رنٌ جرس الهاتف في بيتي, /– نعم, /- أنت الذي كتبت مقالة – ( تسعون عاما على ميلاد حمزاتوف)؟ /- نعم, واتشرف بذلك, / – ننتظرك في عاصمة داغستان محج قلعة للمشاركة معنا في الاحتفالات بهذه الذكرى. وهكذا وجدت نفسي جالسا في الطائرة المتجهة من موسكو الى داغستان يوم السبت 7 ايلول/ سبتمبر2013 , وعندما وصلنا الى العاصمة الداغستانية محج قلعة كان باستقبالنا مجموعة من ادباء داغستان يتقدمهم محمد أحمدوف رئيس الاتحاد, وذهبنا الى فندق الدولفين الذي يقع على ساحل بحر قزوين المدهش الجمال, وهناك بدأنا بالتعارف فيما بيننا, وكان يجلس بجانبي الناقد الدكتور بانكو آنجيف من بلغاريا والروائي لوغانوف نيقولاي الكسييفتش من ياكوتيا ,احدى جمهوريات روسيا الاتحادية. سألت آنجيف عن علاقته برسول حمزاتوف فقال انه يهتم بالشعوب الصغيرة والاقليات في ظل العولمةويدرس واقعها الحضاري, وان حمزاتوف يجسد بالذات المثل الذي يسعى الى تقديمه, اذ انه من داغستان التي لا يزيد عدد سكانها عن 3 ملايين انسان لا غير في روسيا الاتحادية التي يبلغ سكانها 142 مليون, وان حمزاتوف من الافاريين الذين يشكلون ثلث داغستان ليس الا ومع ذلك برز في كل داغستان وفي عموم روسيا وفي العالم ايضا, اي انه النموذج المثالي المعاكس والمضاد لموجة العولمة, اذ ان ابداع حمزاتوف يعلن بصوت جهوري انه داغستاني الروح وانساني النزعة بشكل متناسق ومترابط ومنسجم. أثار هذا الكلام الروائي لوغانوف, الذي اعلن عن تأييده الكامل والمطلق لهذا الرأي وأضاف ان انهيار الاتحاد السوفيتي قد أدٌى الى ترجيح كفة العولمة مما اضطره الى تغيير نمط كتاباته و الانتقال الى موضوعة جديدة بالنسبة له وهي الرواية التاريخية , بعد ان حقق نجاحا في مجال كتابة القصة الطويلة والرواية حول الحياة المعاصرة في ياكوتيا( والتي حاز فيها على لقب رفيع وهو – أديب الشعب ), والتي تم ترجمة بعضها الى اللغات الانكليزية والفرنسية والعربية, فسألته رأسا من الذي ترجمها الى العربية , فقال ترجموها في المغرب عن الفرنسية ومنحوني هناك في عام 1986شهادة تقدير,وسألته ما هي الروايات التاريخية التي بدأ بكتابتها, فقال انه أنجز رواية بعنوان ( جنكيز خان ) فاعترضت رأسا على ذلك وقلت له انني لا أتقبل هذه الشخصية , فابتسم وقال هذه ردود فعل جميع الذين لم يطلعوا عليها وانه كان مثلهم, ووعدني ان يقدم لي ثلاثة كتب مختصرة لتلك الرواية ( وقد نفٌذ فعلا وعده مساء ذلك اليوم نفسه), واثناء هذا الحديث مرٌت من قربنا امرأة, فصاح البلغاري آنجيف – اهلا وسهلا يا ناديجدا, ودعاها للجلوس معنا, وهكذا قدمها لنا- انها الشاعرة والمترجمة الروسية كونداكوفا, والتي قدمت للمكتبة الروسية كثيرا من القصائد البلغارية بترجمتها,لانها مختصة باللغة البلغارية وآدابها, وقد سألتها هل ترجمت قصائد اخرى