9 مارس، 2024 11:53 م
Search
Close this search box.

احمد حسن البكر.. رئيس وزراء انقلاب 8 شباط 1963

Facebook
Twitter
LinkedIn

ـ طموحٌ.. أنانيٌ.. طائفيٌ.. متعصبٌ دينياً.. حيّالٌ.. مراوغاً.. أفكاره قومية بتطرف شديد.. كما وصفه عربي فرحان الخميسي.. الذي كان طالباً في الكلية العسكرية معه ثم زميلاً له.. بالغدر حتى لأقرب الناس له ولأصدقائه.

ـ أصدقاؤه: رشيد مصلح ومن بلدته ودورته.. وعبد اللطيف الدراجي.. وحسن عبود.. ومجيد حسين السامرائي.. وعبد الغني الراوي.. وجابر حسن.. وطاهر يحيى.. وكان حردان التكريتي من طلابه المدللين أيام الكلية العسكرية.. كل هؤلاء غدر بهم.

ـ أكد علاء ألدين الظاهر: ب “إن أهم ما تميز به البكر الغدر بأصدقائه وزملائه.. فقد نقل لي حاتم مخلص إن حردان التكريتي قبل سفره الى خارج العراق على رأس وفد رسمي.. زار والده جاسم بحضوره ليقول انه حل كل خلافاته مع البكر.. حيث كان حردان يعترض على تصرفات الجناح المدني لحزب البعث.. فأجابه جاسم مخلص باللهجة التكريتية “وَلْ كِتَلَك”!

ـ بعد مغادرته العراق اتصل حردان التكريتي بصديقه فاضل العساف الذي أصبح سفيراً في المغرب بعد نقله من مديرية الشرطة العامة.. ليطلب منه الاستعداد لمرافقته لحضور اجتماع الهيئة العمومية للأمم المتحدة.
ـ لم يمض يومان حتى أقيل حردان التكريتي من جميع مناصبه.. وعندها اتصل بالعساف مرة أخرى ليخبره بأن: “الجماعة في بغداد.. سفلة لا ينفع معهم شيء”.
ـ أما عبد الكريم فرحان (القومي ووزير الارشاد في عهد عبد السلام عارف).. فيتحدث عن البكر.. في كتابه حصاد ثورة فيقول:
ـ لم يكن ضابطاً لامعاً.. فهو من درجة عسكرية أدنى.. لكنه أعتقل.. ورفعتهُ صلته بحزب البعث وبعلي صالح السعدي أمين سر حزب البعث.
ـ ومع حكم البكر انفتح الباب على مصراعيه لتعيين الأقارب والأصهار وأبناء العشيرة والبلدة والأصدقاء.
ـ وأضاف الفرحان: “لم أشاهده ينفعل أو يغضب.. لكنه لا ينس.. وعندما تحين الفرصة ينتقم بقسوة.. ولا يهمه سوى بلوغ هدفه بصرف النظر عن الوسيلة”.

ـ جواد هاشم وزير التخطيط في عهد البكر.. يقول: “كان البكر بسيطاً.. ومتواضعاً.. في مسكنه.. وملبسه.. وتصرفه مع عائلته.

ـ كانت بساطته في شؤون الدولة الاقتصادية والمالية تصل إلى حد السذاجة.
ـ كان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة.. إلى الحد الذي يدعو إلى التساؤل: كيف يستطيع الرئيس التفكير استراتيجيا؟.. وهل لديه الوقت للتفكير”.
ـ كان مصاباً بالسكري.. فقد يثور لأتفه الأسباب.. ويتخذ قراراً.. ثم يهدأ بعد ساعة ويلغي القرار!!
ـ يقول المقدم جلال صدقي في مذكراته: (وهو من زملاء الزعيم عبد الكريم قاسم بالكلية العسكرية.. كما كانت له علاقة بالبكر): “تنبأ فتاح فال باكستاني للبكر.. عندما كان برتبة ملازم ثان بأنه سيصبح رئيساً للجمهورية.. فرفض البكر أن يدفع للفتاح فال الخمسين فلساً أجرته.. فنظرً هذا إليه”.

