25 ديسمبر، 2024 2:36 م

احمد الشرع .. بين ثنائيتين القاعدة وداعش والقبول والرفض

احمد الشرع .. بين ثنائيتين القاعدة وداعش والقبول والرفض

مقدمة

لو نفترض بتأويل بسيط , ان سبب إقبال الحكومات المهتمة بالشأن السوري على الإتصال بالحكومة الجديدة لأجل البدء بإعادة أو إقامة علاقات دبلوماسية , كان بناءً على مابدا من الحكومة الجديدة وعلى رأسها احمد الشرع , من اسسوعلامات معتدلة ومقنعة وجاذبة للعقل منذ ايامها الأولى ,  

إذ لم تأت الحكومة بعقوق او فاحشة للشعب السوري او لجيرانها من الدول, بل ان العلامات بدت نابعة من جذور وعي انساني حضري وليس من فكر ارهابي اتسمت به من قبل هيئة تحرير الشام التي يقودها احمد الشرع , وبناءً على ذلك لم تبق تلك الحكومات حائرة في ثنائية القبول والرفض , بل اسرعت على الإتصال ,

على خلاف فكر القاعدة أو داعش الخاليين مما ينفع البشرية , بل هذان الفكران  تبطّنا بكل مايسيء للشعوبمن افكار تسحق الكرامة وتمحي القيم وتقوّض الحضارة الإنسانية ,  ولعل بدراسة سوسيولوجية بحثية وحياديةملخّصة بشكل بسيط وذات مدلول اجتماعي عن مظاهر اوجوانب من بنية الحياة الإجتماعية لأحمد الشرع , يمكن ان تبطل مسألة الإعراض عن الإتصال بالشرع وحكومته الجديدة ,  

والبنية الإجتماعية للفرد مثلها كمثل الصندوق الأسود في الطائرة , تنتظم بنظام العلاقات النموذجية سواء كانت لأفراد او جماعات تشترك بمؤسسات ثقافية واحدة وتتشارك بمناهج مدرسية واحدة وعادات واحدة , وهي بهذا النظام تربط افراد المجتمع مع بعضهم وتخلق لديهم الشعور بالإنتماء للبيئة والمجتمع , ولايمكن للفرد ان يتخلى عن بنيته الإجتماعية ويعيش بمعزل عنها , مهما تنقل من وظيفة عمل الى اخرى .

ويمكن بدراسة اخرى سياسية تركز على تصريحات رموزالكيان الصهيوني الدالة على ضلوعه بعملية اسقاط النظام السوري , وعلى مؤامراته المقبلة , وتأثيرها على الحكومة السورية الجديدة  , ان نبرهن على فشل الإتصال بالحكومة الجديدة .

الدراسة الأولى

 عندما كان احمد الشرع مرتبطآ بالبنية الفقهية المتشددةلمنظمة القاعدة كما قيل عنه في السابق , متحديآ بها الفقه الإسلامي السائد في سوريا , فضلآ عن السياسة السائدة في المنطقة العربية , لاشك ذلك يحيل الدارس الى ان هذا الشاب السوري  لم يكن بسلوكه بعيدآ  عن التشدد الذي نشأ وترعرع على  مقاييسه واهتماماته وتبناها في باديء الأمر في بيئته الأولى الواقعة في قلب العاصمة السورية دمشق ,

اما في تجربة انشقاقه عن القاعدة لينضم الى الفقه الداعشي  , فربما كانت تجربة تحيل الدارس الى فكرةتجربة تطعيم النباتات التي ترتكز على القبول بين الأنواع المتشابه فقط , فمثلما تمت الموافقه على انضمامه للقاعدة , تمت الموافقة على انضمامه لتنظيم داعش الإرهابي , لأن كلا الفقهين بنوع واحد ومشترك وهو التشدد الذي ورثه من بيئته الأولى .

ولكن لايخفى على اللبيب ان التشدد لا ينصرف الىالنواحي الفقهية كافة , وبنفس الوقت لا يلغي بنية العادات والتقاليد التي نشأ عليها من ناحية , ولا يحاول التنقُّص مما ورث من بيئته ورهطه وعشيرته من قيم التعايش والتسامحمن ناحية اخرى , لذلك فإن جذور ذلك الميراث هي التي صنعت في سيره التعريج المتباين بين قوى الإرهاب بحثآ عما يطابق  نوعه الأول ليتبع اثره ,

فمسألة قبوله للإنضمام لفكر القاعدة والإعراض عنه فيما بعد وقبوله لفكر داعش ومن ثم الإعراض عنه في كل مرة , ربما لأنه لم يتشابه معهما بشيء اوقع  في قلبه مايكره أو انه كان بقصد البحث بفطرته عمن يتشابه مع جذوره , إلا انه لم يجدها إلا بالعودة الى بيئته الأولى بين اهله وهذا يعني انها كانت الأحوج اليه للعودة الى التوازن والإعتدالالذي قاس بها حياته الأولى وجربها , لذلك لجأ الى تشكيل تلك الهيئة لتحمل تأريخه وتراثه المديني والحضري ليتولاها مركبة نحو تحرير البلاد بعيدآ عن افكار القاعدة وداعش ,  

