حرق الفواصل وتذويب ملامح القص
لعل الاطار الذي يحاول صنعه بعض من القصاصين في شكل كتاباتهم القصصية يبقى محصوراً في اطار من المعاينات الانحرافية السردية و في الوقوف متوخياً مبدأ التحقيق ومركز خصيصة ( اللغة الاخبارية ) ومنهم اي القصاصين من يحاول بلوغ الاسلوب المضموني مروراً بأتكاء القاص على منطوق شكلي باهت من مفهوم (الانزياح السردي ) ولكن هذه المرة يبدو انزياحاً سردياً يتوخى شيوعاً لا يخلو من (حرق الفواصل وتذويب ايحاء ملامح القص ) ان الاطار الذي صنعه جاسم عاصي من خلال قصة ( اخبار العائد من تجواله ) بمثابة الاهتمام بالمحتوى (الاخباري /التنقلات السردية/ النزوع التضليلي / اخفاء ملامح الشخوص) وهذه الانطلاقة من القاص من شأنها اغراق البنية القصصية بـ(سواد اعظم) اي انها تحيل من المحتوى المتني الى مجرد منطوق تكراري شاسع الافتراق مابين (الصفر / ودرجة نضوج المئوية) ومن اجل استكشاف قيم ادوات كتابة هذا النص القصصي ، وما علينا سوى استعراض ماجاء به هذا النص من محاور ووحدات سردية ( منذ لحظة سماع خبر العائد من غربته الطويلة: والقوم لامستقر لهم سوى السؤال وابداء الاستغراب عن تأخره: فكأنهم لن يفارقوه كل تلك الحقب :ولم تترك عليهم تلك السنوات طابعها في النسيان انها فترة من الزمن لايمكن تغافلها ) لم يكن مسعى بداية النص سوى الوقوف والانتظار من القارىء نفسه على ماتحمله تلك البداية والتي تشيع نوعاً ما من (الترقب / الدهشة / القلق ) كما ان الامر يبدو غريبا وسير الاحداث في ذلك النص حيث لاتكشف عن لحظة مؤثرات ذالك القادم والذي يبشر قدومه بـ( هل يعقل ان هذا الرجل يجهد نفسه متجولا في كل الامصار دون ان يكون له مرمى اخر / فأنبرى غيره للأجابة عن سؤاله النطوي على شك غير مبرر في كونه يمتهن حرفة الحكي وجمع الحكاية.) لعل جاسم عاصي متأثرا الى حد لا يوصف بعوالم
(حكايات الرحالة )وهذا الشيء لعله ينطبق تماما على ماقد تناوله من منظور سردي ،الا اننا في الوقت نفسه قد نخالف (جاسم عاصي ) بما قد جناه من مخالفة كبيرة في ادوات صنيع هذا النص ، وذلك في كونه قد جعل من شخصية ذلك ( القادم من تجواله ) اقرب ما يكون عليه مكون فعل ( مدينة اليوتوبيا ) او بالاحرى اقرب ما تكون عليه شخصية ذلك الغائب في مسرحية ( انتظار غودو ) او لربما هو يحمل ما تكون عليه انتظارات ( الشيعة لامامهم المنتظر ) ومن يقرأ احداث النص تقادماً واسترسالا ً يشك بأن ذلك القادم هو بلا ريب شخصية غيابية في خلاصها للعالم والناس ، من هنا نلاحظ بأن الاطار الذي صنعه جاسم عاصي لشخصيته لربما يعد بأكبر مما تقتضيه احداث موضوعته السائبة ،ولعل القاص عاصي ايضا بهذا قد نسي بأن ظواهر التعبير الكلامي في القصص لها تأثير خلقي خاص على وقائع الخطاب السردي في صنع احداث النصوص ،اي انها تقوم بفعل الايحاء بما سوف يكون معبرا عنه نحويا،ومايهمنا في هذا المقام هو اظهار ما قد قامت به احداث قصة القاص من خصائص ذات توجهات مقصورة قصراً على ابراز انبهارات القارىء ازاء احداث انتظارات وثرثرات اصوات شخوص القصة الباهتة ،وعندما يصل بنا الامر للوصول لحالة