ـ يقول هاني الفكيكي أحد قيادي البعث: “كثيرون هم أولئك الذين خدعوا به.. وسموه بالسذاجة.. لكنه يستبطن مكراً لا حدود له.. وقدرة على خداع الخصم.. والغدر به”.

السيرة والتكوين:
ـ ولد احمد حسن بكر العام 1914 في تكريت.. لأب كان يعمل قاطعاً للتذاكر بالسكك الحديدية.. وبعد أن أنهى الدراسة الابتدائية التحق بدورة معلمين الريفية.. وعين معلماً ريفياً في المدارس الابتدائية بتكريت لستة أعوام.. ولم يفلح في الحصول على الشهادة الثانوية رغم محاولاته المتكررة.
ـ عندما افتتح الملك فيصل الأول صفا بالكلية العسكرية ببغداد خاصاً لأبناء العشائر في الفرات الأوسط والعشائر الجنوبية.. لم يشترط القبول فيه إنهاء الدراسة الثانوية.. التحق البكر وآخرين من تكريت بمساعدة مولود مخلص (الشخصية الوطنية المعروفة وأحد قادة الثورة العربية 1916).

ـ المهم.. تخرج البكر وجماعته من الدورة بعد تسعة أشهر.. ولم يعين البكر قائداً لوحدة عسكرية.. بل عمل ضابط إعاشة وإدارة وتموين.
ـ يذكر جرجيس فتح الله عندما التحق البكر بدورة الضباط الاحتياط كان خائفاً من آمر الدورة ويخشى منه تأخير ترفيعه.
ـ لم يشارك البكر في حرب فلسطين 1948.. التي أعطت للعديد من الضباط العراقيين الذين برزوا في الحرب.. نوع من “الشرعية” للتدخل في السياسة فيما بعد.
ـ كما لم يحصل على “شرعية” بديلة أو مساندة مثل: شهادة الأركان.. أو قيادة وحدات عسكرية كبيرة.. أو المشاركة في عمليات الجيش القتالية.. فبقيً ضابطا خاملاً دون إي تاريخ عسكري.. ففي المسيب كان يقضي معظم أوقاته مع بعض الضباط المتدينين أمثال: محمد فرج.. الذي قام البكر بإعدامه في كانون الثاني 1970.. أو مع بعض الضباط المسلكين.
ـ وصل المقدم احمد حسن البكر الى المسيب في اواسط الخمسينيات ليعمل آمراً لسرية في الفوج الثاني للواء الاول.. وكان كل طموحه ان يترفع الى رتبة عقيد.. التي كان من شروطها ان يكون الضابط قد تولى قيادة وحدة فعالة.

ـ عاد البكر بعد ترفيعه الى بغداد.. كما كان يرغب حيث قضى فيها معظم خدمته العسكرية شاغراً مناصباً ليس لها اهمية.

البكر.. وثورة 14 تموز 1958:

ـ بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 حاول عبد السلام عارف تعيين البكر آمراً للواء العشرين.. لكن عبد الكريم قاسم عارض هذا الاختيار بسبب عدم تخرجه من كلية الاركان وعدم صلاحيته لمثل هذا المنصب.. إلا إن عبد الكريم قاسم وافق بعد إلحاح عبد السلام عارف على تعيين البكر آمراً لأحد أفواج اللواء العشرين.
ـ بعد عزل عبد السلام عارف من مناصبه في اواخر أيلول 1958.. حاول البكر القيام بانقلاب عسكري… لكن المحاولة اكتشفت قبل تنفيذها وتم اعتقال البكر.
ـ أيد حركة الشواف في الموصل في 8 اذار1959.. وبعد فشل هذه الحركة تم اعتقال البكر في 19 نيسان 1959.. وتمت مصادرة أمواله.. وأحيل على التقاعد.