فقالت نعم , حمزاتوف مثلا و لكن عن طريق الترجمة الحرفية لها والتي يقوم بها الاخرون وهي تصيغها شعرا, وهذه طريقة متبعة في المدرسة الروسية للترجمة, فقلت لها هل يمكن ان تترجمي قصائد عربية اذا قدمت لك ترجمتها الحرفية فقالت كلا لان الشعر العربي يتميز باجواء خاصة به ويجسد طريقة تفكير وبنية فنية متميزة جدا , وبالتالي فان ترجمة الشعر العربي مسؤولية كبيرة امام القارئ اذ ان المترجم يجب ان يدرس تلك الاجواء ويتشبع بها قبل البدء بعملية الترجمة. سمعت في هذه الاثناء كلاما بالعربية, فاعتذرت من الذين حولي وقلت لهم اريد ان اشارك زملائي العرب , وهكذا توجهت اليهم و التقيت الدكتور احمد الخميسي من مصر( وهو قاص معروف في مصر وباحث ومترجم عن الروسية للعديد من الكتب والدراسات, اضافة الى انه ابن الكاتب والمناضل المصري المشهورالمرحوم عبد الرحمن الخميسي), والدكتور ازراج عمر من الجزائر, وتعارفنا بحميمية عربية طبعا,وحدثني ازراج عن علاقته برسول حمزاتوف, وكيف انه بقي عنده عدة ايام في بيته عندما قام بزيارة داغستان, اذ قال له حمزاتوف آنذاك ان الشعراء يجب ان يسكنوا عنده في بيته وليس في الفنادق, وقد أجرى طبعا حوارات طويلة معه ونشرها , وجاء بها الآن معه كي يهديها الى المتحف, وسألته عن جوهر تلك الحوارات مع حمزاتوف ومضمونها العام فقال ان الخلاصة التي يستطيع ايجازها تكمن في ان الشاعر قد استلهم مجموعة من( المعلمين) وهم – الطبيعة الداغستانية الساحرة وتاريخ داغستان وحاضرها والتقاليد القومية والوطنية لشعوبها, ثم ابتسم وأضاف, والمعلم الآخر له هي المرأة طبعا,وقد اعلنت تأييدي لكل هذه الآراء , اذ من المعروف ان حمزاتوف كان يرى ان الرجل يمثٌل رقم (1) والمرأة تمثٌل رقم( 0), ولهذا فان موقع الصفربالنسبة لرقم (1) هو الذي يحدد اهمية و حياة الرقم (1) وقيمته, بل انه قال مرة , ان كل حياته تقسم الى قسمين- القسم الاول هو اللقاء (معها ) والقسم الثاني هو انتظار اللقاء ( معها).
تم بعدئذ توزيع برنامج الاحتفالات على الجميع , وهو الآتي –
8/9 الاحد- الساعة 10 زيارة قبر حمزاتوف ووضع الزهور عليه/ الساعة 10و45 دقيقة افتتاح معرض في متحف محج قلعة / الساعة 12 قراءآت شعرية في مسرح الشعر / الساعة 16 طاولة مستديرة في مكتبة رسول حمزاتوف الوطنية / الساعة 18 افتتاح معرض في المتحف الوطني للفنون التشكيلية / الساعة 19 عرض مسرحية ( آسيات ) في المسرح الموسيقي – الدرامي على وفق ملحمة حمزاتوف (الفتاة الجبلية).
9/9 الاثنين – الساعة 9 و 30 دقيقة وضع الزهور عند قاعدة تمثال رسول حمزاتوف / الساعة 10 افتتاح ايام حمزاتوف – (اللقائق البيضاء ) / الساعة 12 زيارة بيت حمزاتوف / الساعة 14 ندوة اصدقاء حمزاتوف/ الساعة 17 ونصف حفل موسيقي/ الساعة 20 ونصف استقبال وضيافة رئيس جمهورية داغستان.
