17 نوفمبر، 2024 11:38 م
Search
Close this search box.

احداث دهوك والسليمانية وزاخو الأخيرة ، ما المبرر ولماذا الآن ؟

احداث دهوك والسليمانية وزاخو الأخيرة ، ما المبرر ولماذا الآن ؟

زارني هذه الليلة زميل أكاديمي وأستاذ جامعي من إخوتنا المسيحيين الذي خدموا العراق لعقود من الزمن وتبوء مواقع تعليمية ومهنية رفيعة على مستوى قطري وعربي يحمل معه هموم أهله في دهوك وزاخو واقراص حاسوبية لصور بشعة واختراقات غير إنسانية اقترفت وتعرضت لها محلات وفنادق ونوادي مسيحية  في محافظة دهوك وقضاء زاخو متألما ومتنبئا بالاسوء وبقلب متقطع  , وكذا الحال فيما يتعلق بالاخوة  اليزيديين  فقد ارسل اليَ الصديق الأمير أنور معاوية رسالة يفضح فيها بشكل مؤكد المسلسل التطهيري الذي يتعرض له المكون اليزيدي في مواطنه  وما تفعله السلطة الكردية والبيشمركه والحزب الديمقراطي الكردستاني لتهجير اليزيديين من زاخو ودهوك وهي تسخر احزاب تتنادى باسم اليزيديين انفسهم ومن بين صفوفهم ولكنها احزاب مستكردة تعمل لصالح السلطة وتشير الرسالة الى دور كبير تقوم به السلطة الكردية الحاكمة كجزء من سياسة تطهير المنطقة من المسيحيين واليزيدين والشبك والتركمان.
رئيس حزب تركمان ايلي رياض كهيه صرح  : بان طرفا كرديا سياسيا يلجا لإستخدام بعض المرتزقة  والشباب من المكون العربي  للقيام باعمال ارهابية ضد المواطنين التركمان في كركوك لخلق فتنة بين المكونين العربي والتركماني ومن ثم استغلال هذا الخلافات لتقريب  التركمان الى  الطرف الكردي بغية قيامه بدور حامي التركمان وحامي كركوك .وهذا ما يفسر استمرار الارهابيين في تنفيذ العمليات المسلحة في مركز المدينة في ظل تواجد الاف من قوات الآسايش في كركوك الى جانب سيطرة الاحزاب الكردية على الدوائر الامنية في المدينة فيما لم يتم اعتقال اي ارهابي قام بالهجمات ضد التركمان حتى الان  .
حزب الحرية والعدالة الكوردستاني  اصدر مكتبه بيانا يدين سياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني وسلطته الحاكمة  بالقيام بهذه الانتهاكات في اوساط المكونات المتعايشة واعطاءها الصبغة الدينية من اجل تصفية احزاب المعارضة الكردية حين اتهمت  قيادات حزب البرزاني الاتحاد الاسلامي الكردي وهاجمت واحرقت مقراته واعتقلت قياداته .
ما يجري اليوم في شمال العراق من صراع على السلطة بين الأحزاب المشاركة في العملية السياسية واحزاب المعارضة الأخرى هو على نمط  ما يجري في وسط العراق وجنوبه من صراعات من اجل الامتيازات الطائفية والعشائرية والعرقية وجميعها تدار بطرق ماكرة وخادعة وبإشراف مخابرات أجنبية وصهيونية لتقطيع أوصال الشعب العراقي وتشظيته 
 الدولة العراقية التي يكون الشعب العراقي أحد ركائزها لا يمكن ان تسمى دولة ما لم تكن سلطاتها التنفيذية والقضائية قادرة على  حماية عموم الشعب بجالياته وطوائفه ومكوناته ، المكون المسيحي (اشوريون وكلدان وارمن )والمكونات الاخرى يزيديون وشبك  وتركمان عناصر أساسية جامعة من مكونات الشعب العراقي حالهم حال العرب والكرد  تاريخيا و وطنيا ومهنية وأداء، بل ربما تكون اصولهم وجذورهم في أرضهم العراقية اكثر رسوخا وقدما من غيرهم ، بأي مبرر وخديعة يتم اليوم استهداف هذه المكونات في مناطق الشمال العراقي في ظل سلطة تحسب إنها مسؤولة عن أمن المنطقة بل تحسب أن أكبر إنجازاتها التي تتميز بها عن الحكومة المركزية المكناة دستوريا بالسلطة الإتحادية أن الحالة الأمنية  أكثر استقرارا من غيرها في المناطق التي تديرها ؟ ولماذا تجري كل هذه الأحداث جملة وتفصيلا في العراق من شماله إلى جنوبه تزامنا مع الانسحاب العسكري  الامريكي النوعي الذي يفترض ان يتكامل قبل نهاية  هذا العام في كانون الاول الحالي ؟ هل من معايير وطنية أو دينية أو أخلاقية تشكل خلفية  تبرر تهجير أو إقصاء مكون أو ملة أو طائفة أو قومية من أرضها وارثها وتلغي مواطنيتها بالصيغ التي تمارسها السلطة في عراق التحرير والديمقراطية المزعومة ؟.
