لامناص من تلافي اخطائنا، نحن البشر، طالما لايمكننا الفصل بين العقل والعاطفة. كلما تودد الينا شخص، نبني فرضية حول غايته من وراء تلك الغاية، ثم نشبعها تحليلا وتمحيصا حتى نـظن اننا توصلنا الى معرفة الغاية الحقيقية لذلك التودد. تتبع ذلك ردودنا تجاه التودد مبنية على الغاية المستنتجة. لانعي ان عواملا عديدة يمكن ان توجه فرضياتنا واستنتاجاتنا كالحاجة الى الصديق او الحبيب او المال أو العمل او الالفة أو الانتماء… الخ. نجهل ان فرضياتنا ليست مجردة من احاسيسنا وعواطفنا، وان ما حرمنا منه يمكن أن يحرف فرضياتنا تجاه مانحتاجه فتنتهي استنتاجاتنا الى تمنيات اكثر منها الى حقائق.
في المجتمعات الحديثة وتحت ضغط الحياة، يضطر الناس الى تمثيل او ادعاء التودد للمحافظة على مكاناتهم الاجتماعية او السياسية أو الاقتصادية فتختلط الابتسامات البيضاء بالصفراء وتتداخل الدعوات الصادقة بالدعوات الكاذبة ويلبس المديح ثوب النفاق. ومع ذلك توجه عواطفنا عقولنا وتاليا تخيب خلاصاتنا لغايات افعال مخالطينا.
المقادير أمر آخر محير، هل ترد باحسن مما حييت به او بمثله أو بأقل منه؟ اختلال موازين الردود يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. بعضهم ان رددت جميله بمثله يشكر وبعضهم يرى في ذلك اشارات جفاء، وان رددت جميل آخر باقل من جميله فقد يغرب عن وجهك أو قد يغرم باحترامك وقلة اهتمامك، وان رددت باكثر فقد يشكرون اوقد يستنكرون. اذن فالمقادير بحد ذاتها احجية اخرى لاتقل تعقيدا عن أحجية غاية التودد.لانتردد في الرد بناء على استنتاجاتنا حتى نصحو بعد صدمة تشعرنا بوهن عقولنا وتفاهة فرضياتنا.
نتضائل بعدها ونبدأ نتسائل كيف خذلتنا خبراتنا وتجاربنا الحياتية وذكاؤنا وفطنتنا، ثم نمر بفترة سبات فكري واهتزاز ثقتنا بانفسنا. بعد حين نستعيد ثقتنا وخبرتنا ونحاول الاتكاء على تجاربنا السابقة لتفادي او تقليل الاخطاء المبنية على افتراضات واهية. ماان ننسى اخطائنا حتى نعود لنرتكب اخطاء اخرى لان التجارب تختلف تبعا للناس والزمان والظرف والمكان ونظل نرتكب الخطا تلو الخطأ في محاولاتنا لايجاد حلول لاحجيتي الغايات والمقادير.