10/9 الثلاثاء – الساعة 8 ونصف السفر الى قرية تسادا التي ولد فيها حمزاتوف في جبال داغستان والمشاركة بافتتاح نصب ( اللقائق تحلق) عند البيت الذي ولد فيه,( واللقائق تحلق – هو عنوان قصيدة مشهورة جدا لحمزاتوف تحولت الى اغنية شعبية شائعة )
11/9 الاربعاء – المغادرة.
لقطات من الاحتفالات
1-كانت كلمة رئيس جمهورية داغستانرمضان عبداللطيفوف التي ارتجلها في بداية الحفل بمسرح بيت الصداقة عميقة وشاملة وقد رسمت صورة فنية رائعة لحمزاتوف الشاعر والانسان, وقد ادهشتني فعلا بسلاستها وترتيب افكارها ونظرتها الموضوعية والعلمية وسألت جاري الجالس على يميني اليغ ميترافانوفيتش بوريفين مسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد الادباء الروس عن رأيه حول هذه الكلمة فقال باعجاب شديد – ( هكذا هو المثقف الحقيقي عندما يتكلم ), هذا وقد أشار الرئيس في كلمته الى انه قد أصدر بهذه المناسبة كتابا حول حمزاتوف بعنوان ( فلسفة ابداع رسول حمزاتوف– الاصالة والعالمية ) وقد حرصت على ان أحصل على نسخة من هذا الكتاب,وقد جلبت الكتاب طبعا معي لغرض دراسته بامعان وعرضه للقارئ العربي عندما تسنح الفرصة , وهذه–في الواقع – هي المرة الاولى في حياتي التي أرى فيها ان رئيس دولة يصدر كتابا تحليليا عميقا يتناول فيه فلسفة ابداع شاعر في بلده ويتحدث عنه وكأنه ناقد أدبي متخصص.
2-تحدثت اثناء الاحتفالات ثلاث مرات, الاولى في جلسة الطاولة المستديرة والثانية عندما كنٌا في بيت حمزاتوف والثالثة عندما زرنا القرية التي ولد فيها بجبال داغستان, واخبرتهم ان الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية (و التي اتشرف ان أكون نائب الرئيس فيها) قد أقامت ( ولاول مرة في تاريخ العلاقات العراقية- الروسية) تمثالا نصفيا للجواهري في روسيا وتمثالا نصفيا لبوشكين في العراق لأننا نرى ان الجواهري هو رمز العراق وبوشكين –رمز روسيا , وانه آن الاوان الان للتفكيرباقامة تمثال نصفي لحمزاتوف في العراق لأنه رمز داغستان , وقد تقبل الجميع هذه الفكرة بكل حماس,واتفقنا على دراستها لاحقا لتنفيذها.
3-تحدث جميع من عرف حمزاتوف عن روحه المرحة الشفافة وردود فعله السريعة والذكية, ومن جملة تلك الاحاديث ان احد الاصدقاء قال له مرة, ان تعليقاته وكلماته تتحول في كثير من الاحيان الى اقوال مأثورة ولهذا, ومن اجل عدم ضياعها ينبغي ان يرافقه دائما شخص يقوم بتسجيلها راسا, فرفض حمزاتوف ذلك وقال ضاحكا ان ( المخابرات) تقوم بذلك .
4-عندما تم تدشين نصب ( اللقالق تحلق ) في القرية التي ولد فيها اعلن عريف الحفل ان هناك الان في روسيا 70 نصبا مشابها يجسٌد هذه القصيدة , و ان هناك ايضا نصب آخر لهافي اليابان, وقد سألت العديد من الباحثين حولي – هل توجد نصب اخرى لقصيدة – ما في روسيا ؟فقالوا لي ان تلك الظاهرة نادرة جداعموما وهي فريدة بالنسبة لقصيدة حمزاتوف من حيث انتشار تلك النصب وبهذا العدد الكبير.