ابتداءً اسجل اعتذاري وتقديري للاحزاب الوطنية الحقيقية صاحبة التاريخ النضالي المشرف والتي قدمت التضحيات في مسيرة طويلة حافلة بالعطاء ، فانا هنا وبمقالي هذا انتقد هذا اللهاث غير المسبوق لتاسيس احزاب وبمسميات مختلفة حتى فاق عدد المسجل منها في دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الـ ( 200) وهو بكل المعايير رقم غير طبيعي ويدعو الى الاستغراب اذا ما عرفنا ان عدد الاحزاب في دول مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا لايصل في احسن الاحوال العشرين حزبا كما انه يفوق عدد الاحزاب في مصر التي يبلغ عدد سكانها مائة مليون نسمة حتى يمكن ان يتصدر العراق قائمة الدول في عدد الاحزاب !.
لقد حدد قانون الاحزاب عددا من الشروط للتقديم بطلب تاسيس حزب منها مثلا النظام الداخلي وان لايقل عدد الهيئة العامة عن (2000 ) شخص وعقد مؤتمر عام لمناقشة نظامها الداخلي وانتخاب امينها العام واعضاء الامانة العامة .. وقد اتيحت لي فرصة حضور بعض ندوات هذه الاحزاب قبل عملية التاسيس او حضور مؤتمراتها العامة والاطلاع على نظمها الداخلية وما تضمنته من كلمات جميلة ومنمقة عن الاهداف وكيف انها ستعمل على خدمة الوطن والمواطن ..واستطيع ان اجزم ان عدد غير قليل من قيادات هذه الاحزاب لم يشترك ويسهم في رسم ملامح النظام الداخلي بفقراته ولم يطلع عليه الا اثناء قراءته في المؤتمر التأسيسي . اما اعضاء ما يسمى بالهيئة العامة فقد كان يكلف اشخاص بتزويد هذا الحزب او ذاك باضابير من يسمون بالهيئة العامة وهؤلاء كانوا يخدعون الناس بانها لاغراض التعيين او تخصيص قطعة ارض او غير ذلك من اجل جلب مستمسكاتهم من هوية احوال مدنية وشهادة جنسية وغيرهما , ما يعني بداهة بان هذه الاحزاب بلا قاعدة شعبية وانها لم تعتمد ما كان مألوفا عند الاحزاب الوطنية بمختلف تسمياتها باعتماد طريقة الكسب بعد عملية تبشير بمباديء الحزب واهدافه التي تتطلب عمل مضن وشاق لاقناع المواطن بالانتساب للحزب . فما هكذا تنشأ الاحزاب ياسييين ؟ انها نتاج تضحيات وتفاعل مع المواطن من اجل كسب ثقته وقراءة الى تاريخ الاحزاب النضالي في العراق تعطينا صوراً مشرقة عن البذل والعطاء من اجل المباديء .
واكيد ان ما يتبادر الى الذهن هو اذن لماذا هذا التكالب على تاسيس الاحزاب من قبل هذا السياسي او ذاك ؟ ولا تحتاج الاجابة الى عناء حيث ان هاجس التربح كان هو الهدف عند عدد غير قليل منها سواء من خلال طموحه بالحصول على مقاعد برلمانية او بما كانوا يتأملونه من منح حكومية لم تحصل بسبب عدم ادراجها في موازنة العراق المالية ..وبرغم ان الحصول على مقاعد في البرلمان ليست بالضرورة معيارا لتقييم اي حزب او مدى جماهيرته خاصة في مجتمعاتنا العربية ومنها العراق التي تشهد الانتخابات فيها تزويرا وتنافسا غير متكافيء ، بل ان بعض الانظمة لاتمنح اجازات تاسيس لهذا الحزب او ذاك لشعورها بخطورة ما يحمله من مباديء على مصالحها الضيقة ومع ذلك تراه يعمل سراً مكتسباً ثقة الجماهير وولائها .. وبالعودة الى اوضاع احزابنا في العراق فانها برغم تبجحها بمقاعدها في البرلمان يمكن القول صراحة ان غالبيتها بلا قاعدة شعبية حقيقية والدليل هي تلك التظاهرات الشعبية السلمية التي بدأت قبل شباط 2011 واخذت تتصاعد تدريجيا الى ان وصلت الى ماهي عليه في تشرين من عام 2019 ومازالت مستمرة منددة بالاحزاب الفاسدة وما خلفته من مأس وكوارث بحق العراق وشعبه مطالبة بتغيير حقيقي يستجيب لتطلعات المواطنين بعيدا عن المحاصصة بكل انواعها وما سببته من خراب وفساد.. لذا عذرا اذا وصفنا هذه الاحزاب بدكاكين كونها لاتملك شرعية من المواطنين .. وان مصيرمثل هذه الاحزاب الانتهاء والموت اذا ما حصلت انتخابات شفافة ونزيهة وباشراف اممي وهذا ما ترفضه الاحزاب المهيمنة لادراكها انها لن تحصد فيها غير الخيبة والخذلان .