لـماذا رأت القوة العظمى الوحيدة في العالم ، أن من المناسب تجييش مواردها العسكرية والمالية الضخمة ، لكـي تعبر المحيطات وتطيح بطاغيـة وبنظام حكمه الوحشي في خضم عداء دولي ساحـق ؟
ليـس هناك فـي تاريخ المنازعات والحـروب ألا حالات قليلة تضاهي غـزو العراق واحتلاله مـن حيث التعقيد في الدافع والغموض فـي الغرض . ثمة سلسلة لا تنتهي من الإحداث العرضية تم وضعها لشرح هـذه المرحلة الاستثنائية جداً فـي الأزمان المعاصرة ولكن ليس هنـاك من بينها على ما يبـدو ما يقدم جواباً مقنعاً وشامـلاً .
إن الإطـاحة بالنظام الذي كان يحكم العـراق قد تحققت بزمن قياسي لا يتجـاوز بضعة أسابيع مـن القتال المتفرق . أمـا الابتهاج الذي صحب هـذا النصر الذي تحقق بلا جهد يذكر ، قـد تحول سريعاً إلى حيرة متزايدة بشـأن ما العمل بهذه (الجائـزة) إذ صار المحتـلون وجهاً لوجه امام واقع العراق بعـد صدام حسين وأمام الإلغـاز المحيطة بهذا البلد المعقد كل التعقيـد .
مـا من شيء من الأشياء التي سبقت الحـرب ، كان لهـا أن تهيئ الائتـلاف الدولي هذا المصطلـح العويص الذي يعنـي الولايات المتحدة وحلفاءها لمـا وجده فعلياً على ارض الواقـع . والظاهر أن قـوة دفع شاملة كانت قـد تطورت فدفعت الولايات المتحـدة الأمريكية إلى الحرب . ولـكن وبعد بضعـة أسابيع من الاحتلال تحولت تلك القـوة إلى حيرة والى ارتباك سرعـان ما تفاقم ليحل محل الجبهة التي كـانت تنطوي على غرض معيـن جرى تكوينها بعناية فائقـة .
لـم يكن هناك هتافـات يطلقها الجمهور العـراقي من اجل الديمقراطية . ولـم يكن هناك ما يدل علـى أن هذا شعب متعطـش للحريات الغربيـة . كانـت معظم المظاهر الشعبية التـي انطلقت في البداية والخاصة بما يطمح إليـه الجمهور ، تنطوي علـى مشاعر لا مثيلة لها فـي الغرب . كمـا أن العالم لم يكن يتـوقع حدوث النهب الواسع النطـاق الذي لم يطـل بغداد وحدها بل امتد إلـى المنشآت النفطية في خارجها وخطـوط الكهرباء وقواعد الجيش العراقـي .
إن الهجمـات الغوغائية على ممتلكات الحكومة .. وصور الغنائم المحمولة من (حثالات ) المجتمع مصحوبة بـكاميرات التلفزيون .. لـم تكن لتنسجم مع سلوك شعب عظيم جرى تحريـره للتو من الاستبـداد .
إن هـذا الانفصام المزعج بين الرؤيـة الدارجة عن العـراق والعراقيين قبل الحرب وبين الحقـائق الخشنة عن البلاد وشعبها قـد غدا ثيمة متكررة في الأشهر والسنين التـي أعقبت سقوط النظام الصدامـي . ولم يقتصر ذلـك على مناصري الحرب وعلى الذين يبررونهـا . أمـا معارضو الحرب وعلى الأخص في العالم العربـي ، فقـد كانت لديهم توقعـات مختلفة وكـانت كذلك مشوهة بشـأن رد الفعل لدى الشعب العـراقي عن غزو البلاد واحتلالهـا .
كـان هناك تيارات فكريـة متعددة على هامش الدوائـر التي تضع السياسة بشـأن الإسلام والشرق الأوسط فـي الثمانينيات والتسعينيات من القـرن الماضي في واشنطـن ولكنها أخـذت في ما بعد باكتساب قـوة دفع خطيرة في البيت الأبيـض .
لقـد كتب الكثير عن تأثيـر المحافظين الجدد ولكن هؤلاء كانـوا في واقع الأمر يمثلـون تياراً واحداً فقـط من تيارات مختلفة ومتضاربة في غالب الأحيـان . ومـن تلك التيارات تيـار (الدوليين) المنادين بسياسة وودرو ويلسون ، وهـو تيار يوصي بان تـكون الولايات المتحدة الأمريكيـة ذات دور فاعل فـي العالم لنشر الديمقراطيـة والحرية ومنها تيـار اليمين المسيحـي الذي يحمل رؤية مستقاة مــن (سفر الرؤيا) في الإنجيـل ، وتيار الدعاة المنادين بشكـل قوي من إشكال القومية الأمريكيـة ، وهم يعتقـدون بان على أمريكا إلا تتراجع عن استخدام قوتـها العالمية العظمــى لخدمة مصالحها الضيقـة .