انتماؤه للبعث:
اثناء مكوث البكر في المعتقل احتك ببعض الضباط البعثيين المعتقلين معه.. وكان حزب البعث يبحث عن ضباط برتب كبيرة فوجد في البكر ضالته.. وفي الوقت نفسه وجد البكر ضالته في حزب البعث حيث لم يكن يتوقع لنفسه مكانا بين ضباط اكفأ وأشهر منه في التنظيمات العسكرية المعادية لحكم عبدالكريم قاسم.
ـ وعن انتمائه للبعث يتحدث حسن العلوي نقلا عن البكر: “إن الويلاد.. أي الأولاد البعثيين أو أبناء تكريت فاتحوه بالانضمام لحزب البعث.. فسألهم: هل تصلون وتصومون؟ قالوا: نعم.. فوافق في الحال على أن يكون بعثياً”.

البكر.. وانقلاب 8 شباط 1963:

ـ منذ العام 1961تشكلت لجنة سرية من الضباط البعثيين والقوميين وغيرهم من المعارضين للنظام القائم يومها انضم أليها عدد من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث.. ضمت أمين عام حزب البعث الجديد علي صالح السعدي.. وطالب شبيب.. وحازم جواد.. والدكتور مسارع الراوي.. وحمدي عبد المجيد.. وكلا من الرئيس الأول الركن المتقاعد عبد الستار عبد اللطيف.. والرئيس أول عبد الكريم مصطفي نصرت.. والمقدم الركن صالح مهدي عماش.. الذي كان على اتصال بالقسم العسكري لهذه اللجنة.. كل من عبد السلام عارف.. وطاهر يحيى.. وعبد الغني الراوي.. ورشيد مصلح.. والمقدم أحمد حسن البكر.. وعبد الهادي الراوي.. المقدم الركن خالد مكي الهاشمي آمر كتيبة الدبابات في أبو غريب.. والعقيد الركن عارف عبد الرزاق آمر قاعدة الحبانية.. والمقدم الركن حردان التكريتي آمر قاعدة كركوك الجوية.. والرئيس الطيار منذر الونداوي.
ـ وضعت خطط عديدة للتخلص من قاسم والاستيلاء على السلطة.. لكنها لم تنفذ لسبب أو آخر.. كان أكثرها دقة في الإعداد تلك التي وضعت لتنفذ في 19 كانون الثاني 1963.. بعد تحريك إضراب الطلاب في أواسط كانون الأول 1962 الذي بدأ في المتوسطة الشرقية للبنين على أثر شجار نشب بين ابن العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب.. وبعض الطلاب البعثيين.. وقد تدخل الانضباط العسكري لحل النزاع.. فانتشر الإضراب الى عدد من المدارس الثانوية والمتوسطة.. وشمل كليات جامعة بغداد أيضا.. كان الغرض منه خلق جو مضطرب يساعد على القيام بانقلاب.
ـ كاد الإضراب أن ينتهي بعدما نفذت معظم مطالب المضربين إلا أن مطالبهم تطورت لتتضمن أموراً سياسية ليس للحركة الطلابية علاقة بها.. فشنت أجهزة الأمن والجهات العسكرية حملة اعتقالات ضد الطلاب والمعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعة ممن اتهموا بالتحريض على الاضراب أو الاشتراك به.
ـ تم كشف الخطة المعدة للانقلاب إلى عبد الكريم قاسم من قبل أحد الضباط.. فأحال عدد من الضباط للتحقيق ممن وردت أسمائهم فيها.. إلا إن الأعضاء الرئيسيين لم يكشف أمرهم لديه.. فتأجل تنفيذ الخطة إلى يوم 25 شباط خلال أيام عيد الفطر.. إلا إن ضابطاً آخر كان مع المخططين أسر إلى عبد الكريم بأسماء الباقين.. وكشف نيتهم القيام بالحركة في ذلك اليوم.. فألقي القبض على: صالح مهدي عماش.. وعلي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث يومها.. وعدد آخر من الضباط الذين ذكر أن لهم علاقة بالمؤامرة.. وأجل توقيف البعض الأخر.. لهذا قرروا تقديم موعد الانقلاب إلى يوم 8 شباط تلافيا للخطر.
ـ بدأ الانقلاب بقصف مستمر لوزارة الدفاع مقر الزعيم عبد الكريم قاسم بالطائرات.
ـ وفي معسكر أبو غريب الواقع إلى الغرب من بغداد سيطر الضباط القوميون والبعثيون على كتيبة الدبابات الرابعة التي كان يقودها المقدم الركن خالد مكي الهاشمي.. و تمكن الضباط المتقاعدون: طاهر يحيى.. وأحمد حسن البكر.. وعبد السلام عارف من الوصول إلى الكتيبة وانضموا إلى الضباط المتمردين.
ـ فتحرك المقدم عبد الستار عبد اللطيف وحازم جواد وطالب شبيب وعبد الستار الدوري نحو مرسلات أبو غريب القريبة من المعسكر فسيطروا عليها حيث لم يجدوا فيها قوة لحمايتها.. فأذاع البيان الأول حازم جواد عند حوالي الساعة التاسعة صباحا.
ـ وأذيع البيانات الثاني والثالث بإحالة كبار الضباط على التقاعد مع خبر مقتل عبد الكريم قاسم الذي كان حيا في داره بالعلوية.. و أذيعت بيانات تأييدا للانقلاب بأسماء آمرين موجودين في معسكرات كركوك و الحبانية و الديوانية دون علمهم.

