يقول عالم الاجتماع على الوردي في كتابه “شخصية الفرد العراقي”، ان ازدواج الشخصية ظاهرة عامة توجد بشكل مخفف في كل إنسان حيث وجد الانسان، لكنها متغلغلة في اعماق نفوسنا، وان العراقي “سامحه الله”، اكثر هياما بالمثل العليا والدعوة اليها في خطاباته وكتاباته ولكنه في نفس الوقت من اكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته، ويكمل الوردي قي كتابه الذي نقل أمثلة من مجتمعنا، قائلا ،بان الفرد العراقي من اقل الناس تمسكا بالدِّين وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية اخرى.
كلمات الوردي التي كتبت قبل اكثر من ستين عاما تجسدت بشكل واضح على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة (الفيسبوك) حينما “تطوع” العشرات من “مدعي لعلمنة والتمدن” للدفاع عن بسام الراوي الذي كان سببا في إقصاء المنتخب العراقي من بطولة كاس اسيا، بعد الهدف الذي سجله لصالح الفريق القطري الذي يحمل جنسيته، وحاولوا ايجاد “التبريرات المناسبة” التي تجعل من الراوي مظلوما وليس “مستفزاً” لمشاعر الملايين من العراقيين نساء ورجالا، بعد طريقة احتفاله وترديده هتافات “إساءة” للعراق أرضا وشعبا، ولان الرواي يحمل دماء عراقية رغم “لهجته” القطرية، كانت عقوبته حملة انتقادات واسعة ادت في النهاية الى اغلاق صفحته من قبل ادارة “الفيسبوك”.
لكن المدافعين عن “حماقة” الراوي بطريقة احتفاله استمروا بايجاد “المبررات” وبعضهم ارتفعت لديه “حمى” عدم المفهومية من خلال مقارنات لم ينزل الله بها من سلطان، وكان الهدف الذي سجله بسام كان في مرمى الحكومة ومجلس النواب وليس في مرمى يمثل جميع اطياف الشعب و”عُبَّاد الله”، والعجيب ان جميع من تصدأ لتلك الحملة هم من “دعاة” العلمنة والليبرالية الذين اطلقوا “العنان” لأقلامهم تحت شعارات “ما بعد الحداثة والعقلانية والتحضر” متناسين ان القوانين والأعراف الرياضية تمنع المبالغة “غير المنطقية” في الاحتفال اذا كان اللاعب الذي سجل الهدف كان في السابق ضمن صفوف الفريق الخصم، فكيف اذا كان الفريق هو منتخب البلاد التي تنتسب اليها وتحمل في عروقك بقايا من ترابها، وهناك العديد من الأمثلة لنجوم في كرة القدم رفضوا الاحتفال حينما سجلوا في مرمى منتخبات بلادهم او أنديتها التي كانوا في صفوفها سابقا لا مجال لذكرهم في هذه الاسطر، لكن مافعلوه سجله التاريخ من باب الاحترام لمشاعر مواطنيهم وابناء بلدهم.
واذا ما اردنا معرفة تصنيف المدافعين عن تصرفات الرواي فيمكن وضعهم في ثلاث اتجاهات،، شخصيات تخلت عن العمامة التي كانت ترتديها ايام “المعارضة” في ايران وسوريا وأصبحوا أفندية تحت عنوان العلمانية والمدنية، وهؤلاء استخدموا اُسلوب “التضليل” لتجميل بعض مواقفهم التي ارتكبوها خلال “ايام النضال السري”، واخرون خسروا الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها قبل العام 2003، فأصبحوا ينتظرون الفرصة المناسبة للانتقاص من العراق بطريقة يترحمون من خلالها على ايام النظام السابق، اما الطرف الثالث فهم الطائفيون الذين يحاولون “بث” سمومهم من خلال الحديث عن “المظلومية” والاقصاء بسبب الانتماء المذهبي وتجاهلوا ان العديد من لاعبي المنتخب العراقي من “السنة” وحتى رئاسة الاتحاد، وتلك الفئنة هي الأخطر كونها تمتلك جيوشا كبيرة من اقلام وقادة فكر يقيمون خارج العراق، ويتحدثون عن المنطق والتمدن.
افهم جيدا ان العملية السياسية التي نعيش مهازلها منذ 15 عاما، يتحمل قادتها جميع مانعانيه اليوم، بسبب المحاصصة وسياسة تقسيم المناصب، لكن “التحجج” بعدم وضوح الحقيقة او تجاهلها لا تقل “حماقة” عن تصرفات الساسة فعلى الرغم من ظهور مدرب المنتخب الأولمبي عبد الغني شهد ليخبرنا بان “بسام الراوي لم يقدم للمنتخب الأولمبي حتى يتم رفضه، واكد ان ،الراوي يمثل قطر منذ العام 2014″، لكن البعض مازال يروج لمعلومات “سوقتها جهات محددة” عن رفض المنتخب الأولمبي ضم بسام الراوي مما دفعه للالتحاق بقطر والحصول على جنسيتها، وحتى لو فرضنا بان حديث شهد غير دقيق وان “اصحاب” الرياضة ابعدوا الرواي فهل يحق له الاحتفال بهذه الطريقة.
الخلاصة… قد يعتقد البعض ان انتقاد المدافعين عن الراوي يعني القبول بالتجاوز على عائلته او عشيرته او “التطبيل” لاستخدام الاتهامات الطائفية، أبدا.. لكن الوطنية والشعور بالانتماء للأرض لا يمكن المساومة عليهما، مهما كانت الظروف، فالسياسي الذي يفضّل مصلحة الجيران وأهدافه على بلده لن يكون افضل حالا من لاعب كرة القدم الذي يقبل علما غير علم بلاده الام.. اخيرا… السؤال الذي لابد منه، من يوقف استغلال العلمنة لتبرير الأخطاء؟..