إن هـذا الاتجاه الصاعد المنـادي بمذهب لما يسمى بـ (روح العصر) والمستقر عميقاً في مشـاعر الاشمئزاز والتذمر من رموز الليبـرالية (الرخوة) بكل إشكالها والتـي كانت تغذي الثقافة الأمريكية والمجتمع الأمريكي فـي العقدين السادس والسابع من القرن الماضي قـد أضحى اتجاهاً يمثل قـوة (الإصلاح المضاد) الجديـد .
إن كـل فئة من هذه الفئـات رأت في عالم مـا بعد الحادي عشر من أيلـول ، أمكانية تحقيق وجهة نظرهـا الضيقة ، وبـلورت صنع السياسة الرسميـة بشكل يركز على العراق باعتباره المكان المناسب لخططهـا . ثمة عناصر كانت قلقـة حقاً من أن العراق لديه أسلحة دمار شامل ، وهـذا أمر يعتبـر كما يُزعم الأساس (الشرعـي) الوحيد الذي تقوم عليه سياسة عدائية لتغيير النظام فـي العراق .
هنـاك كذلك مصلحة الأمن القومـي ليس فقط الولايات المتحدة وحدها بل كذلك إسرائيل . وقـد لعبت دوراً كبيـراً في التفكير الذي مهد لقرار غزو العـراق . أن فئـات أخرى كانت لديهـا أجندات مختلفة ومنحها الأجنـدة التي تريد غـرس المثل العليا للديمقراطيـة الليبرالية في الأرض الصخرية للعالم العربـي باعتبار هذه الديمقراطية تريـاقاً مضاداً للإسلام الأصولـي .
وسيحتـاج الأمر شيئاً من الخيـال لجمع الخيوط المتفرقـة التي ساقت الولايات المتحدة إلى اتخاذ القـرار الفائق للمعتاد بغـزو العراق ، وبأن تقلب سياستها الخارجية رأساً على عقب . بيد أن الدعـامات الثقافية (للخطاب البديـل) كانت تفعل فعلها بهـدوء في أروقة الدوائـر الأكاديمية والندوات الجامعية التي تعقـد عن الفكر السياسي والتاريخ الإسلامـي على مدى طويل من السنين . فلئن كـان للأفكار ، وكان لترجيح منظـور معين بشأن الأحداث أن يلعب دوراً فـي اتخاذ القرارات ذات النتائج الكبرى .. فان من الضـروري النظر فـي تأثير ليـو شتراوس و بـرنارد لويس . لعل هذان العالمان لم يلتقيـا شخصيا قط ولكن أفكارهما قـد تغلغلت في المشـروع الأمريكي الخاص بتغيير العــراق وغيره من البلـدان .
كـان من وراء الرئيس بـوش زمرة من المؤيديـن له من الأكاديميين ومراكز البحوث تقف وراء مغامراته فـي العراق . كان هـؤلاء يستلهمون أفكار المحافظين الجـدد مدافعين عن القيـم الأمريكية . غيـر أن وصفهم للشرق الأوسط العربـي جاء هزيلاً انطلاقاً من ثقافة رجعيـة مناهضة للحداثة لا بل هي ثقافة عدميـة .
حيـن أخذت الغزوة الأمريكية فـي صميم الشرق الأوسط تنحرف عن مسارها هــرع أولئك الذين قدمـوا المبررات للحـرب مسرعين طلباً لحمايـة أنفسهم ولعلهم كانوا ينصـاعون فـي ذلك إلى حكم التاريخ عليهم بشـأن ما وضعوه من تشخيصـات ومعالجات . لقـد اختفوا وهم ينفضون أيديهم من المهزلة كلهـا .
إن بعض كبـار المحافظين الجدد قد تنكـروا للمسألة بأسرها وألقـوا باللائمة على أدارة بوش عن سوء التنفيـذ لمفاهيمهم التي لا يرقى إليها عيـب . كمـا أن آخرين انحوا باللوم على العراقيين أنفسهم فوصفوهم بالناكرين للجميـل ، قائلين أنهم لا يستحقون نعمة الحريـة .. كان هؤلاء سياسيين بمعنى الكلمـة ويعرفون متى تنتهـي اللعبة . لقـد انفضوا قبـل أن ينكشف خطؤهم إمام العالـم .
إن الجهـل بما كان داخل العراق قبل الحـرب كان جهلاً مطبقاً فـي واشنطن العاصمة . ما من احد من دعاة الحـرب وبضمنهم المحافظون الجدد ، ومـا من احد في معـاهد الأبحاث ومراكز الدراسات التي قـدمت المادة الفكرية لتبريـر الحرب كانت لديه أيـة فكرة عن البلاد التي سيحتلونهـا . أما الأكاديميون والباحثون الذيـن تجمعوا حول مراكز الدراسـات في واشنطن وحول مكتب نائب رئيس الجمهورية والذيـن جعلوا من العراق مشروعهـم المحبب ، فقد كانوا معصوبي الأعين بالمؤكدات الدوغماتية وتعصبهم الأعمـى .