ـ ثم ركب عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وبقية الموجودين في محطة المرسلات الإذاعية في أبو غريب.. دبابة وتوجهوا بها إلى محطة الإذاعة الرئيسة في الصالحية ببغداد ففتح لهم آمر الفوج العقيد هادي خماس المسؤول عن حماية أبوابها.. وانحاز إلى الانقلابيين.. وأصبحت بعدئذ محطة الإذاعة مقرا للمجلس الوطني لقيادة (الثورة) الجديد.

ـ بعد نجاح الانقلاب أصبح البكر رئيس وزراء .

استيراد وسائل تعذيب المعتقلين:
ـ يقول طالب شبيب وزير الخارجية انقلاب 8 شباط 1963: إن احمد حسن البكر ورشيد مصلح (الحاكم العسكري للانقلاب.. وآخرين أسهموا في تجهيز مراكز التعذيب الرئيسة في بغداد بأجهزة ووسائل التعذيب.. لتعذيب المعتقلين من قاسمين وشيوعيين وديمقراطيين.

البكر.. و18 تشرين الثاني 1963:

ـ شارك البكر بالحركة الانقلابية التي قادها عبد السلام عارف.. لإزاحة الحرس القومي (الجناح العسكري لحزب البعث) في ضربة تم تنفيذها في 18 تشرين الثاني العام 1963.. وكانت ضربة قاسية لهذا الحزب.. وأطلق عليها احمد حسن البكر.. الذي أصبح نائباً لرئيس الجمهورية.. عبارة: (الحركة التصحيحية).
ـ اظهر البكر ولائه الضيق لأبناء منطقته.. وشارك مع غيره من الضباط البعثيين مثل: طاهر يحي التكريتي.. ورشيد مصلح التكريتي.. وحردان التكريتي.. وسعيد صليبي مع عبدالسلام عارف في الانقلاب على حزب البعث في 18 تشرين الثاني 1963.. حيث اصبح نائبا لرئيس الجمهورية.
ـ كما التحق قريبه صدام حسين التكريتي للعمل في دار الاذاعة العراقية مؤيداً للانقلاب لكن وزير الثقافة والارشاد الجديد عبدالكريم فرحان امر بطرده ورفض مقابلته عندما جاء يتوسط لعودته الى الوظيفة.