وفقه هذه الهيئة لم يعلن عن تفاصيل علاقاته الإجتماعية بالإعلام , وعما الصق به من افكار مسبقة وشائعة وهذا ينطبق على  كل حركات التحرر في العالم في اثناء العمل النضالي ,

لذلك لم   يُحكم عليه من قبل الحكومات التي اقبلت الى إستعادة علاقاتها مع سوريا من حيث ظاهر الأسم الشائع بالإرهاب , وقالوا عنه , مثلآ , ان هذا المطر من هذا الغمام المتمثل بالقاعدة وداعش ,

بل حكموا عليه  برؤى اعمق , احداها ربما بالتأويل الآنف الذكر قبل إصدار قرار فتح قنوات الحوار مع حكومتها الجديدة , وهو بالطبع حكم الغى وقوف تلك الحكومات حائرة امام ثنائية القبول أو الرفض , بعد ان جذبتهم فِعالقائدها السلمية والديمقراطية المعتدلة التي مازالت تفرِّج عن كرب السوريين من نظام مستبد تجيَّش بالرعب والسجون من ناحية ,

ومن زعزعة لوحدة اراضيهم على يد القوى الغازية والإنفصالية المدعومة بتشابك المصالح الدولية والأقليمية وعلى رأسها امريكا والكيان الغاصب وتركيا التي زادت في البلاد سلبآ ونهبا من ناحية اخرى , فضلآ عن قوى داعش الجرثومية بالتكاثر والتي لا تلبث فوق ارض تغزوها إلا ومحت تأريخها ودينها وتراثها الوطني.

ان  قياس المرء وعلى الفور بمعايير صِيغت ترتكز على آفة المظهر الخارجي من دون ان تحصي تأريخه الشخصيوالمواقف السلمية والإنسانية الملموسة له , لابد يرجع كالسهم خائبآ ولو افرط ذلك القياس بالإنتقاص الشديد من وصف تعرجات سير احمد الشرع  في ثنائية القاعدة وداعش  امام العالم .

اما عندما تتم الإتصالات معه بالقنوات السياسية لتصفية الحساب اولآ ووفقآ لما ورد آنفآ , فذلك اقرب الى السلام وهو افضل  من البقاء متحيرآ  كحيرة من يعيش في قصرمتعدد الأبواب ويتوجس بظنونه خيفة من جار له في عرصة لا يملك فيها سقفآ  ولا اطناب سوى قوى ارهابية بأعداد كبيرة متربصة ,

أما اذا انتضى المتوجس خيفة سلاحه على جاره بجريرة شكله الإرهابي الظاهري  بلا صواب رأي او دراسة مستفيضة ,  فتلك هي مسببات الحرب التي تبحث عنها امريكا وكيانها الغاصب الملحد لتغيير خرائط دول منطقة الشرق الأوسط بالحروب امدآ آخر طويلا ,  والله اعلم .

الدراسة الثانية

بهذه الدراسة نتناول الوقائع السلبية التي يمكن ان تلقي بظلالها على العراق بشكل خاص , إذ بها ينصح على التراجع عن اقامة علاقات مع الحكومة السورية الجديدة او تجديدها , وخاصة في الأمور التالية ;

اولآ , غزو الكيان الصهيوني لمنطقة فض الإشتباك في القنيطرة السورية وبقاء قواته على جبل الشيخ ليكون على بعد 25 كم عن دمشق ,

ثانيآ ; بعد الحديث عن اسقاطه  للنظام السوري والقضاء على حزب الله وحماس   الذي ادلى به مجرم الحرب وزير الدفاع يسرائيل من ناحية , وتصريح المجرم نتنياهو حيق قال : سنعمل على ازالة التهديد الإيراني ( ويقصد مفاعلاتها النووية ) وهما بهذه التصريحات يوحيان ان كيانهم الغاصب مرتبط  بمحور تبادلي مع امريكا وتركيا وجماعة احمد الشرع هدفه تحقيق رغبات الصهيونية بالتمدد على حساب الأراضي السورية من ناحية ,

ويوحي انهما لا شأن لهما  غير التهديد بالإرهاب وافتعال النزاعات ليقذف كيانهم الغاصب بنيران اسلحته المدعومة من امريكا دول منطقة الشرق الأوسط لتحقيق ذلك الهدف ,وخاصة بعد ان تكسرت البعض من رماح جبهة المقاومةوعُقرت العمليات العسكرية الداعمة لقطاع غزة الفلسطينية ,

ثالثآ ; قيام الكيان الصهيوني بالهجوم بالطائرات المقاتلة لتدمير العديد من المواقع والبنى التحتية العسكرية التابعة للجيش السوري السابق بما فيها قواعده الجوية والبحريةالتي حرقها بكل اسلحتها , ووعد ان يوسع الإستيطان في مرتفعات الجولان السورية المحتلة ,

