23 ديسمبر، 2024 2:50 م

احراق معتقل ..بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لمجزرة كربلاء

احراق معتقل ..بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لمجزرة كربلاء

كان الدخان يلف المكان ورائحة البارود التي تنبعث من مختلف الاسلحة تفوح في حي ( سيف سعد ) وتحيله الى معركة وميدان حرب حقيقية اندلعت حول براني ومنزل السيد الصرخي اصوات المدافع وهدير الطائرات وهي تحوم محلقة فوق المكان وترمي قنابلها ورصاصها على كل من يتحرك تحتها على الارض التي باتت مخيفة ومرعبة والهزات العنيفة التي تحدثها قنابر الهاونات وهي تسقط على غير هدى في اي مكان على البيوت بين الشوارع والازقة في ما اطلقوا عليه فيما بعد ( بالمربع ) في سيف سعد الذي يقطنه السيد الصرخي حيث تم تطويقه من كل الجهات بالمدرعات والدبابات والجند المدججون بكل الاسلحة حتى اذا انكشف وجه ذلك الصباح المريع رأينا المدرعات الكالحة السوداء وهذا نذير بدخول قوات التدخل السريع او ما يسمى بقوات (سوات ) وغيرها من تشكيلات احاطت بالمكان مليشيات الحضرة بسياراتها ( البيك اب ) وما يسمى بالعصائب , مئات الجنود ينتشرون ونحن نتخفى بين البيوت عزل لا حول لنا ولا قوة قد اصطبغت وجوهنا لون التراب وبان عليها شحوب الخوف والاستغراب وملابسنا هي الاخرى غطاها الرمل والتراب , والاصوات والزعيق الذي يخرج من افواه المحيطين بالمربع من جنود وزمر تتحرك بين الازقة والبيوت تبحث عن اي شبح يظهر امامها لتطلق عليه النار او تعتقله .. في الحقيقة كأننا في جبهة من جبهات القتال ولكن هذه المرة غير متكافئة وغير انسانية وغير قانونية .. اه .. يا لها من معركة دامية يخوضها عشرات التشكيلات ضد اناس عزل . . حتى لغاية بضع ساعات مضت كنا جالسين تحت المسقف امام الشارع الذي كان يقطنه المرجع المظلوم , هذا المسقف بني هناك ليقرأ تحته الدعاء وتقام الصلوات والمجالس الحسينية والمحاضرات ويرتل كتاب الله هناك حيث تشع الالفة وترتوي النفوس من سيول الدرس والعلم الذي كان يمنحه المرجع وبعض المحاضرين الدينيين او الاكاديميين , يا له من مكان كان يشهد كل هذا , لا شيء غير هذا , كان اليوم الثاني من رمضان جالسين وقد امسينا تحت المسقف بعد ان افطرنا في اعقاب صوم نهار طويل بدأت مراسيم الدعاء واذكار رمضان التي تعودنا سماعها وقراءتها .. يا لها من ليلة مشؤومة عندما احاطت بالمكان عشرات الهمرات والدبابات انه نذير شؤم .. وحدث ما حدث .. الذي انتهى باعتقالي من قبل الجيش هذه المرة وليس من المليشيات وهذا من حسن حظي , عندما كنت اسرع الخطى بجوار الجدران الوذ بها من رشقات الرصاص التي كانت الطائرة فوقنا تمطرنا بها وترمي بشررها على الارض التي كانت وكأنها لا تسعنا برحبها , واخيرا اعتقلوني وهم يسوقنني بالضرب المبرح على راسي

وعلى صدري وظهري وكل مكان في جسدي الضعيف المنهك وهم يسبون ويشتمون بالفاظ نابيه لا تخرج حتى من افواه الشياطين , وضعوني بعد ان أوثقوني كتافا وشدوا معصميّ بسلك كان يحزهما , وشعرت بالدماء وهي تسيل منهما , كان الما شديدا يعتصرني وعصبوا عينيّ بخرقة شدت بإحكام حول راسي الذي كان يؤلمني بصداع لم يسكن زادته تلك الضربات بأعقاب البنادق والعصي وبأيديهم الحاقدة التي لا تعرف الرحمة وضعوني جلوسا مع اخرين من الشباب الذين لم اعرف عددهم ولا ملامحهم لانني كنت معصوب العينين قرب احد الجدران التي كانت مقابلة للمسقف , كانوا ينتظرون الاوامر بترحيلنا ولكن لا اعرف الى اين وماذا سيكون مصيرنا , لم افكر في شيء اخر سوى مصير المرجع وما حدث له وقد سمعت الجنود وهم يتكلمون عن هدم تام لمنزله ووصول الجيش والمليشيات هناك كان منزل المرجع يبعد عنا بضع عشرات من الامتار, وفجأة سمعت صياحا عاليا من احد الاشخاص الذي يبدو انه صادر من احد اتباع السيد المرجع كان قد اوثقوه كتافا وربطوا قدميه ايضا بجوار ذلك المسقف الذي راح يشتعل كاملا بنار لم تبقي منه ولم تذر كان ذلك الشاب قريبا من المسقف والنار بدأت تدنوا منه شيئا فشيئا ولكن مسرعة تلك النار نحوه فبدا يصيح وهو يشعر بحرارتها فسمعت احد الجنود الذي كان يقف لحراستنا يقول لصاحبه انظر ذلك ( الولد ) المسجى على الارض وهو مكتوف اليدين ومعصب العينين بدأت النار تقترب منه وهو يصيح , كنا نسمعه يطلب العون والنجدة كانت النار قد اقتربت منه كثيرا وبعد لحظات عصيبة كان تفكيري يشل كل شيء في جسمي حتى الالم لم اعد اشعر به , تفكيري الذي انحسر في تلك اللحظات بهذا الشخص الذي لم يتوقف عن الصياح وطلب النجدة وها هو صوت الجندي او الشرطي لست اعلم يقول لصاحبه انظر لقد اتوه ( جماعة الحضرة ) اعتقد انهم يريدون اخراجه وحمله .. ها ماذا يحدث يقول لصاحبه انهم يحملونه فطفق لك الجندي يسترسل بالكلام ولست ادري هل كان متعمدا ليسمعنا ام انه يتجاهلنا وغير مبال بوجودنا يقول لصاحبه انظر .. انظر .. ماذا فعلوا .. ها .. يالله .. لقد رموه في النار فوق الانقاض المشتعلة تحت المسقف .. لقد اعتصر قلبي وبدأت اتخيل الموقف ماذا يحدث بحق السماء ما ذا يجري لقد رموه حيا وسط النيران التي كانت تلتهم المسقف وتلهب القلوب قبل ان تلهب تلك الحاجيات من افرشه واثاث وغيرها من اغراض مختلفة اي موقف هذا الذي نشهده اليوم اي اناس هؤلاء واي حقد هذا واي وحشية تلك كان يحملها ( جماعة الحضرة ) اتباع عبد المهدي الكربلائي عندها كانت عيناي قد بدأتا تذرفان الدمع الذي اختلط بالتراب والرمل والدماء التي على وجهي لم استطع ان امنع مخيلتي وهي ترسم لي الحدث وكيف رمي هذا الشخص الموثوق والمقيد في النيران لم انسى صوته الى الان وهو ينادي ويصيح … يالله يالله يالله الله اكبر الله اكبر يا علي .. يا

علي .. يا علي . ثم اختفى ذلك الصوت شيئا فشيئا وسط النيران الملتهبة ..كان المكان مازلت اشم منه رائحة البارود ويعج بلون الدم واثار السحل وانين الاجساد المحترقة لازال صدى ذلك الصوت الذي يتلظى يلهب اذني لازلت اسمعه في كل يوم لم انسه ابدا حتى في احلامي التي يبددها الحزن والالم الطويل.