ـ كان لابد لعبد السلام عارف أن يعفي بقية قادة الحزب من مناصبهم.. وينهي نشاط حزب البعث.. حيث يذكر الكادر الناصري صبحي عبد الحميد: حين بدأ البكر بإعادة تنظيم حزبه.. من خلال الاجتماعات التي كان يعقدها في القصر الجمهوري.
ـ ثار عبد السلام عارف وطلب من البكر نقل مكتبه إلى خارج القصر الجمهوري.. فاختار البكر مبنى المجلس الوطني.. وكان عارف يراقب تحركات البكر ويتابع نشاطه.. فغضبً البكر واعتكفً في بيته وتوقف عن ممارسة مهماته الرسمية (نائب رئيس الجمهورية).
ـ وقد أرسل إليه عبد السلام عارف حردان التكريتي الذي أصبح نائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع وكذلك العميد سعيد صليبي (آمر الانضباط العسكري وآمر موقع بغداد) لإقناعه بتقديم استقالته.

ـ وهكذا لم يمض ثلاث شهور على حركة 18 تشرين الثاني 1963 حتى فرض عارف على البكر الاستقالة.

ـ في حين أكد سعيد صليبي: إن عبد السلام كان مصمماً على عدم السفر الى القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربي الأول (الذي يعقد في 17- 24 كانون الثاني العام 1964) ما لم يقدم البكر استقالته.. لأنه كان يخشى أن يستغل موقعه (نائب رئيس الجمهورية) ويقوم بحركة انقلابية ضده.. وهو في القاهرة.. وان من الأفضل له أن يستقيل لان عارف سيضطر إلى إقالته.. فقدم البكر استقالته أوائل كانون الثاني 1964.
ـ عاد البكر إلى حزب البعث وشارك في المحاولة الانقلابية للبعث في 5 أيلول 1964.. لكن السلطة كشفتها قبل تنفيذها.. ثم أمر بنقله من معسكر التاجي إلى موقع الحرس الجمهوري.. بعد أن شكا من تصرفات مدير الهيئة الحقيقية العقيد بشير الطالب.

ـ أطلق عارف سراحه البكر العام 1965.. بعد تدخل سعيد صليبي وعارف عبد الرزاق وعبد الكريم فرحان وطاهر يحيى وصبحي عبد الحميد.
ـ واعلن البكر عندها اعتزال السياسة والانصراف لتربية اولاده.. كما اعلن براءته من حزب البعث.

ـ بعد انقلاب 17 تموز 1968 قام البكر باعتقال عبدالكريم فرحان.. الذي تعرض مع طاهر يحي التكريتي وغيره من ضباط وسياسيي العهد العارفي الى ابشع الوان التعذيب.. وعندما سنحت لفرحان الفرصة اخبر عائلته بما كان يتعرض له من تعذيب طالبا منها اخبار المسؤولين حيث اعتقد ان القيادة السياسية لم تكن تعرف بما كان يتعرض له السجناء.. بعدها جاء ناظم كزار والذي كان يشرف على التعذيب الى المعتقل ليشتم المعتقلين ويعرضهم الى الوان جديدة من العذاب بسبب الشكوى التي اوصلوها الى البكر.

البكر.. وانقلاب تموز 1968:

ـ بعد انقلاب 17 ـ 30 تموز 1968.. انفتح الباب على مصراعيه للبكر لتعين الأقارب والأصهار وأبناء العشيرة والبلدة والأصدقاء.. وظهر ولائه الضيق لأبناء منطقته.

المنصب أولا:

ـ في الواقع كان البكر مصمماً على البقاء في السلطة هذه المرة مهما كان الثمن.. فقد قال لطالب شبيب بعد الانقلاب بأنه سيذبح هيثم (ابنه) إذا اقتضى الأمر.. ورفض البكر وساطة احد الوزراء السابقين للإفراج عن طاهر يحيى وبعض وزرائه قائلاً: (إحنا عاضينها ـ أي السلطة ـ بسنونا).

