بات لا يخفى على الشعب العراقي، جراء تجربته المريرة مع حكم الطبقة السياسية، ذات النزعة السياسية الطائفية والقومية، بأن غاابية الكتل والاحزاب السياسية في العراق، لاتريد، أن تكون للدولة ومؤسساتها أي سلطان حقيقي في إدارة البلد، وتحقيق أمنه واستقراره، وهذه الحقيقة باتت اليوم ساطعة كوضوح الشمس، في ظل دستور وقانون انتخابي انتجته تلك الطبقة، لكي يتلائم مع مقاسات نظامهم، ذات المحاصصة السياسية والمذهبية، وكيفية توزيع سلطات الدولة اللا مركزي، واستحداث المناصب الكثيرة التي تكلف الدولة اموالا طائلة في سبيل ارضاء الكتل، وتقسيم الدولة الى اقطاعيات تديرها الميليشيات، بادوات الدولة العميقة المهيمنة، وتجريد الدولة من مفهوم المؤسسة الحقيقية، في ادارة موارد وقرارات الدولة، اذا فالجميع متفق على عدم احداث ثورة تغيير، نتيجة تشبثهم بالمناصب والامتيازات، واستمرار اضعاف الدولة ومؤسساتها ودورها الرقابي! وفي ظل ضعف الدولة تسيطر احزابهم ومليشيات السلطة، وتصادر قوة وهيبة وقرار المؤسسة العليا للدولة، بشتى مستوياتها وادوارها السياسية والاقتصادية والامنية ومسؤولياتها الاخرى وهناإذ كانت الدولة قوية، من حيث الهيبة والحضور وقوة القانون ،والحفاظ على مصالح العامة، كلما تراجعت معها مظاهر الفساد والفاسدين والهيمنة، وضعف نفوذ الأشرار والإنتهازيين وسلطانهم الخفية على مقدرات البلد، وهذا ما لا يقبله الأشرار أساساً بل يدفعهم لفعل المستحيل من أجل تغييب هكذا دولة!
لندع هذه الحقيقة جانباً ونذكر أمراً آخر، إلا وهو ضرورة التفكير اليوم في إحداث تغيير لنظام الدولة السياسي، وتعديل بعض فقرات الدستور وقانون الانتخابات يعتمد:
١- دوائر متعددة.
٢- انتخاب فردي ١٠٠٪.
٣- الدوائر تقسم حسب الكثافة السكانية.
٤- الفائز هو الحاصل على ٥٠٪ من أصوات السكان في الدائرة الانتخابية وليس الأعلى عددا.
والغاء مجالس المحافظات الزائدة،والتي كانت نافذة لمنافذ الفساد الاداري والصراعات الداخلية، والغاء بعض الدرجات الخاصة المستحدثة ، ورفع الامتيازات والمخصصات الكبيرة،وتفعيل مجلس الخدمة الاتحادي ،والعمل على فكرة توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية في العراق، وتعديل بعض المواد الدستورية له، ليلعب دوراً مرجعياً في إحتواء صراعات البلد وأزماته المتفاقمة، التي عجزت مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية،حتى الآن، عن إيجاد حلول جذرية لها لأسباب شتى، ربما أبرزها هو الصراع الطائفي والمذهبي والمصالح الحزبية والفئوية.
والأمر يتعلق ايضا تحديداً، بكيفية معالجة إشكالية في غاية الخطورة، إلا وهي إهتزاز بل إنعدام ثقة المواطن بالمؤسسات الرئيسة التي أوكلت اليها مهام إدارة الدولة،والتي تتمثل حصراً في مجلسي النواب أولاً والوزراء ثانياً.وإنعدام الثقة هذا لم يأتي من فراغ كما نعلم، بل هو عائد الى تراكم الأزمات والصراعات الدائرة في البلد دون أن تشهد أي إنفراج حقيقي في تقديم تجربة ناجحة ورشيدة، في بناء البلد وإعادته الى الحياة الطبيعية، كبقية الدول الأخرى التي شهدت حروباً متعددة، ورغم الصلاحيات الواسعة التي تتمتعان بها دستورياً وبمواد وبنود واضحة وصريحة، إلا أنهما أخفقتا تماماً في إستثمار سلطاتهم وصلاحياتهم للصالح العام وخدمة البلد وأبنائه.
بمعنى آخر، ان علينا اليوم ان نقر بوجود خلل حقيقي في طبيعة النظام السياسي المناسب للعراق، يكمن هذا الخلل، اولا تاسيس الدولة العراقية على اساس المحاصصة الطائفية والقومية وتحجيم دور رئيس الدولة بدستور محافظ لا يمنحه الصلاحيات وحق التصرف، كنظرائه في الدول الأخرى، إزاء الكثير مما يحدث ويجري في البلد.
والرئيس نفسه، يشعر جيداً بأنه عاجز دستورياً عن أن يلعب دوراً متميزاً في إحتواء أزمات البلاد، وأن يرقى هذا الدور الى مستوى ما يتمناه اليوم المواطن العراقي المنكوب، لاسيما في ظل الظروف الراهنة المتدهورة التي تعيشها البلاد،بسبب هذا التفجر الكبير الذي نشهده من ثورة شعبية، نتيجة لإنعدام الثقة بمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية،
ان هذه الإشكالية البنيوية والكثير من الاشكاليات التي ساهمت في تدوير الشخصيات السياسية الفاسدة، في النظام السياسي للبلد،شلت حركة الدولة العراقية
وهذه الإشكالية بحد ذاتها تكفي لأن نعيد النظر في جدوى إبقاء النظام السياسي في البلد نظاماً برلمانياً مطلقاً، وان نفكر مجدداً في ضرورة توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، وسلطاته تدعيماً لبناء أسس جديدة وقوية للدولة ونظامها السياسي، خصوصاً ان منصب رئيس الجمهورية في العراق، كما جرت العادة، هو من حصة المكون الكردي، وقد اثبت هذا المكون ومن خلال تجارب حية بأنه يلتزم الحياد في الصراعات والمواقف السياسية ولا بد من ايجاد نظام سياسي يرتقي للوطنية والمهنية ويتلائم مع متطلبات التغيير ،في اختيار رجال دولة ،أكفاء وامناء بعيدا عن التخندقات الطائفية والحزبية، وفق ارادة الشعب العراقي.