كـان هناك سـوء فهم عميق بشأن طبيعة المجتمع العراقـي وبالتأثيرات التي إصابته خلال عقود مـن الدكتاتورية .. أن كل خصلة مـن خصل التفكير الأمريكيـة التي تجمعت لتوفير الأساس للغزو كـانت منعزلة عن أي تمـاس مباشر لا بـل حتى عن أي تماس عرضـي .
إن وزارة الخارجيـة الأميركية المفترض فيها أنهـا معقل التفكير الواقعـي ، لم يـكن لديها سـوى القليل من الخبرة المباشرة بشـأن البلاد ، وكانـت تعتمد بدلاً من ذلـك على استنتاجات وعلى تفكير يقوم علـى القياس ، وذلـك حيث تحاول طـرح النتائج المحتملة في مرحلة ما بعـد الحرب . أن الشـيء المؤكد الوحيد هو الـذي كانت تقدمه الهيئة العسكريـة الأمريكية والتي كانـت تعرف أن العراقيين لا يضـاهون ما لديها من عـدة حربية كما كانت تعـرف أيضا أنها تواجـه جيشاً غير فعال ومثبط الهمـة .
ولـم يقتصر الأمر على عـدم وجود تحليلات أصولية تستنـد إلى خزين من المعلومـات والخبرة بشأن البـلاد والتي يعزى إليها هـذا الحال التعيس . كـان الأمر بالأحرى هو الاستمتاع عمداً بفضح الزيـف في ما هو موجود من معرفة في العـراق . والمعرفة بظـروف البلاد الداخلية التـي يمكن الحصول عليها من مصادر عـدة .. لم تستخـدم قط بشكل مفيد لتقريـر النتائج المحتملة لغزو العراق . كمـا أن المعارضة العراقيـة أو في الأقل أولئـك الذين كانـت لهم صلة بالمسؤولين في واشنطن ، لم تكـن أفضل من ذلـك .
إن جمـاعات المعارضة في الخـارج وكل جماعة منهـا لها أجندة مختلفة لم يكن بوسعهـا تزويـد الولايات المتحدة الأمريكيـة بتقييم واضح ومعقـول للظروف في العـراق ، أنها كـانت أما ضيقة الأفق فـي اهتماماتها أو أنها كانـت تواقة جداً لتولي السلطـة بعد أن تكون أمريكا قد أزاحت صدام حسين عن الحكـم .
إمـا البريطانيون والذين يفتـرض فيهم أنهم أكثر حكمـة وتجربة من الشريـك الآخر في التحالف الانكـلوـ أمريكي ، فأنهم لـم يقوموا بلعب دور التعقـل تجاه دور الاندفاع العسـكري الذي تلعبـه أمريكـا . لقـد كـانوا متورطين بمسألة توازن القـوى وهـم يتخوفون من الاحتـلال بـ (الوضع الراهـن) القـائم في الشرق الأوسـط .
لقـد كان من نصيب العـراق دائماً أن تندلع الخصـومات وتشن الحروب على أراضيـه . لقد كـان من سوء حظـه جغرافياً أن يقع عبـر الخطوط الخاطئة للحضارات والإمبراطوريات ، كمـا أن شعوبه قـد عانت من موجات الفاتحين ومـن المعارك التي جرت على أرضـه .
إن المد والجـزر للدول التي سيطـرت على مصيره ترك وراءه دائماً بقيـة باقية ساعدت على تشكيـل صورة العراق الحديـث . لكن هـذه لم تكن التحامات انصهـرت لتشكل شعوراً مشتركاً بهوية وطنيـة .
إن التـاريخ المشترك والتجـارب المشتركة للعراقيين لم تـؤد إلى ظهور ارث وطني توحيدي . أمـا موروث الحضارات التي ظهـرت قبل الإسلام لـ سومر وبابـل ونينوى .. فلـم يكن موروثاً يمكن تبنيـه حالاً لتشكيل هوية وطنيـة .
إن الفخـر الذي ينجم عن المعرفة بان العـراق كان هو الـذي أعطى للإنسانية الكثير .. كان فخراً لـم يجر استبطانه في النفـوس . إن تاريخ العراق القديم لا يظهـر ألا على هامش هويـة العراقيين الإسلاميـة . ثمة حكومات حديثـة مختلفة حاولت أن يكون لها صـلة واستمرارية بهذا الموروث وأحيانا بشكل سخيف ، مثلاً عنـدما انتحل صدام حسين ارث حمورابـي فوضع اسمه على جدران بابل حيـن أعيد بناؤهـا . ولكن ذلك لـم يجر قط بنية تشكيل حس وطنـي .
إن العـراق ، هو احد البلدان الأكثر تعرضاً للغزو في تـاريخ العالم . وقـد اكتسب شعبه على مدى طويـل من الزمن مهارات البقاء بشكل مذهل للمحتليـن . وليس هـذا بالأمر الغريب . فهناك الكثير من المؤشرات فـي تاريخ العراق الحديث التـي تبين الاستجابة المحتملة عند العراقيين تجاه الخطة الشاملة الناشئة عن احتلال مادي من قبل دول أجنبيـة ، والآثار الناجمة عن النهاية العنيفة لعلاقات مستقرة على المكونات المختلفة للمجتمع العراقـي .