مؤامرة عبد الغني الراوي:

ـ في كانون الثاني 1970 أعلن عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم يقودها عبد الغني الراوي.. فقرر البكر تشكيل محكمة خاصة تكونت من: طه الجزراوي.. وعزة الدوري.. وعلي رضا باوه.. قامت المحكمة شكلياً بمحاكمة المشاركين في المؤامرة وإعدامهم خلال ساعات من القبض عليهم.. وفي واقع الحال مات العديد منهم تحت الضرب والتعذيب.. ولم تكن هذه “المحكمة” تمتلك أية معرفة قانونية أو تتبع مبادئ القانون أو المحاكمات ولم يكن هناك هيئة دفاع أو حتى ادعاء عام ضد المتهمين.

ـ لم يسلم مدحت الحاج سري من الإعدام فقد تم إعدامه بتهمة التجسس.. وقد تعرض مدحت الحاج سري إلى أبشع أنواع التعذيب.. واجبر على تقديم هذا الاعتراف الكاذب تحت التهديد بالاعتداء الجنسي على زوجته.
ـ مثلما اُستخدمت زيارة روبرت أندرسون وزير المالية الأميركي الأسبق لرشيد مصلح التكريتي لتوجيه تهمة التجسس إليه.. وكان أندرسون يعمل لإحدى الشركات الأميركية (كما هو الحال عند انتهاء خدمة الساسة الأميركيين).. وحاول التوسط للحصول على امتياز للتنقيب عن الكبريت.
ـ وتحت تعذيب قاس أعترف رشيد مصلح باستلامه رشوة بقيمة مائتي دينار من الزائر الأميركي.. وحتى إن صح الاعتراف فهو في أسوأ الأحوال اعتراف بقبول رشوة لا يمكن أن تصبح مساوية إلى تهمة التجسس الخطيرة أو تستحق الإعدام.

البكر .. أول من أساء للمؤسسة العسكرية:

ـ رغم احترام البكر الظاهري للمؤسسة العسكرية.. إلا انه سحق بأقدامه القوانين العسكرية والأنظمة.
ـ فقد منح البعثيين المدنيين رتبا عسكرية العام 1963.. ووافق مع غيره من قادة البعث على ترفيع عبد السلام عارف من رتبة (عقيد) الى (مشير).. وصالح عماش من مقدم الى (فريق). وحردان التكريتي من (مقدم) الى زعيم (عميد).
ـ واحتسب لنفسه ولبقية ضباط الانقلاب فترة الإحالة على التقاعد في عهد عبد الكريم قاسم خدمة لغرض التقاعد والترفيع.. وبهذا حصل هو ورشيد مصلح وطاهر يحيى وغيرهم من ضباط الانقلاب على رتبتين أو ثلاثة أعلى.

ـ بعد انقلاب 17 تموز 1968 وافق على ترفيع إبراهيم عبد الرحمن الداوود من رتبة (مقدم) الى (فريق).. وحردان التكريتي الى رتبة (فريق).. وعماش الى رتبة (فريق أول).. مع احتساب فترة التقاعد في العهد ألعارفي خدمة لغرض التقاعد.

ـ وشملت هذه القرارات كل الضباط البعثيين.. وقام البكر بترفيع حماد شهاب التكريتي من رتبة عميد الى (فريق).. ومنح رتبة (فريق أول) للرائد سعدون غيدان.. كما منح رتبة (نقيب) لسائقه العريف.. الذي اخذ يترفع مع بقية الضباط.
ـ وفي العام 1976 منح صدام حسين رتبة (فريق أول).
ـ لكن البكر نفسه بدا بعد الانقلاب متعففا عن منح الرتب لنفسه.. وخدع الناس عندما ظهر برتبة (عميد).. مع انه رفّع نفسه العام 1963 وهو يشغل منصب رئيس الوزراء المدني الى (رتبة لواء).
ـ الخديعة لم تستمر طويلاً.. فلم يمض شهران على الانقلاب حتى منح نفسه رتبة (المشير) بعد تسميتها بـ (المهيب).. وكان سبب هذه التسمية الجديدة النكات التي كانت تطلق على عبد السلام عارف مثل: (المشير الفطير).

