-1-
نقرأ في بعض كتب الادب أخباراً تُضحك الثكلى ،وتُثير موجاً من التعجب والاستغراب ..
وسرّ التعجب :
ان النرجسية تبلغ ذروتها حين يُعدّ بعض الجهلاء انفسهم من البلغاء..!!
ومن ذلك على سبيل المثال ما جاء في (البصائر والذخائر ج3/317 وربيع الابرار ج1/629 ) :
دخل خالد بن صفوان (الحَمّام وفيه رجلٌ مع ابنه ، فأراد ان يعرّف خالداً ببلاغته فقال لابنه :
{ يابُنيّ
أبدأ بِيداكَ ،
وثنِّ بِرجلاكَ ،
ثم التفتَ الى خالد وقال :
ذهب واللهِ أهلُ هذا الكلام ،
فقال خالد :
والله ما جعل الله لهذا الكلام أهلاً }
ولنا هنا وقفات :
الاولى :
إنّ خالد بن صفوان يوصف بأنه :
رجل حاز سرعة البديهة وشدة العارضة، واستحضار الكلام البليغ في الوقت المناسب للموضوع المناسب، مع التمكن من الفصاحة والبلاغة ، وحفظه لأخبار الاسلام، وايام الفتن، واحاديث الاخبار، ونوارد الرواة، ما جعله قريباً من مجالس الخلفاء والأمراء والقُواّد في العصرين الاموي والعباسي .
ومِثْلُ هذا الانسان لا يجوز لأحمق جاهل ان يحدّث نفسه بابراز عضلاته أمامَهُ !!
إنَّ الجهل هو الدافع الاول للمحاولة البائسة، التي حاولها ذلك الأحمق الذي دخل الحمّام مع ابنه .
ومِثْلُهُ في الحماقة كثيرون، خاصة في العراق الجديد ، الذي ابتلى بسياسي الصدفة، ورجال (الحواسم)، الذين لا يميزون بين (المجرور) و(المرفوع) من الاسماء، وهم يحسبون انهم في القمم العالية من المعرفة والاقتدار ..!!
الثانية :
ان حرف الجرّ (الباء) قد عُطّل عن العمل فبدلاً من أنْ يقول الأحمق :
أبدأُ بيديك، قال :
أبدأ بيداك !!
وبدلاً من ان يقول :
ثنِّ برجليْكَ قال :
ثن بِرجلاكَ …
ثم اسف على ذهاب أهل هذا الكلام – ويعني بهم اهل المعرفة بالنحو واللغة – عادّا نَفْسَهُ منهم ….
تماما كما عدّ الفاشلون بامتياز، من محترفي السياسة في العراق الجديد ، أنفسهم من البارعين في الانجازات، وهم الذين أوصلوا العراق الى حافة الهاوية …!!!
الثالثة :
ان النفس البشرية كثيرا ما تُخطأُ في تقديراتها ،ولا سيما اذا كانت تلك التقديرات متعلقة بالذات .
فبدلاً من المسارعة الى انتهال العلوم، تسارع الى المباهاة بالجهل بسبب من النرجسية العالية .
الرابعة :
إنَّ النرجسية داءٌ عابر للأزمان والاقطار والاديان، فكما شهدنا الاحمق المغالي بنفسه ايام خالد بن صفوان، نَشْهَدُ انماطاً من المغالين بانفسهم اليوم، وفي كل المجالات، لا في السياسة وحدها .
والله المستعان على ما يصفون .
-2-
ان قراءة النص بشكل سطحي ساذج، لا يعود على القارئ بمردودات معرفية كثيرة، ولكنّ قراءته المعمقة يمكن ان تقود الى ثراء معرفي كبير.
فالنص السابق :
1-
يعرفنا مِنَ الناحية النفسية على امكانية ” الانتفاخ” السريع بمجرد عروض شبة معينة في الذهن، كأنْ يتصور الانسان نفسه عارفاً بفنٍّ من الفنون، أو علم من العلوم، وهو في الحقيقة من اكبر الجهلة بكل ما يتعلق بذلك..!!
وهكذا يدفعنا للتدقيق في ما يُساورنا من مشاعر وما نتصوره فينا من ملكات …
2-
ومن الناحية الاخلاقية :
يُوقفنا النص على ان ” الحياء ” وسائر السمات الاخلاقية، سرعان ما تتبخر حين تتضخمُ الذات .
وذلك يعني عمليا :
ان الذاتية والنزعة الاخلاقية ضدّان لايجتمعان .
ومن هنا :
كان العلماء أكثر الناس تواضعاً
ومن الناحية العملية :
فلن تخلو الساحة من ” نماذج ” لايهمها الاّ البروز والظهور ولو على حساب الموازين والمعايير العلمية والحضارية والاجتماعية والانسانية والسياسية ….
-3-
اننا ندعو الى استنطاق النصوص ، والانطلاق منها الى الراهن المعاش ، بكل ما يَزْخَرُ به من ظواهر وتضاريس، وبهذا نفتح بوابّات المقارنة بين الماضي والحاضر، مستهدفين تسليط الاضواء على مالا نرضاه من السلبيات والثغرات ، وصولاً الى الأوضاع السليمة والممارسات القويمة.
*Husseinalsadr2011@yahoo.com