18 ديسمبر، 2024 11:38 م

احتلال جديد … تحت ستار (( التدريب )) !!

احتلال جديد … تحت ستار (( التدريب )) !!

يبدو أن القادة السياسيين خرجوا مؤخرا بنتيجة توافقية أراحت السيد نوري المالكي، وأطراف أخرى، بخصوص التمديد لبقاء القوات الأمريكية، دون عرض الأمر على مجلس النواب!!، فقد اتفقوا على السماح ببقاء نحو 5000 عسكري أمريكي بعد الإنسحاب المقرر نهاية عام 2011 بصفة (مدربين)، وتنفس المالكي الصعداء بعد أن كان في حيرة من أمر الانسحاب الأمريكي، إذ طبقا للاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق وأمريكا عام 2009 ينبغي ان تنسحب القوات القتالية الأمريكية قبل نهاية 2011، والمالكي يدرك جيداً تبعات انسحاب الجيش الأمريكي بالكامل من الأراضي العراقية في ظل عدم اكتمال جهوزية القوات العراقية من جيش وشرطة، برغم التصريحات الدعائية التي يطلقها البعض من أعوان المالكي وأتباعه، بين آونة وأخرى وهي تصريحات للاستهلاك المحلي، فالمالكي يدرك أن القوات العراقية لم تكتمل جاهزيتها بعد، لذلك فالمالكي كان يعيش مأزقاً للأسباب التالية:
1. الضغط الشعبي الداخلي العام المطالب بإخراج الأمريكان والتخلص من كل مظاهر وبقايا الغزو الأمريكي للعراق والتخلص مما ارتكبه الغزاة من فضائع ومجازر وانتهاكات أدت الى سقوط مئات الآلاف من العراقيين ضحايا لهذا الغزو الآثم.
2. الضغط الإيراني على التحالف الذي يضم المالكي ومن معه من القوى الموالية لإيران، بإتجاه إخراج الأمريكان من العراق، لأن إيران تريد أن تخلو الساحة العراقية لها براً وجواً وبحراً، لتكمل خطواتها لبسط نفوذها في المنطقة باتجاه لبنان حيث حزب الله، ومروراً بسوريا حيث يعاني نظام أسد الحليف لإيران من مشكلة الثورة الشعبية السورية، ولاشك أن خلو الساحة العراقية من الأمريكان سيُمهد الطريق لإيران أن توصل إمداداتها لحليفيها كل من نظام بشار الأسد وحزب الله في لبنان. وكانت إيران منذ فترة طويلة قد أعلنت جهاراً أنها تستعد لملئ الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الأمريكي من العراق. وهي تعرف أن العراق بات في حالة وهن وضعف شامل من النواحي العسكرية والأمنية وغير قادر على التصدي لأي عدوان أو تدخل خارجي، فهو لا يمتلك القوة العربة كما كان قبل 2003 بفضل الغزو الانكلو أمريكي للعراق وحل الجيش العراقي وتراجع قدرات القوات المسلحة من الناحيتين البشرية والتسليحية.
3. تصاعدت في الآونة الأخيرة ضغوطات وتظاهرات التيار الصدري، بشأن سحب الجيش الامريكي بالكامل، ليخلو الجو للتيار كي يبسط سيطرته الميليشياوية على الشارع، رغم أن العراقيين خبروا تهديدات مقتدى الصدر الجوفاء، الذي صَعّدَ من لهجته التهديدية ضد إبقاء القوات الامريكية في العراق تحت أي عنوان سواء مدربين أم شركات أمنية. وجاء بيان الصدر في وقت كشفت مصادر سياسية أن الحكومة تقدمت بطلب رسمي إلى الولايات المتحدة لإبقاء مدربين، مع استمرار الجدال حول قضية الحصانة.
4. قناعة المالكي الحقيقية في عدم جهوزية وقدرة القوات العراقية بوضعها الحالي وانعدام التسليح الكفء عن صد أي عدوان أو تدخل، فضلا عن أن القوات العسكرية والأمنية ينخرها الفساد والولاء للكتل والأحزاب الطائفية، فهي تعاني من ازدواجية الولاء فضلا عن تردي الكفاءة برغم العدد الكبير حيث وصل عديد وزارة الداخلية اكثر من المليون شخص بينما عديد وزارة الدفاع يصل الى 400 ألف شخص.
5. المعلوم أن التحالف الكردستاني يلح على إبقاء القوات الامريكية، حيث طالب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزانى، حكومة بغداد إلى إبرام اتفاق جديد مع واشنطن لبقاء القوات الأمريكية فى العراق، تفادياً لاندلاع حرب أهلية ومنع التدخلات الخارجية، متهما قوى سياسية بـ ((النفاق)) حيال بيان موقفها من بقاء الامريكان، ويتحجج الكرد بأن مسألة كركوك لم تحسم وكذا مشكلة ماتسمى بالمناطق المتنازع عليها التي يطالب بها الأكراد.
إن الحكومات المتعاقبة في العراق في ظل الإحتلال تعرف جيدا أن بقائها مرهون ببقاء الدعم والاسناد الأمريكي، لكنها تمارس (التقية) السياسية أمام جمهورها، فتعلن مطالبتها بتحرير العراق نهائيا من الاحتلال لكنها في قناعاتها تدرك ان أمنها سيكون على شفا خطر، في حال إنسحب الأمريكان فعلا، لذلك فإن أكذوبة إبقاء (5000) عسكري أمريكي تحت عنوان (التدريب)، كما يقال بأن الشركات الأمريكية الأمنية الساندة سوف تستمر بعملها في العراق، فضلا عن أن السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء تحوي 5000 شخص وهو عدد يفوق أي سفارة امريكية في العالم…
مسألة الحصانة التي تطالب بها القوات الامريكية لجنودها وضباطها، من أجل عدم ملاحقتهم قضائيا أمام المحاكم العراقية عن الجرائم التي قد يرتكبونها، هي مسألة فيها الكثير من الخداع، فالحصانة للامريكان قد ضمنت بقرارات من بول بريمر، ومن مجلس الامن، ولايستطيع نوري المالكي وحكومته من مقاضاة جندي أمريكي.
وإذ يرى بعض المراقبين أن استمرار التواجد الأمريكى فى العراق ربما يكون مهما للحفاظ على المصالح السياسية والجيوسياسية الأمريكية فى المنطقة، إلا أن كثيرين يخشون من أن تؤدى خطوة التخفيض المقرر فى الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق بحلول نهاية العام إلى فتح الباب أمام تزايد النفوذ من جانب إيران، حيث كشف مسؤولون أمريكيون أن قادة عسكريين واستخباراتيين أمريكيين يضغطون باتجاه توسيع صلاحياتهم لإجراء عمليات سرية فى العراق تحد من النفوذ الإيرانى هناك، ورفض هؤلاء الإفصاح عن تفاصيل العمليات، لكنهم أوضحوا – بحسب ما نقلت عنهم صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية – أن العمليات ستشمل تدابير مكثفة لوقف تهريب الأسلحة الإيرانية بعد الانسحاب الأمريكى.
إن إبقاء 5000 جندي امريكي في القواعد الامريكية بصفة مدربين وبقاء 5000 شخص تحت عنوان دبلوماسي في سفارة امريكا بالمنطقة الخضراء، واستمرار عمل الشركات الأمنية الخاصة، أمر يثير الريبة في جدية الإنسحاب الأمريكي وفي استمرار الإحتلال تحت عنوان (التدريب)…