 

خفايا استقالة احمد حسن البكر:

ـ كان يومي 10 و 11 تموز العام 1979 محل استفهام في دائرة المحيطين بالرئيس البكر.. فقد قيل: انه اعتزل الحكم.. فعقد الأمين العام المساعد منيف الرزاز اجتماعاً للقيادتين القومية والقطرية في العراق في منزله حاول فيه تقريب وجهات النظر.. غاب عنه الكثيرون.. ولم يتم التوصل إلى تفاهمات.. ثم عقد اجتماع أخر في غياب البكر وصدام ترأس الجلسة منيف الرزاز الذي طرح على الحضور وجهة نظر السيد النائب وقال لهم: “عليكم إن تكونوا بمستوى المسؤولية ولابد من تدارك الأمر قبل إن يحدث شرخ عميق.. ابحثوا عن صيغة كفيلة بوحدة القيادة لان هذه المرحلة هي منعطف كبير وخطير”.. أما القيادة فقد انقسمت إلى فريقين:
الأول: برز فيه محمد عايش: حيث طلب عقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب يحضره الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين وجميع الأعضاء.. انطلاقا من أنظمة الحزب.. تُناقش المشكلة فيه من جميع جوانبها بغية الوصول إلى حل لها.

الثاني: الأقل عدداً كانت له وجهة نظر أخرى.. والغريب أنهم كانوا من اشد المناصرين للرئيس البكر وفي مقدمتهم طه ياسين رمضان الجزراوي إضافة إلى عزة إبراهيم الدوري.. كان رأيهم: “إذا كان الرئيس مصراً على الاستقالة.. فيجب العمل على إقناع نائبه صدام حسين بتولي الرئاسة مؤقتاً لحين الانتهاء من الاحتفالات بذكرى الثورة المجيدة والدعوة إلى عقد مؤتمر قطري موسع لحسم هذه المشكلة”.
ـ كانت تفاصيل ما يجري في الاجتماع تصل إلى السيد النائب (أي صدام) حرفياً.. الذي أدرك خطورة طروحات الفريق الأول واعتبرهم حجر عثرة في طريق طموحاته.. في نفس الوقت أدرك إن الفريق الثاني سيحقق طموحه الشخصي الأمر الذي دفعه إلى اصدر سلسلة من الأوامر السرية بتتبع كل مناصر للفريق الأول بطريقة (سري وعلى الفور).. وتحركت أجنحة المخابرات والأمن تجمع المعلومات التي كانت ناقصة في أضابيرها السرية.. الجناح الأول هو جهاز المخابرات بقيادة برزان إبراهيم الحسن الأخ غير شقيق لصدام حسن.. والثاني وزارة الداخلية بقيادة سعدون شاكر.

ـ كان الحرس الخاص عند الأبواب ينتظر الأوامر المحددة سلفا والجميع يعرف دوره وصدرت الأوامر.. حاول منيف الرزاز تلافي ما يحصل لكنه تعرض للضرب والإهانة الشديدة.. وارشد ياسين المرافق الشخصي للسيد النائب استمر في مجالسه الخاصة يردد وهو يضحك بسخرية.. انه ضرب منيف الرزاز لكمة أنسته كل تأريخ الحزب.. وطلب منه التوجه إلى منزله.. وان لا يفتح فمه إطلاقا.. وكما هي العادة.. توفيً الأمين المساعد بعد فترة زمنية قصيرة.. وقيل بسبب القهر.

نزاهة البكر:

البكر.. سرقات بالقانون:

ـ يقول حسن العلوي: إن البكر كان نزيها.. لكن العلوي لم يقل كيف يحق لمجلس قيادة الثورة منح أعضائه ورئيسه البكر ألف دونم من الأراضي الزراعية لكل واحد منهم.

ـ وبعد أن تبرع البكر ببيته في منطقة علي الصالح كمتحف لحزب البعث.. قام ببناء بيت فاره له.. ولصدام حسين على نفقة الدولة بكلفة قاربت المليون دولار للبيت الواحد.. (هذه في السبعينيات.. أي تعادل الان اكثر من مليار دولار).

