا في استغفال وأبتزاز السياسيين العراقيين, في مرحلة مابعد الاحتلال الأمريكي, تحت ذريعة ( الهولوكوست الكردي), والمادة ( 140), التي كانت أحدى المواد اللاغمة ل( الدستور) العراقي, تحت لافتة ( المناطق المتنازع عليها ) ..وفي النتيجة سنجد (أن العراق كله مناطق متنازع عليها), وتلك حقيقة سياسية استراتيجية, عملت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأسرائيل, وعملآء هذه الجهات في الداخل , مع عدم نسيان سياسات الدول العربية المجاورة, التي لاتنظر بعين الارتياح إلى التطورات السياسية الجارية في العراق, على وجه الخصوص وأن العراق, قد وضع من قبل مراكز الدراسات الإستراتيجية التابعة للأمم المتحدة, في مصاف الدول, التي تهيئها ثرواتها الطبيعية, وخاصة ( البترول ), لتصبح القوة الاقتصادية ألكبرى في عالم الثروة النفطية ! ولكن يبدو أن تلك المراكز لاتعلم أن هناك من (يشفط) هذه الثروات ويبددها ويهدرها دونما حساب أو رقيب !
وفي الوقت الذي يفقد العراق الكثير من أراضيه وثرواته المنهوبة, نرى صمتا مبرما, أو (همهمات) تبريرية من الحكومة , فيما ترتفع بعض الأصوات المنبهة إلى مايجر !
لقد جعلت الإدارة الأمريكية, في مقدمة أهدافها ووسائلها للسيطرة على الشعب العراقي , اعتماد وسائل( الاختراق الأمني), ولعل ابرز وسائل ذلك الاختراق بعد استباحة العراق كله, وتحطيم أركان الدولة العراقية الحديثة , جعل السفارة الأمريكية في العراق, بمثابة دولة داخل الدولة العراقية, من خلال عدد العاملين, الذين بلغ كما تقول التقارير الأمريكية ذاتها 16 ألف منتسب, و هي اكبرسفارة في العالم ,من حيث عدد المنتسبين والتشكيلات والمرافق التابعة لها, ناهيك عن القنصليات الأمريكية التي تم افتتاحها في عديد المدن الهامة في العراق ..وهنا ثمة تساؤل علينا طرحه ..ماهي حاجة سفارة دولة أجنبية إلى 16 ألف منتسب؟ وهي لاتمارس عملا قنصليا واسعا ,في منح (الفيزا ) الى العراقيين, والتي تقتصر على المسئولين الرسميين فحسب, وبعض الوفود من ( حبايبها ),أما الحديث عن الشركات الأمنية فأنه يطول, حيث مارست هذه الشركات الكثير من الأعمال الإرهابية, في تصفية العلماء وأساتذة الجامعات وعدد من الصحفيين وقادة الرأي والضباط والطيارين رجال الحرب الإيرانية العراقية . وقد عهد إليها في مراحل سابقة حراسة المسئولين العراقيين, بدء من رئيس الجمهورية مرورا برئيس الوزراء, حتى بعض رؤساء الأحزاب العراقية ! ومؤسسات الدولة, والمؤسسات الواجهية التابعة للاحتلال الأمريكي.كما أفتتحت محطات (الموساد), في بغداد وعديد المحافظات, ومن أهمها محطة( أربيل), بالاضافة الى تأسيس (مراكز للدراسات والبحوث) وأبرزها المركز التابع لمؤسسة ( ميمري) الصهيونية, الكائن في شارع (ابي نؤاس), الذي يتعامل مع مئات الآلاف من الدارسين والباحثين وذوي الرأي, من خلال نشراته التي تصلهم عن طريق البريد , إلى جانب ان الحاكم المدني السابق للعراق ( بول بريمر ), قد أنفق أكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات لتغطية تمويل منظمات المجتمع المدني, والصحف, والقنوات الفضائية, التي صدرت وباشرت أعمالها في أعقاب الاحتلال الأمريكي.. وإذا ما أردنا التعرف على العديد من العراقيين, وخاصة أولئك الذين (هطلوا), عل الصحافة والإعلام بمضلات أمريكية, سنرى أنهم يتجولون في الولايات المتحدة, ويسافرون إليها بدعوات مختلفة الأغراض والأهداف, وهي جميعها في الغالب, عبارة عن عمليات تدريب واستجلاب للتأثير السايكولوجي, في قناعات وخيارات هؤلاء الكتاب ! ورحم الله الشيخ الصحفي( نجم السعدون ) ذي ال80 عاما ,الذي حكم عليه بالإعدام, لمجرد أن له علاقات ببعض الأوساط الاجتماعية السعودية, وكثرة أسفاره إليها, لزيارة ولده المتخصص في النفط , حيث قضي في السجن, كما ان زميله في رحلة العذاب, الصحفي المخضرم (قاسم السماوي), هو الآخر قد حكم بالإعدام بهتانا وظلما, وقد اخرج من السجن, من خلال العفو العام, ليغادر إلى (كندا) نزيلا في مركز للمسنين ! .
وهنا أعود بذاكرتي إلى وراء ,حيث كنا نخاف المرور من إمام أية سفارة عربية أو أجنبية, ونرفض حضور الدعوات الدبلوماسية, حتى توقفت السفارات عن دعوة الصحفيين إلى مناسباتها, فيما أذيع سرا لأول مرة, عندما جمعتني الصدفة بمسئول كبير في الأمن العامة, في سبعينات القرن الماضي ,الذي ما ان عرف مهنتي, حتى سألني عن الصحفي (غازي العياش) .. وكنت لاأعلم أية معلومات عن ذلك الزميل, سوى أنه صحفي لايستقر في العراق, ويقضي معظم أوقاته في (بيروت) ,وينشط في انجاز عقود عمل الفنانين والفنانات من لبنان العاملين في العراق ! .
لقد أوردنا تلك الملاحظات من أجل التدليل, على أن كل شيء في العراق, كان تحت السيطرة, خاصة فيما يتعلق الأمر بالجانب الأمني .. ونحن لاندعو هنا, الى سلوك ذات الأساليب المستخدمة في النظام الشمولي, بل أن الضرورة تقضي بتمتين الجوانب الاستخبارية, التي ينبغي لها أن تترافق مع الجوانب السياسية لتحصين الأمن الوطني العراقي , دونما مساس بحرية المواطن ! .
وعندما نتناول هذا الموضوع الخطير, فأننا نتناوله, من زاوية أهميته القصوى, بالنسبة الى الأمن الوطني العراقي, وليس من الزوايا التفصيلية لتلك الاختراقات كالتفجيرات والأرهاب والتجسس والتعاون مع أعداء العراق والمفسدين إداريا وماليا ..حيث أننا نقصد بما نتناول جميع الأعمال التي تستهدف تحقيق الاختراقات الأمنية, أيا كان مصدرها ومهما بلغ تأثيرها ومستويات عملها , وهو مالا تسمح به أية دولة من دول العالم مهما صغرت أم كبرت .
من هنا فأنا ندعو إلى قيام هيئة وطنية, لمكافحة اختراقات الأمن الوطني العراقي, تستقطب عديد المؤسسات المعنية بأمن العراق, خارج أطار أمن حكومة ما, أو شخص ما, بل تتوجه لحماية الأمن الوطني العراقي ,بصيغته القومية ! فهل نجد من يفعل ؟ .