علمآ ان هذه الأمور السلبية التي استمرت بعد سقوط النظام , لم يعلق عليها رأس النظام الجديد احمد الشرع  إلا بعد انتهاءها ,

وجملة القول , ان انكشاف ضلوع الكيان الصهيوني مع تركيا الأردوغانية بالطبع في ازالة النظام السوري , يعني ان الأيام القادمة ستكون دراماتيكية صادمة وينبغي الحذر من تركيا بشكل خاص لأنها مازالت على غيِّها في الشمال العراقي ولا يستبعد ان تعيد وحوشها الأولى التي غزت الأراضي العراقية عام 2014 بقصد تغيير ديموغرافية الخارطة العراقية ,

رغم فشلها بنهضة العراقيين التي ارعبت اردوغان وجيشه , ولكنه مازال الى الآن يتجول في اسواق الإرهاب لشراء الأشرار بحجة محاربة الأكراد الذين ابتلوا بتجارب غزواته التي لاتنفك بالمؤتمرات الصاخبة التي تدعم  تبجحه وفخره بجذوره التترية الغازية ,

والأكراد من هذا الرئيس القومي والعنصري في معضلة دائمة بسبب دعوتهم للإنفصال سواء عن تركيا او عن العراق او سوريا , ولايريدون ان يتعايشون تحت اسم جامع كتركيا او العراق او سوريا , لذلك فإن شرار الحروب عليهم لن يتوقف خاصة من تركيا , حتى بيعد إن ينجح  سعي قواتها وهي قسد الى تحقيق قرار نيل حق  الإدارة الذاتية ,

لأن اردوغان لايكف عن حب السطوة عليهم  بمساعدة امريكا واوباشه الإرهابيين حتى يعتزل السلطة ومعه كل من آمن بالعثمنة الجديدة التي يقودها إيثارآ للدولة العثمانية التي رعدت وابرقت بالشرق ألأوسط   دهرآ تليدآ حتى مرضت وماتت غير مأسوف عليها .

 بالعودة الى أحمد الشرع , نستشف  بتلك الامور الثلاثة المارقة لم يقم الشرع بالرد عليها  بمثل ماقام به العراقيون من رد ساحق ضد داعش , رغم امتلاكه السلطة  على ذلك ولو بحديث يأمر به على الأقل قواته باليقظة والحذر والسهر على الحدود من ناحية ,  أو بشجب وتوبيخ للعدو الصهيوني في كل مايدعيه من حق في اعتداءاته من ناحية اخرى , إلا انه لم يفعل وفضّل ان يعرض عن الرد ليسجد للقرد في زمانه , كما يقول المثل العربي ,

وهذا يكفي ان يستعد الشرع الى القطيعة والعزلة عن محيطه العربي إلا من الأنظمة النفعية والمطبّعة مع العدو الصهيوني , بسبب موقفه هذا واستمرار مسايرته  مع العدو وهو يراه  بأبشع صور الغدر والعدوان , لذلك سيمتنع اي نظام حكم  بالمنطقة عن إعادة العلاقات حتى تستقر الأمور اكثر فأكثر .

في ختام الدراسة الأولى , نستخلص  ان دراسة حياة الفرد في المجتمع بعيدآ عن الشائعات والتسميات الوهمية , أمر تحثُّ عليه التجارب الإنسانية وتدفع الى مواقف مشابهة الى  مواقف الحكومات التي   اختارت  برؤية هذا التأويل والدراسة المتخيّلة   حالة عدم التردد في إعادة او إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية الجديدة ورئيسها احمد الشرع ,

وهذه الحكومات لم تبق كدول اوربا حائرة امام ثنائية القبول او الرفض , بل كانت  بمواقف عقلانية وواقعية , تقطع ارحام المنازعات وتزيل المخاوف وتحفظ , على الأخص , البلدان العربية الحرة المجاورة لسوريا من شرورها وتضفي طابع الطمئنة لها من زوال الحكم عند احترام السيادة وحق تقرير المصير للشعوب   , وبهذا الصدد يقول الشاعر  :

خير الوصال وصال من .. مدَّ  للسلام  يمناه مدّا  

وفي ختام الدراسة الثانية , ان الله في جميع الأحوال هو عالم الغيب والشهادة , يعلم بالامور قبل وقوعها وبعد وقوعها , ولايحيط بها احدآ غيره , لذلك ينبغي الإعراض وبقوة عن النظام الجديد اذا استمر لا يستهين بأفعال اردوغان ضد العراق والكرد في سوريا وبالغزو الصهيوني واعتداءاته من ناحية ,

وإذا خرج عن المروءة بالتفريق بين الطوائف والمساس بالمقدسات ونشر الرعب بين صفوف الشعب , وتراخى عنارساء حكومة وطنية شاملة وعن إقامة الحوار الوطني وعن مسألة السلامة الإقليمية , وإذا استكثر الصلاح على نفسه وبدا يقوم بدور الخيانة من ناحية اخرى .

أحدث المقالات

أحدث المقالات