لقـد حاولت الدكتاتوريات وأنظمة الحكم الفـردي المطلق خلال نصف القرن الماضي من خلال فرض نـوع من التوحد الذي يثير السخرية أن تخمـد الفهم الحقيقي لهوية البلاد المعقدة . كـانت هذه هي سنة حكام العراق بشكـل أو بآخر على مدى مئات من السنين ولكنهـا لم تؤثر ألا قليلاً على نمط انتماءات الشعب . فـفي عصر القوميات نجد أن توكيـد الهوية الأساسية للبلاد ذات القومية العربية السائدة لم يلغ وجود جـزء آخر كبير من السكان . كمـا أن تشخيص الدولة ذات المذاهب الإسلامية السائدة لم يغيـر شيئاً من الحقيقة التي مفادها أن الانتماء الطائفـي لأغلبية السكان وهي دائماً عامل جوهري فـي سياسات المنطقة ، يختلف عن الأغلبية فـي العالم الإسلامي . هـذا ، وتبقى الحقيقة بان الخصال الغربية المهمة التـي تحكم التفكير بشأن العراق قبـل الاحتلال وبعده إنما هـي مستمدة في جوهرها من مـدارس تكون دراساتها غريبة بشكل أساسي عن تجربة البـلاد .
كـان من الممكن أن تتطبق قـواعد شن حرب عادلة على العراق لو أن القضايا التي دفعت أمريكا إلى غـزو العراق كانت قضايا أخلاقية بشكل واضـح . إنها لم تكـن كذلك . فـالسبب المعلن الذي استخدم كـان يتعلق بوجود ترسانة مـن الأسلحة النووية والبايولوجية فـي العراق وما تسببه من مخـاطر للأمن القومي الأمريكي . أمـا الحجج الأخرى فقد جـاءت بعد وقوع الحدث ولـم تكن جزءاً من الأسباب العلنية التـي ذكرت لتبرير قرار غزو العـراق .
إن الإطـاحة بالاستبداد وإقامة الديمقراطية وحمايـة حقوق الإنسان وكتابة دستور تقدمي كـل هذه كانت تبـريرات لاحقه قدمت حفاظاً على الوجود الأمريكي فـي العراق ولكنها لم تكن جزءاً من القرار الأصلـي ، فهي لا تظهر بشكل واضح فـي المباحثات التي جرت عن الحـرب في الغرف الخلفية . ولهذا فحين سعى بـوش إلى شرعية رسمية من العراقيين لمهمة أمريكا فـي البلاد فانه لم يحصل ألا على نزر يسير من الموافقين عليها باستثنـاء الكورد والذين يختلفون عن غيرهم على الـدوام .
انـه ما من احد الآن يصدق بـالمزاعم التي مفادها أن الغرض من الاحتـلال الأمريكي للعراق يتصل بشكل من الإشـكال بتبني أمريكا للقيـم الديمقراطية وترويجها . أن هذه المزاعم تظهـر جوفاء على ارض الواقـع ، فلا عجب أذن أن نجـد التهكم متفشياً في أرجاء المجتمع بشـأن دوافع أمريكا الحقيقية ، لقـد أدار العراقيون ظهورهم إلى من ظنوا أنهم محـررون .
ليـس هناك من حلول سهلة للفوضى العارمة فـي العراق . وقد تستطيع البـلاد أن تخطو بعض الخطوات نحو شكـل من أشكال التوازن أذا كانـت المنطقة بأسرها تشهد استقراراً أو إذا غمد الشيعة والسنة سيوفهم ووضعوا معاً خطة حكم لعراق عربـي ، وبذلك يجعلون من دولة ثنائية الطوائف أمرا ممكنـاً . فالعراق بما لديه من موارد طائـلة قد يحبو ببطء وهو على الـدرب الذي يسير فيه الآن من أن يصطدم بجـدار سميك فيبرز بمؤسساته الحالية وشكـله الحاضر من دون أن يصاب ذلك بعطب أو انه قـد يواجه ظروفاً هـي أشبه بظروف حرب أهلية لسنين قادمـة .
إن التمـردات لا تستغرق عادة أكثر مـن عشر سنوات ولكن هذه الحقيقـة ستجعل الشعب العراقـي يواجه أعواما من العنف وعدم اليقين بالمستقبل . لم يكن هذا هو مـا توقعه المخططون للحرب في الولايات المتحدة ، كمـا انه لم يكن مطابقاً لرؤية المعارضـة العراقية حين اندفعت بحماسة نحو الحـرب ثم انضمت إلى (سلطة الائتـلاف المؤقتة) لتوفير غطاء عـراقي للاحتلال . أن كلا الطرفيـن قد نسي ذلك القـانون المسمى (قانون النتائج غير المقصـودة) .