ـ في عهد البكر تقرر أن يمنح حزب البعث نسبة مئوية من واردات النفط.. كيف تكون السرقة؟!!.

ـ إضافة الى الامتيازات الهائلة لقيادة وكوادر الحزب.. من أموال ورواتب وأراضي وبساتين وغيرها.. على حساب وضع المواطن ألمعاشي والاقتصادي.

ـ كان البكر يقوم بزيارات مناطق أبو غريب الزراعية.. ووقعت عينه على قطعة أرض.. فقرر مصادرتها.. وأرسل لصاحبها مبلغا لا يتناسب مع ثمن المزرعة.. اخذ الرجل المبلغ مرغماً!!

ـ تم فتح سباق الخيل.. الذي منعته ثورة 14 تموز 1958 !!.

ـ وتم تشجيع بيوت الدعارة كي تصبح أوكاراً للتجسس على أعداء النظام بل حتى أعضائه.

الاستقالة:

ـ عصر السادس عشر من تموز اقُتحمت منـزل البكر الواقع في منطقة (أُم العظام).. المطل على نهر دجلة بجانب الجسر المعلّق كرادة مريم.. وحدات عسكرية من قوات المغاوير الخاصة يقودها برزان التكريتي والعميد الركن طارق حمد العبد الله المرافق الأقدم للرئيس للبكر.
ـ وأُجبر البكر على ارتداء ملابسه.. واقتيد الرئيس إلى مبنى المجلس الوطني حيث اصطحبه صدام وبرزان إلى دار الإذاعة والتلفزيون.
ـ ظهر الرئيس البكر من على شاشة تلفزيون بغداد.. وهو زائغ النظرات يتلفت نحو اليمين واليسار ويحاول السيطرة على أعصابه.. يغمره خوف شديد بالكاد كانت الكلمات تخرج من فمه.. وتلعثم عدة مرات في نطق الحروف حتى ملامح وجهه تغيرت.. واضطر أكثر من مرة إلى بلع ريقه.

البكر.. أقيل .. ولم يستقيل:

ـ يقول طارق عزيز: “بعد أن أخرجنا البكر من قيادة الحزب ورئاسة الدولة.. كنتُ مع صدام في تحقيق أهدافه”.

ـ يذكر برزان التكريتي: إن البكر لم يتنحى بل نُحيً.. وهو لم يستقيل.. بل أقيل.

ـ ويذكر برزان في مذكراته: في اجتماع للقيادة سألتُ صدام.. هل يجوز لأعضاء في قيادة الحزب والدولة زيارة البكر وهو خارج الحزب والدولة.. وبزيارات دورية.. فردً قائلاً: “لا يجوز”.

ـ واصدر صدام فوراً أوامره بهذا الشأن.. كما امر بسحب الحمايات والسيارات منه.. وكانت في ذات الوقت صور البكر الى جانب صدام بأوامر من صدام.

صدام.. يخشى من عودة البكر للسلطة:

ـ شهد العام 1982 توالي الهزائم العسكرية مع إيران.. وانتشرت إشاعة تقول: إن البكر قد يعود إلى السلطة.. وبهذا الصدد يذكر القيادي في البعث تايه عبد الكريم: بأن صدام انطلق يشعر بأن الأمور في غير صالح العراق في الحرب.. وقال صدام: “أخاف أروح أني.. ديروا بالكم تنتخبون البكر.. فالبكر ليس له دور في الثورة.. وتحدث صدام بشكل غير لائق وقاس بحق البكر.. ولم تمض مدة طويلة حتى توفى البكر”!!.

لكن الامر .. انتهى:
ـ ففي الرابع من تشرين الأول / اكتوبر / العام 1982 توفي البكر.. واثبت الفحص الطبي ان سبب الوفاة نوبه قلبية.. وقيل إنه تم زرقة حقنة أكثر من نسبة السكر فمات البكر في الحال.. ودفن البكر في مقبرة الكرخ ببغداد.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب