في مشهد وحدوي أعاد زخم انتفاضة تشرين إلى الواجهة، شهدت العاصمة بغداد، صباح الأحد، تظاهرات جماهيرية واسعة شارك فيها الآلاف من أحرار تشرين والقوى المدنية، قادمين من مختلف المحافظات العراقية، رفضًا لتفريط الحكومة في السيادة، واحتجاجًا على ما وصفوه بـ”بيع خور عبد الله” في صفقات مشبوهة على حساب كرامة الوطن.
وانطلقت الجموع الغفيرة من ساحة النسور باتجاه مجلس القضاء الأعلى ووزارة الكهرباء، تزامنًا مع وقفة كبرى في ساحة التحرير، حيث اجتمع المتظاهرون من مختلف المدن في رسالة تؤكد أن المعركة ليست جغرافية فقط، بل معركة كرامة وهوية ووعي.
وتوقّف المحتجون أمام وزارة الكهرباء رافعين شعارات تُطالب بتحسين واقع الطاقة الكهربائية في عموم المحافظات، بعد أن بات الانقطاع المزمن والتردي المستمر للخدمة إحدى صور الإذلال اليومي للمواطن العراقي، مؤكدين أن الفساد والإهمال المتراكم هو السبب الحقيقي وراء عجز الوزارة، داعين إلى محاسبة المسؤولين عن الفشل المتكرر في ملف الكهرباء.
وفي بيان صادر عن “أحرار بغداد”، أعلن المتظاهرون دعمهم الكامل والمطلق لما وصفوه بـ”الخطوة الوطنية الكبرى”، مؤكدين:
“نحن معكم قلبًا وقالبًا، من أجل خور عبد الله، ومن أجل العراق، وسنفتح لأحرار المحافظات قلوبنا وبيوتنا كما نفتح الساحات لخطاكم، فأنتم لستم ضيوفًا على بغداد، بل أنتم شرفها ومجدها.”
كما شدد البيان على أن هذه التظاهرات تمثل بداية لصولة وطنية مفتوحة لن تتوقف حتى استعادة السيادة الكاملة، داعين إلى مواصلة التوعية والتحشيد الشعبي السلمي، ومؤكدين أن الكلمة اليوم للشعب، لا للصفقات.
وفي ساحة التحرير، تلي بيان “أحرار تشرين”، وجاء فيه:
“خور عبد الله عراقي، وسيبقى عراقيًا، ليس لأننا نرفع الصوت فحسب، بل لأن الحق لا يُنتزع، ولو اجتمع عليه الضعفاء بالخذلان، والسلطة بالصمت، والخونة بالتبرير. أما أولئك الذين باعوا ضمائرهم، فمهما حملوا من هويات، فهم لا ينتمون لوطن اسمه العراق، فالعراق لا يُنجب من يساوم على ترابه.”
وشهدت التظاهرات كذلك مطالبة صريحة بإطلاق سراح الناشط المدني إحسان أبو كوثر، الذي اعتُقل على خلفية مواقفه الوطنية المناهضة لتفريط السيادة، مؤكدين أن “صوت إحسان هو صوتنا جميعًا، واعتقاله محاولة يائسة لإسكات الوعي، ولن نسمح بتمريرها”.
ورفع المحتجون لافتات تطالب بكشف الجهات التي ساهمت في تمرير اتفاقيات ترسيم الحدود، وأخرى تُطالب بحرية الناشطين، ورددوا هتافات: “خور عبد الله عراقي”، و”لا وطن يُباع”، و”أطلقوا إحسان… صوت الشعب لا يُعتقل”.
وفي موقف لافت، أكد محمد المنصوري (عضو مجلس محافظة بابل)، خلال مشاركته مع انتفاضة ساحة النسور في بغداد، على ضرورة حفظ سيادة العراق عبر التمسك بأراضيه كاملة دون تنازل، داعيًا الجهات المعنية إلى الاضطلاع بمسؤولياتها الوطنية وعدم الحنث باليمين الدستوري المنصوص عليه في المادة 50 من الدستور العراقي، معتبرًا أن أي تقصير أو تهاون في قضية خور عبد الله يُعد خيانة عظمى لا تُغتفر.
ويُذكر أن المنصوري كان المسؤول الحكومي الوحيد الحاضر بين جمهور المنتفضين، في غياب تام لأعضاء مجالس المحافظات الـ15 وأعضاء مجلس النواب.
وقد عبّر أهالي بغداد عن تضامنهم الكامل مع المتظاهرين الوافدين من المحافظات، حيث فتحوا بيوتهم واستقبلوهم بترحاب كبير، مؤكدين أن وحدة العراقيين هي السد المنيع بوجه أي تفريط أو خيانة.
وفي ختام التظاهرات، شدد المنظمون على أن هذه الوقفة ليست النهاية، بل بداية لتحركات قادمة، مطالبين بمحاسبة المتورطين في إضاعة الحق العراقي، وإعادة الاعتبار لصوت الشعب، والمُضي في استعادة الوطن من قبضة السلطة العميقة.