للمـرة الأولى في التاريخ الحديث يؤدي سقوط نظـام الحكم إلى جعل العراقيين يواجهون المسألة التي مفـادها أين تكمن ولاءاتهم وهوياتهم الحقيقية . أن طرح خلافـات المجتمع ومظلومياته علناً كان فـي السابق أمرا محرماً . أن أي ذكر لها أو أي كلام يفيـد بأن الدولة متحيزة بشكل مؤسسي ضد مجموعات اجتماعية معينة كـان يتم إغراقه بوابل من الاستهجان لهذا القـدح الذميم ويعتبر بمثابة التخوين الذي يرمي إلى تقويض وحدة المجتمـع .
إن مجرد ذكـر عرضي للتظلمات الطائفية والأثنيـة كانت تعتبر بمثابة حديث الخيانة الـذي يعرض البلاد لخطـر الفتنة الشنيع ، وان هذا سيؤدي حتماً إلى التقسيم . أن طـرح القضايا الطائفية علناً هـو بمثابة الدعوة إلى تقسيم البلاد إلى دويـلات الأمر الذي يضمن دوام الهيمنة الأجنبية ولاسيما مـن قبل إسرائيـل . أن اتهام فرد ما بأنه طائفي هـو بحد ذاته جريمة لا تغفر لـه مدى الحياة وغالباً ما كان هذا الاتهام يستخدم لطمس أيـة إمكانية لأي نقاش عن القضية الطائفية في العـراق .
إن الخطـاب السياسي في العراق كان لهذا السبـب يوجه نحو اتجاهات متعددة منها القوميـة العربية والاشتراكية والحداثـة ، ولكن ليس منها على الإطلاق البحث في الأساس الطائفي للسلطـة . أن نفـي وجود الطائفية كـان بدرجة من القوة ومن التجذر بحيث انه كان يحول دون البحث في هذه المشكلة إلا على هامش حـوار مقبول وبمرور الزمن اتخذ نفـي وجود الطائفية هذا واقعاً لنفسه ملموساً حتى أضحى عنواناً للـولاء .
إن (قـانون النتائج غير المقصودة) اخذ يسود في العراق بشكل شنيع . فالغزو الأمريكي واحتلال العراق قـد كشط القشرة السميكة التـي كانت تغطي البلاد والمنطقة بأسرها فـأطلق قوى خفية وذات بأس شديد وربمـا كان ظهور الشيعة بعد عقود أن لم نقل بعد قرون من التهميش هو الحصيلة ألا شد عمقاً ، وقـد أعقب ذلك الظهور ما حدث من اندفاع فـي الاتجاه نحو تكوين دولة كرديـة . وعلى مستوى آخر كانت الانقسامات فـي العالم الإسلامي على أشدها وهـي تتجه نحو الكراهية المتبادلة والحرب الضروس . وقـد رافق ذلك إصرار إيران على أن تكون لها دور مميز في أروقه المنطقـة .
إن الأقطـار العربية في الشرق الأوسط وهـي متخوفة من ذلك أساسا ، كـأن عليها أن تمعن النظر فـي هذا المطلب الجديد من قبل إيران التي قد تصبح دولة نووية ، وهـل من مصلحتها أن تتماشى مع هذا المطلب أم إن مصلحتها تقتضي أن تقف بوجهـه ؟
ولعـل حدثا ما جاثما كان من شأنه أن يـؤدي إلى ظهور كل تلك التيارات المائجه على السطح وهـو ما لم يحدث ولكن الذي حدث بدلاً من ذلـك أن أدارة بــوش هي التـي عملت على ذلك من حيث لا تدري ، فهـي قد تجاهلت آثار ما فعلته فـي العراق أو نفت حصولها أو قللت من شأنها أو أساءت فهمهـا .
ثمـة فهم خاطئ تشترك أدارة بوش فيـه مع آخرين وهو يتعلق بالموقـف تجاه العرب السنة بشـأن خسارتهم للسلطة والصيت العريض ، وربمـا كان ذلك من أكثـر الأمور أثارة للقلق لدى المراقبيـن ، وكذلك العراقيين الذين ظنوا بان العرب السنـة سيتكيفون بعد فترة كئيبة من التذمر مع الظروف المتغيرة ويحاولون أيجـاد موقع لهم في تشكيلة القوى الجديدة في البـلاد .
كـان (التمرد) شأناً سنياً عربيـاً بشكل قاطع ، أن الشعور بالخسـارة والهزيمة قد تفاقم كثيراً لان قـوى لم تكن متوقعة أبدا كانت هـي التي حققت المستحيل ، أي تجريد جماعة السنـة من سلطة مارستها على مدى قرون . كـان ذلك أمراً لا يحتمل من قبـل الجماعة وكذلك من قبـل الأقطار العربية المجاورة بالتأكيـد .
وهـكذا ، فان (التمرد) كان متوقعاً فضلاً عن العنف الشـديد للمتمردين كان أمراً يصيب بـالصدمة حقاً ، والانكى ، أن الأمر كـان شكلاً من إشكال الكفاح الوجـودي حيث يتعرض التاريخ والهوية إلى خطـر .
