23 ديسمبر، 2024 9:58 ص

احتقار القرآن للحياة 1/4

احتقار القرآن للحياة 1/4

حياتنا هذه التي نعيشها، في عالم الفيزياء أي عالم الطبيعة أو عالم الشهادة حسب المصطلح القرآني، هي التي نعرفها ونؤمن بها بقطع النظر عن أدياننا وعقائدنا وفلسفاتنا، علما يقينيا، لأننا نعيشها، وهذا ما يصطلح عليه في المنطق بالعلم الحضوري، في مقابل ثمة حياة في عالم الميتافيزيق أي عالم ما وراء الطبيعة أو عالم الغيب حسب المصطلح القرآني، مما نختلف فيه، فمنا من يؤمن بحياة بعد هذه الحياة، لأن الدين الذي يعتقد أنه وحي الله هو الذي أنبأه بذلك، ومع هذا فكل دين تصوره عن تلك الحياة، ومنا من يؤمن بها فلسفيا من الإلهيين اللادينيين، دون أن يبتّ في طبيعتها وكيفيتها، لأنه لا سبيل لمعرفة طبيعتها وتفاصيلها، وهناك من لا يؤمن بالمطلق بها، أو من هو لا يدري، وغير مهتم في البحث فيها.

المهم هاتان الحياتان، هذه التي نعيشها، ونعلم بها من دون أدنى شك، باستثناء من يسمون باللاشيئيين، وحياة مفترضة ستأتي، لم نعشها، ولكن ننقسم إلى من يؤمن بها ومن لا يؤمن بها. القرآن تحدث عن الحياتين، فسمى الأولى الملموسة والمحسوسة بـ(الحياة الدنيا) وسمى الثانية بـ(الحياة الأخرى) أو (الحياة الآخرة). ولا نعلم هل سميت حياتنا بالحياة الدنيا، لكونها الحياة الدانية، أي القريبة المعيشة والمحسوسة، في مقابل القاصية، أي البعيدة وغير المحسوسة، إن الحياة الدنيا أم سميت كذلك، احتقارا لها، كونها حياة دنيئة أي سافلة وحقيرة. إذن يبقى السؤال غير مجاب عليه، ما إذا الدين يعتبر هذه الحياة الدنيا حياة دانية، أم حياة دنيئة. وسنرى ان هناك ما يؤيد أنه ربما يعني المعنى الثاني، لاحتقاره لها.

نحن هنا نريد أن نتناول هذه الحياة التي نعرفها ونعيشها، وفيها من غير أي شك الإيجابي، وفيها والسلبي، فيها الفقر، والظلم، والجوع، والحروب، والإبادات الجماعية، والكوارث الطبيعية، والاستغلال، والقمع، كما فيها البناء، والعطاء، والتضحية، والتنمية، والعلم، والتكنولوجيا، وتطورهما المتسارع، والفكر، والفلسفة، والحضارات، والمثل الإنسانية، والتعاون، والحب، والسلام، والإبداع، وإلى غير ذلك. وهناك الأشخاص الإيجابيون الذين ينظرون دائما إلى الجهة المشرقة من الحياة، وهناك السلبيون الذين ينظرون إلى الجهة المعتمة منها، ومنهم بين هذا وذاك، ومنهم الواقعي الذي يرى الحياة كما هي بكل ما فيها، مما ذكر، ومما لم يذكر.