ومن قال أن للعربي أو الكردي حقوق وامتيازات وأسبقيات في العراق أكثر من المسيحي أو اليزيدي أو التركماني ؟ ولماذا للكردي في اربيل او العربي الشيعي  في النجف او للسني العربي في الرمادي أسبقية وأهمية على غيره حتى لو كان غير مولود من أب وجد في نفس المنطقة  ؟. هذه الفرضية هي ما يسعى الاحتلال الغاشم ومعاونيه على ترسيخها كحقيقة من أجل ترصين أدوات التشظية وخلق رموز سلطة المدن والطوائف والعشائر الذين ستوكل إليهم مهمة الحكم في العراق الذي يسعون لتفتيته
المسيحيون العراقيون هم نسيج عراقي أسهم علماؤهم واطباؤهم ورجال الدين والعلم واللغة والمعرفة ورجال الأعمال والمهنيون والأكاديمون منهم ببناء العراق وترسيخ معالم نهضته على مر العقود والقرون والعصور بشكل قد يفوق ما انجزه غيرهم من مكونات شعبنا ، واليزيديون تمسكوا بمواطنتهم ومواطنهم ومعتقداتهم بالرغم لما تعرضوا له من أذى واضطهاد لعقود وقرون من الزمن من جيرانهم ومن قوى السلطة التي تحكمت بهم وحرمتهم من حقوق مشروعة منعتهم من الإسهام بشكل ملموس بل خندقتهم أنظمة متعددة داخل أسورة لإذابتهم ولكنهم صمدوا وحافظوا على تراثهم وتقاليد رغم كل الضغوط .وكلا المكونين  المسيحي واليزيدي عاشا في العراق دون ان يكونا مصدر إزعاج أو إثارة لانفصال أو تفريط بالوطن أو تهديد حقيقي ، فلماذا يرغمان اليوم بشتى الوسائل الخبيثة والماكرة لتهجيرهم وإزاحتهم بهذا الأسلوب القسري والا إنساني من ديارهم ؟ .
 واضح جدا ما تهدف اليه الاحزاب الكردية الحاكمة اليوم من هذه الاحداث التي تؤسس لتوسيع واثارة قضية المناطق المتنازع عليها او غير المحسومة لاقليم ولها صلة وثيقة بالتصريحات التي اطلقها نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدن في لقاءه مع رئيس الاقليم مسعود البرزاني  في اربيل خلال نهاية زيارته الاخيره قبل أيام الى العراق حيث صرح بقوله (يمكن ابقاء قوات اميركية تحت اشراف الامم المتحدة لان جلب قوات دولية من جنسيات اخرى يستغرق وقتا طويلا ويكلف اكثر ويرى ان بقاء قوات اميركية في المناطق المتنازع عليها هو لمصلحة كل العراقيين لان ذلك يجنبهم صراعات قومية او اثنية  كما يحافظ على استقرارالبلاد ويبعدها عن السقوط في مستنقع العنف مرة اخرى ).
وكان عادل برواري مستشار المالكي لشؤون اقليم كردستان قد قال (إن هناك تنسيقا على مستوى الرئاسات بين الحكومة المركزية ورئاسة الاقليم لطلب حماية دولية للمناطق المتنازع عليها اذ ليس الكرد وحدهم من يطالب بالحماية في هذه المناطق بل حتى المسيحيون والتركمان يطالبون بذلك في كركوك وسهل نينوى ).
تكشف هذه التصريحات بشكل جلي اسباب حدوث الاضطرابات الأخيرة في دهوك والسليمانية وزاخو وتصاعد أصوات الساسة بطلبات تدخل دولي وإنساني لحسم الأحداث والتي لم نسمع يوما خطاب مماثل لها في أحداث الصراع الطائفي في الوسط والجنوب  العربي الذي تعبث به قوى النفوذ الايراني باعتراف الإدارة الأمريكية والتي لم تقم فيه قواتها العسكرية المتواجدة  باي دور لحسمه لسنين مضت قبل انسحابها وبالتالي فان هذا السيناريو يتطابق بالنوايا مع سياسة الحكومة المركزية وتوجهاتها الطائفية المتمثلة بالتشبث لبقاء قوات  أمريكية محتلة متواجدة في العراق مشرعن بقائها  بقرار دولي الى أمد آخر لا يعلم إلا الله مداه في دولة ناقصة السيادة لا تستطيع حكومتها حسم  عائدية مناطق ضمن الخارطة الداخلية للعراق لأي إقليم تعود  مما سيؤمن لبقاء هذه القوات لحين إرساء قواعد الفدرلة وتقسيم العراق وربما انفصال الكرد من الدولة الأم  في اجواء تصاعد أصوات المطالبة بالأقاليم في وسط العراق وجنوبه على نمط ما سيحدث في إقليم كردستان بمبرر الحفاظ على ما يتبقى من مناطق  للأقاليم بعد حسم عائدية  هذه المناطق بالطريقة التي يتشبث بها الساسة الكرد بأصدقائهم الأميركان ، كوسيلة للنجاة من سلوكيات السلطة المركزية حالهم حال من يطالب في شمال العراق بأقاليم للمسيحيين وللشبك ولليزيدية وحينها ستمرر الاستفتاءات في ظروف ضاغطة كتلك التي مرر بها  زيفا استفتاء دستور التقسيم والألغام ليكون أمرا واقعا لا يمكن تغييره كأنه صك انتداب دائم أو كتاب محكم بما يحتويه من شروط تعجيزية تحول دون تعديله .

أحدث المقالات