كمـا أن الأقطار العربية في الشرق الأوسط مـا زالت غير قادرة على التكيف مع الإحداث في العراق وذلـك لأسباب منها اثـر العدوى للتغييـرات الجارية فيه . لم يكـن العراق نموذجاً تجدر مضاهاته . أن عـدم قدرة تلك الأقطار على التكيف لـم تكن عائدة فقط لعـدم الاستقرار الذي قد ينتقل إليها مـن العنف الجاري في البلاد المجاورة بل هـي عائدة بأكثر من ذلك إلى أحلال جهة مجهولة في نظام لا يعتـرف بالتعددية والديمقراطية ناهيك عن سيادة الشيعة في العـراق .
إن كـلاً من مصر والسعودية والأردن ، وهـي من أعمدة نظام الأمن الأمريكي فـي العالم العربي قـد تجد من الصعب عليها القبول بفكـرة عراق يهيمن عليه الشيعة ولكل من هذه الأقطـار أسبابها الخاصة بها في ذلـك . ستحاول هذه الأقطار أن تستبعـد هذه الإمكانية وإذا عجزت عن ذلك فقد تحاول عزل مثـل ذلك الكيان عن أي دور فعال في المنطقـة . والأفضل من ذلك هـو أن تأمل بتشكيل حلف بين العلمانييـن والساسة البعيدين عن إيران والبعثييـن المقبولين لتكوين أغلبية قـد يكون بوسعهـا أن تبعد البلاد أو القسـم العربي منها في الأقل عن الهوية الشيعيـة .
إن قـانون (النتائج غير المقصودة) قد تفجر بقوة في العراق لان المخططين للحرب تجاهلوا مخاطر قراراتهم أو قللوا من شأنهم كثيـراً . أما الأكثـر حصانة فقد عملوا بالغريزة أن غزو العراق سيفتح البـاب أمام الانشقاقات الكبرى فـي العراق وما سيترتب عليها من نتائـج وخيمة إقليمية ودوليــة .
كـان أهم ما جرى تاريخياً هو ميـل ميزان القوى لصالح الشيعة ، وهـذا أمر له مغزاه الكبير . ولعـل الولايات المتحدة الأمريكية كـانت ضحية لوصف شيعـة العراق بأنهم قوة تنتظر أن تعبر عن نزعاتها الديمقراطيـة وعن امتنانها للذين جاءوا لتحريـرهم ، وهو وصف لا يخـدم سوى المصلحة الذاتية لأمريكـا . إلا أن الذي حدث هو أن الغـزو قد حقق لهم ما كانوا يظنونـه مستحيلاً إلا وهو إزاحة خصمهم اللعيـن بقوة خارجية لا تقاوم . يضـاف إلى هذا أن القوة الجديدة كـانت تواقة للحصول على دعم مجتمعها وعلى القبول بشكل عـام بالتوزيع العادل للسلطة الذي هو لصـالح الشيعة بشكل واضح . ولكـن الشيعة سيظلون يشعرون بالحساسية كمـا أن زعامتها ستظل مترددة بتقديم الولاء التـام للأمريكيين كمـا يفعل الأكراد . والحقيقـة هي أن الشيعة ربما كانوا ممتنيـن للأمريكيين بشكل عابـر . فالشيعة الذيـن تعلموا درسا من الخيار الخـاطئ الذي اتخذه زعماؤهـم في عام 1920 ، لن يقوموا بالتفريط بمـا انعم عليهم هذه المرة لصالح عقيـدة جهادية . وهم فـي الوقت عينه غير مستعدين للتخلي عن حسهم الجمعـي أو عن شعورهم بالمظلمة التاريخية من اجل حسن ظن الأجنبـي .
إن الـديمقراطية والانتخابات بوسعها أن تعطـي نتائج غير متوقعة وغير مرحب بها وهي قد أدت الآن إلـى قيام الشيعة بالتصويت للأحزاب الإسلامية ولكـن الائتلاف المتزعزع المكون من هذه الأحـزاب والطمع بالسلطة من قبل جماعات أسلاميـة شيعية مناوئة لا يبشر بخير في تحقيق سيادة إسلامية متواصلة في حكومة مركزيـة .
إن الدستـور نفسه غير واضح في مـا أذا كان ينبغي أن يكون محكوماً بديمقراطية الأغلبية أم بديمقراطية الإجمـاع . أن الحل الفدرالـي المتصدر هو في الواقع حل كونفدرالي ، وهـو ينص على تقسيم العراق إلـى ثلاث وحدات أدارية كبيـرة على نسق حكومة إقليم كردستان . وهـذا النمط الكردي له صفـات دولة مستقلة ترتبط بالمركز بعلاقة المصلحة مـن دون التزام بعراق موحد ، وربمـا يكون من اللازم إعطاء بغـداد مركزاً خاصاً بصفتها إقليمـا فدرالياً . وقـد وقف الصدريون وحزب الدعـوة ضد فكـرة الفدرالية لعدم ثقتهم بالمجلـس الأعلى والذي يهيمن على إقليم الجنـوب .
