في غقلة .. غادرنا الدكتور احمد الجلبي السياسي العراقي البارز الى داره الابدية الذي اشغل الكثيرين من متابعيه حتى تحول بمرور الوقت الى لغز سياسي كبير عشناه جميعا بعضا من مفرداته البسيطة التي تركتها ، لقد تركنا وترك من وراءه الكثير من الالغاز التي لم يفتح بعد ، وربما سيأتي زمنه ويحدث ضجة كبيرة عند محاولة فتحها ، او الايحاء بمحاولة الوصول الى مفرداتها لانها كانت وستبقى من الاسرار المهمة في تاريخ بلد مثل العراق الذي احبه بملء وجدانه ومنحه الكثير من جهده ووقته ، واليوم ونحن نحاول ان نمنحه حزأ بسيطا من استحقاقه الوطني الذي استطاع ان يقلد بها نفسه ، ويعمل على خطى والده المرحوم عبدالهادي الجلبي الذي اعطى الكثير لابناء بلده العراق ابان الحكم الملكي …..
عندما سيطر الظلام البعثي الدامس على العراق في عام 1968، وحول كل زاوية من زوايا البيت العراقي الى معتقل فردي لا يمكن تفاديه تحت شتى الظروف ، بل اصبح لزاما على العراقي بغض النظر عن قوميته ودينه ان يتحمل كل العذابات ويتماشى مع كل اجراءاتها ..في ظل هذه الظروف القاسية تحول احمد الجلبي المغترب العراقي في الولايات المتحدة الامريكية من انسان لا يعاطي السياسة ولا يرغبها الى محترف لها ، وقطع على نفسه عهدأ بمواصلة النضال بضرورة تحرير البلاد من طغمة فاسدة حتى النخاع تقلد مقاليد الحكم في العراق ، وانه اصبح لزاماً على الجلبي وعلى من يوازرونه في نهجه على المضي قدماً بالعمل على الاطاحة بالنظام ، فعمل الدكتور الجلبي بذكئه الميداني على كل الاتجاهات لتأمين جبهة عريضة من المعارضين للنظام … فبعد سنيين طويلة من النضال بدأ احمد الجلبي العمل من احل العراق واستطاع ان يكسب ود الادارة الامريكية ، واستطاع ان يجند كل طاقاته بهذا الاتجاه ، ويحرك الوسائل المتاحة بالاتجاه الضغط على النظام ، والعمل على تضييق الخناق عليه بهدف الانقضاض عليه وتخليص الشعب من قسوته وجبروته ….
لذلك كان من الطبيعي ان يصطدم الجلبي بسيل هائل من الانتقادات والتهم الباطلة ، كالتي لمسناه نحن في العراق بعد عملية تحرير العراق والتي كانت تدور في فراغ ولم تكن لها قاعدة ترتكز عليه ، وبذلك ماتت تلك التهم والانتقادات مع ولادتها وأصبحت لا تعني شيئاً ولا تعرقل من مساعيه باتجاه خدمة العراق ، ولهذا كنا نلتمس منه الاصرار على المضي قدماً ولا يتأثر بما يقولونه عنه في غيابه ، بحيث لم نجد ، وان قال احدهم في حضوره كلاما يشبه الكلام ،
لقد كان شيعياً ملتزماً بأخلاق وآداب الشيعة في السلم والحرب ، ولم يكن يمارس النفاق ابداً بل كان يرسم لوحده طريقاً سليماً يمشي بموجبه عليه ، ولهذا وجدناه فقد أحسن الاختيار حين اقنع الامريكان بضرورة التدخل المباشر مع النظام واعلان الحرب عليه ، لانه ادرك صعوبة المعركة مع النظام ، ومن اجلها تسلح جيداً من اجل خوض غمارها ، وبذلك استطاع ان يقلب الموازين ويحاهر في معركته مع النظام وينتصر عليه ، ويخلص الشعب من غطرسته وجبروته ،ويصنع بذلك نصراً عجز عنه الاخرون من تحقيقه ويرسم خطوط مستقبل لوطنه الضائع في متاهات البحث عن الذات ، لذلك لم يكن مفاجئاً ان يحطى بتأييد كامل ممن عاشروه في رحلته النضالية ، لانه كان قاب قوسين او ادبى من النصر وكان مؤمناً به ايماناً كلياً بان النصر ات رغم كل الاقاويل التي كانت تخرج من هنا او هناك ..وبذلك يستحق الرجل ان نكافئه في مماته بعد ان عجزنا في ذلك منذ ان كان حياً يعيش بيننا .، بمعنى سنبقى نحن مقصرين ما دمنا كنا نجامل ما يقول عنه المناوئين لسياسته ، وما كنا نغض الطرف عن ما يطرحه البعض عنه بلا ادلة وبراهين .. لنرحم الرجل وقد سلم امره الى الله وهو القادر على كل شيء ، وهو السميع الدعاء.. ليرحمه الله برحمته الواسعة .. ، وهو في ذمة الخلود والبقاء لله الواحد الاحد..وإنا لله وانأ اليه راجعون….