18 ديسمبر، 2024 9:17 م

احتلال عقول العراقيين وإرباكها!

احتلال عقول العراقيين وإرباكها!

منذ عدّة أيّام، ومع استمرار المظاهرات العراقيّة التي انطلقت في تشرين الماضي، صرنا نتابع فرقاً إعلاميّة الكترونيّة سرّيّة وعلنيّة تسعى بقوّة واضحة، وقدرات فنيّة مميّزة لنشر الخوف والرعب، وربّما، الإرباك في مواقع التواصل الاجتماعيّ وذلك بنشر الأخبار الكاذبة المليئة بصور القتل والإرهاب، ومنها خبر اغتيال المحامية سجى الراوي في اسطنبول منتصف الأسبوع الماضي ثمّ يظهر بعد ذلك أنّ تلك الأخبار مزوّرة ومزيّفة!
وآخر الدعايات الترهيبيّة نشر مليشيا (عصائب أهل الحقّ)، يوم الثلاثاء الماضي، لقوائم بأسماء أكثر من (700) من الناشطين المؤيّدين للمظاهرات في داخل العراق وخارجه، وتهديدهم بالتصفية الجسديّة!
يوم الاثنين الماضي بثّت الجيوش الالكترونيّة دعاية مفادها أنّ منْ يتواجد في ساحتي الوثبة والأحرار ببغداد سيحاكم وفق المادّة (4) من قانون مكافحة الإرهاب، وأحكامها ما بين الإعدام والمؤبّد!
الحروب النفسيّة المدروسة والعشوائيّة ضدّ الناشطين المدنيّين لا يمكن أن تكون سبباً لإجهاض المظاهرات!
الحروب اليوم لم تعد محصورة بالدبّابات والصواريخ والطائرات وإنّما هنالك الحروب الإعلاميّة والنفسيّة ولذلك فإنّ غالبيّة الدول، إن لم تكن جمعيها، حريصة على ترتيب مجاميع منظّمة للدعاية والحروب النفسيّة ضدّ الخصوم.
بعض العلماء النفسيّين يرون أنّ الشائعات من سبل إيصال المعلومة للجماهير!
وأعتقد أنّ تطور وسائل الاتّصال والتواصل نضّج الوعي الشعبيّ العالميّ، وبالذات مع (تحوّل العالم إلى قرية صغيرة)، وجعل الشائعات يتراجع دورها، ولم تعد ذات تأثير كبير كما كانت قبل الثورة الالكترونيّة العالميّة.
من أهمّ سبل علاج الأخبار الكاذبة والدعايات هو العودة إلى المصادر التي يستند عليها ناشر الخبر المفبرك وللتأكّد من صِدقيّة الخبر، وعليه يفترض بالناشرين عدم الاستعجال في نشر الأخبار التي تصلهم عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ المتنوّعة، إلا بعد التثبّت منها، حتّى لو كان المُرسِل هو محطّ ثقة؛ وعليه فإنّ نظريّة (الثقة المتبادلة بين المُرسِل والمُرسَل إليه) ربّما تُساهم في نشر الأخبار المزيّفة، وتساعد في نشر الأكاذيب التي تحاول الجيوش الإلكترونيّة عبرها زرع الفتنة بين المتظاهرين، أو بين الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعيّ، ومن هنا تأتي خطورة ما يُبثّ عبر تلك المنابر غير البريئة، وهي محاولات لتضليل الجماهير ولإيصال المعلومة المضلّلة بأسرع الطرق!
يفترض بمنْ يمتلك الحقيقة أن لا يسعى لفرض رأيه بالخداع، أو القوّة، بل يحاول أن يقنع الآخرين بفكرته عبر النقاش والإقناع ولهذا نرى أنّ القوى المتطرّفة (الدينيّة، وغير الدينيّة) تصل إلى مرحلة المواجهة الدمويّة لأنّها فشلت في اختبارات الإقناع!
منْ يمتلك إمكانيّة التعامل مع العقول يمتلك القدرة على النجاح وخلاف ذلك نراه، ربّما، سينتهك كافّة القوانين والأعراف والقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة ويصل إلى مرحلة الاغتيال والترهيب وهذا ما يجري في عدّة مدن عراقيّة.
الكذب والتلفيق وقلب الحقائق والتهديدات تذكرنا بماكينات فرق الموت التي لم تمح من الذاكرة الجمعيّة العراقيّة حتّى اليوم!
الأسلحة الالكترونيّة (المليئة بالسموم) لن تَهزم الواقع، ولن تَقلب الخراب إلى بناء، والقتل إلى حياة، والترهيب إلى أمان، لأنّها بُنيت على الكذب والخداع، بل ستُزيد من الهوّة بين الجماهير والحكومة!
وصول الشعب إلى مرحلة عدم قبول تلك الدعايات هو حالة وعي متقدّمة قادرة على منع السيطرة على عقول الجماهير ومحاولة احتلالها والتلاعب بها، أو تخريبها، وبالتالي تُقْبَر عندها كلّ محاولات (الغرباء)، وتنبت مكانها مرحلة جديدة تشعّ بالأمل، والوعي بخطورة الحروب النفسيّة.
محاولات الخلط بين النصر والهزيمة، والحرب والسلام، والحقيقة والكذب، والنور والظلمة، والنجاح والفشل، والحياة والموت هي محاولات بائسة ويائسة لا تبني دولة، ولا تقنع الجماهير، ومن هنا ينبغي الكفّ عنها، والأوْلى بالحكومات والأحزاب الواقفة خلف تلك المحاولات السقيمة العمل على تحقيق مطالب المتظاهرين بعيداً عن سموم الجيوش الالكترونيّة المعلومة لغالبيّة العراقيّين!
حروب الأخبار والدعايات المليئة بالكذب والترهيب لن تبني الأوطان، ومن هنا يجب مواجهة جرائم الإعلام المزيّف المليء بالتخويف، وتحجيم (الكذب المدعوم) للوصول إلى مرحلة النصر والسلام والحقيقة والنور والنجاح والحياة وبناء الدولة!