وهـناك احتمال آخر بـأن تنقسم البلاد إلى قسميـن إقليم كردي شبه مستقل وإقليم عـربي عراقي . ولكي ينجـح مثل هذا الاحتمال فـي تحقيق دولة مستقرة فان مـن الضروري تحقق عدد من المتطلبات منهـا برنامج حكم مشترك بين الشيعة والسنة لـلإقليم العربي وتعديل الدستور بحيـث يصبح العراق دولة متعددة القوميـات ، ومع أن هذا قد يـؤدي إلى تحقيق شيء من الاستقـرار ألا انه سيعني أن الثقـة بين الجماعتين جماعة الشيعة وجماعة السنة لابـد لها أن تعود مرة أخـرى بعد ما حدث من تجارب مرة في الماضي القريـب .
إن احتـلال العراق قد قلب رأسا على عقب نظـاما للحكم جرى تكوينه بجهد جهيد وسلطة قد تشـوهت بشكل بشع خلال العقد الأخير من حكم البعث . كـان ذلك النظام يبدو وكأنه متراص الأركان وعصياً على التغييـر ولكنه في التحليل النهائـي لم يكن ليمسكه سوى التهديـد بالقوة المفرطة والقسوة الوحشية واستخدامهما فعـلاً .
إن صـدام حسين كان قد نجح إلى حد لم يتضح ألا مؤخراً في بث الخوف والقلق في النفوس لكونه المحـرك الأول والأخير للمجتمع العـراقي وللسياسات العراقيـة . أن الصدوع الكامنة فـي المجتمع العراقي قـد أضحت أوسع أو أعمق خـلال سنوات الحكم البعثـي وما أن رفعت يـد البطش الدكتاتورية حتى بانت للعيـان . كانت المؤشـرات في بداية الأمر مشوشة . أن المجاميع المتفرقة من المتفرجين الذيـن كانوا باستقبال جيوش الائتـلاف ، كانت تبدو عليهـم سمات الحيرة والقلق وهم لا يعرفون كيـف ستؤثر الإطاحة بالحكومة القائمة على حياتهـم . أما استجابـة الجمهور لإسقاط تمثال صدام حسين فـي ساحة الفردوس ببغـداد يوم 9/نيسـان/2003 ، بمساعدة من مشاة البحريـة الأمريكية فكـانت استجابة متكلفة ومعدة مسرحيا . ولـكن الابتهاج العفوي الذي تفجر في أوساط الجمـاهير في أحياء الشيعة الفقيرة المحيطة ببغـداد وفي المحافظات الجنوبية فقـد كان ابتهـاجاً حقيقيا بمعنى الكلمـة .
إمـا الكورد فقد كانوا من دون شك متحمسيـن جداً لغزو البلاد ، أنهم باستثناء الكورد الإسـلاميين المتطرفين قـد رحبوا بحماسة بالغة بالنظام الجديد . وقـد شاركت قوات (البيش مركة) مشاركة فعالة مع القـوات الخاصة الأمريكية قبل الحرب وخلالهـا وذلك في وضع اليد على مرافـق معينة وعلى حارات رئيسية فـي مدن الشمال (الموصل وكركوك) وعنـدما قام غارنر ومن بعده بريمر بزيـارة إقليم كوردستان للمرة الأولى فقـد استقبلا استقبال الإبطال المحرريـن وليس باعتبارهما من الغزاة والمحتليـن . لم يحدث أي عمـل من أعمال المقاومة أو من أعمال العنف ضد الائتلاف في أية منطقة من مناطق إقليم كوردستـان .
إن الـدولة العراقية الحالية التي ظهـرت نتيجة التغييرات العاصفة التي حدثت فـي السنوات القليـلة الماضية لم تزل دولة لا يمحضها عدد من النـاس ولاءهم . أنهـا دولة لا يريدها العـرب السنة الذين فقدوا السيطـرة عليها ولا يكاد الكورد يرضون بهـا .. وحتى الشيعة أنفسهم وهم اكبر الرابحيـن في الدولة المـركزية يرونها كمجرد مؤسـسة لتوزيع الإعمال والغنائـم ..
إن اتجـاهات الرأي العام العربي السنـي انقسمت على العموم إلى ثلاثـة اتجاهات ظهرت نتيجة لاحتـلال العراق . الاتجاه الأول هـو الوضع الذي اتخذه أولئك الذين انضموا مؤخراً إلى صفوف المعارضة والذين قبـلوا بمبدأ تغيير النظام على أيدي دول أجنبيـة . أنهم يتمسكون بخط سيـاسي ليبرالي علماني ديمقراطـي .. أن هـذا الاتجاه هو التيار الأضعف في التفكير السنـي بعد الحرب لان قلة من العراقيين قـد تشبعت بالتقاليد الديمقراطية الليبراليـة . والاتجاه الثاني هـو الذي يحمله العرب السنة الذيـن ظلوا في العراق ووقفوا ضد نظام البعث أمـا علناً أو سراً . وقـد تسامح نظام صدام مع وجود هؤلاء ، ذلـك أن الإعراب عن نقد مخفف أو عن اهتمام مـا قد يدل على تسامح النظام مع المعارضة وعلى استعداده للدخول في حوار مع المنشقين الشرفـاء . أن هذه المجموعة تتكون من الليبرالين من رجال القـانون وأصحاب المهن والأكاديميين .. أمـا الاتجاه الثالث والذي تحمله أوسع المجموعات العربية السنية عدداً فهو يرفض الاحتـلال ويرفض المعطيات التي قام عليهـا . أن هذه المجموعة تتكون من قادة النظـام ألبعثي القديم بضمنهم كبـار الموظفين والدبلوماسيين والإداريين من فئـات مختلفة والاكاديمين والضباط المعزوليـن ورجال الاستخبارات ورجال الإعمال والتجار ورؤساء العشائـر .. أن هؤلاء قـد شكلوا القاعدة التـي منها سيجري تنظيم المقاومة العنيفـة .