متابعو مضمون القصة ،لانجد سوى جملة من الالمامات اللغوية والحبكوية التي ارتبطت بأضمام نهاية ذلك القادم بمرحلة جديدة وشاقة من (الدهشة / القلق / الانتظار)حيث نجد مثل هذا القول على لسان احد شخوص القصة :(فلكم مالكم ولنا مالنا ولنا معكم حكاية بل روايات ولكن بعد عودة القادم من جولاته ) ان كانت فعلا هذه هي نهاية قصة قصيرة لقاص عراقي له باع طويل في كتابة القصص القصيرة والروايات والمقال النقدي ،فما هو حال القاص الناشىء الذي مايزال يحبو في بداية مشواره الكتابي.وختاماًلعلنا لانملك سوى القول للقاص جاسم عاصي :ان قصة (اخبار العائد من تجواله) لربما لم تمنحنا نحن كقراء سوى ذلك السير الشاق فوق اسفلت معفر بالشكوك والتساؤلات ،وهو امر لايشك فيه كل متخصص في النقد والدرس النقدي ،ان مايمكن التساؤل عنه هنا وببراءة وبموضوعية هو :ماهو مسعى كتابة قصة (اخبار العائد ) ثم بعد ذلك ماهو وجه الدعوة من تعريف وبناء شخصية مركزية ان لم تكن انت بقادر على الاستقلال بها وبالنزلة الرفيعة من مضمون الاحداث ومن خلال مايتحدد به المعنى القصصي ،على هذا نجد بأن قصة القاص قد تكاتفت من حولها ازدواجية الغرض من حيث كون ان الرمز النسقي اضحى تفاصيل خالية من ملامح السيطرة الذهنية للمروي العليم ،وفي بعض الاحيان تبدو جميع تلك الحواريات السردية التي قد دارت مابين الشخوص اشبه بما لو كانت قادمة لتنتهي بضرورة اعتبار ان شخصية ذلك (القادم) تندرج سردياً مابين (انعطاف السرد /حرق الفواصل / تذويب ملامح القص) ومن الممكن من جهة اخرى ان تتحول هذه التدرجية الى مفردة علائقية ذات مركزية تهتم بمزاولة (المجاورة /التطابق) الا اننا نجد من جهة اخرى ،بأن مألوفية حركية الانعطاف تضحى فعلا اجرائياً مضافا قد لاتتجاهله لحظة مزاولة ذلك الفعل التدرجي او الانعطافي في جعل عملية تسوية ذلك (القادم) عبارة عن مرجعية رمزية متحولة
وفق سياقية ذلك التماهي الداخلي لعملية تجسيدات فعل (ذلك القادم)ولكن في الوقت ذاته كان من الممكن للقاص عاصي التعلق بأجرائية التأكيد على امكانية ربط غيابات ذلك الجوال في صيغة مفهوم حضورية الغياب متداركاً يستعين به القارىء في فهم عملية طرح احداث وحوارية شخوص القصة ،والحالة هذه بدورها تتطلب قليلا من عملية استقصاء وتسوية احتدام السرد الذي يجري لمقاربة (صوت القادم / سيرة القادم / شكل القادم ) وبين مايمكن ان يجد وعي متلقي من جزئية مدلولية في انطلاقة القاص الاختبارية في عرض قيمة التحول الداخلي من حياة احداث النص القصصي :وهذا السعي المرتجى من لدن ذائقة جاسم عاصي الذي كان ينبغي له سلك هكذا توجه ،لا ان ينتهي بأحداث نصه بمجرد العرض الحكواتي النمطي او مجرد توفير مساحة ما من التمايز السردي لتكون الفكرة بعد ذلك مقترحاً اختيارياً يحاول من خلاله القاص نفسه اقناعنا بأن ما قد جرى داخل قصته هذه ماهو الا بنية غيابة كبرى في الترميز ،غير اننا في الوقت نفسه كقراء لانجد في قصة القاص سوى انطباعات خارجية وقعت من خلالها ذائقة القاص لتنتج لنا وللقارىء وللقصة العراقية مؤثرا ضالاً يعتمد بنية (حرق الفواصل وتذويب القص).