إن رفض بنود السياسات الجديـدة ـ لاسيما مـا تنطوي عليه من بروز ظاهر للوعي الطائفي فـي صفوف الشيعة ـ كـان هو القاسم المشترك فـي تفكير العرب السنة جميعاً بصرف النظر عن موقفهم من الحرب ومن الاحتلال بذاتـه . ولاشك أن كثيـراً منهم قد نأى بنفسه عن البعثيين إذ أنهم يشعرون أن هـؤلاء قد خذلوا آمال القـومية العربية الحقيقية والوضع غيـر الطائفي الموعود للعراق وعلى الرغـم من موقفهم من الحكم ألبعثـي الذي دام عقوداً من الزمن فأنهم كانـوا جميعاً متحدين في رفضهم القبول بـأن قواعد اللعبة للعمل السياسـي العراقي هي على وشك أن تعـاد صياغتها وفقاً للهوية الطائفيـة . أن الخوف من التهميش والوهـن وجه التطرف الشيعي المتصاعد وقـوة الاحتلال الطاغيــة ، قد جعل من معظم العـرب السنة في حالة عداء فاعـلة أو سلبية تجاه النظام الجديـد .
على عكـس الشيعة فقد فتح عهد ما بعـد الحرب الباب أمام إمكانية التغييـر لظروفهم السياسية في العـراق . أنهم فجأة قـد وجدوا أن خصمهم الألد قد أزيـح . أن الشيعة قد مروا طوال عقد التسعينيات من القـرن العشرين بتغيير أساسي . وهـذا ما دفعهم بعد الاحتلال إلى سك وعي سياسي شيعـي جديد وهوية شيعية جديـدة .. فقد صـاروا يصرون على أن يكون قـالب الدولة وفقاً لتطلعاتهم ومتطلباتهم .. فقامـوا بنقل نقطة الارتكاز للهويـة السياسية والولاء السياسي بعيداً عن الجماعات العلمـانية نحو الإسلاميين والشخصيات الطائفيـة ..
إن معظـم الشيعة بدلاً من الاحتفال بتحريرهم مـن الدكتاتورية البعثية والاعتـراف بالدور الأسـاسي الذي قامت به الـولايات المتحدة الأمريكية بتلك العملية قـد اخذوا ينجذبون نحو زعامتهم الدينية والـى جماعات أسلامية واضحة المعالـم .
إمـا الكورد فقد تمكنوا من الإفلات من هـذا الوضع العسير بالنظر لمركزهم المتميز الذي يحسدون عليـه . بالإضافة إلى ذلـك فان تمتعهم بالحكم الذاتـي الشبيه بالاستقلال لمدة عقـد من الزمان قـد عزز مطالبتهم بمعـاملة خاصة ضمن دولة عراقية فدراليـة . غير أن موضوع الشيعة كان مسألة أخرى . إن مـواقفهم ومعتقداتهم من حيـث ولائهم لدين أو طائفـة أو عرق أو امة ستكون من الأمور الحاسمة فـي تقرير المسار لمستقبل العراق السياسـي .
إن الـدولة العراقية والتي هيمن عليها العرب السنة منـذ عهد فيصل الأول ودامت كمـا كانت عليه فـي شكلها الأساسي عقوداً مـن الزمن قد آلت أل الانهيـار . أما نـوع الدولة الذي سيحل محلها فسيعتمد إلى حـد ما على شعور العراقيين بالكيفيـة التي عوملوا بهـا ، وهل أنهم قـد كسبوا أم خسـروا من وجود الدولة على مدى السنين ، وهـل يمكن أقناعهم بان مـن الممكن أصلاح الدولة بحيـث تصبح أكثر عدلاً وأنصافا لجميع مواطنيها .. وبـاختصار هل هناك وجـود لميثاق قومي بين العراقيين ودولتهـم على الرغم ممـا أصاب معظم مواطني الدولة من تجاوز وتعسف في زمن أو آخـر ؟
الكتـاب :
احتـلال العراق ، ربح الحرب وخسارة السلام ، تأليـف : علي عبد الأمير علاوي ، ترجمة عطا عبد الـوهاب ، ط1 ، المؤسسة العربيـة للدراسات والنشر ، بيـروت ، 2009 ، 711 ص .