23 ديسمبر، 2024 12:48 ص

احتجاجاتنا والجارة الشرقية..

احتجاجاتنا والجارة الشرقية..

اكثر ما يدعو للفخر في الاحتجاجات الشعبية التي دخلت شهرها الثاني بمحافظات الوسط والجنوب، صفة “السلمية” رغم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى الذين سقطوا بنيران قوات تنسبها الحكومة للمنظومة الامنية والتي يبرر رئيسها عادل عبد المهدي، بالدفاع عن النفس، في حين يتمسك المعتصمون بحقهم بالتعبير عن “غضبهم” برفع الاعلام واستقبال القنابل المسيلة للدموع بصدور عارية، وهو ما يجعلها “انظف” احتجاجات يسجلها التاريخ الحديث ضد آلة “القمع والاستبداد التي تمارسها السلطة” بتدخل مباشر من جارة شرقية ارتبط موقعها الجغرافي بالرياح التي لا تحمل معها سوى “الصداع للرأس”.
فجميع ما تفعله الجارة ايران ليست مجرد اتهامات او فبركات ينقصها الأدلة، أبدا، ومن يتابع تصريحات قياداتها السياسية والأمنية وحديث مرشدها الأعلى، علي الخامنئي، سيسجل العديد من النقاط التي لا تقبل اي تفسير غير “التدخل بالشأن العراقي”، فالجميع اطلع على تغريدة الخامنئي وحتى الذي لم يشاهدها قد يكون سمع بها، لكونه وصف التظاهرات والاحتجاجات السلمية “باعمال الشغب”، وأخبرنا بان “امريكا واسرائيل تقفان وراء تحريك الاعتصامات” وهذه تهمة لا يمكن القبول بها لكونها استهدفت شريحة كبيرة من العراقيين الذين وجدوا في الخروج الى الساحات فرصة “لاسترداد حقوقهم المسلوبة”، لكن موقف المرشد الأعلى اثبت بما لا يقبل الشك بان قيادات طهران وفي مقدمتهم الجنرال قاسم سليماني متورطون بإقناع عبد المهدي باستخدام القوة ضد المتظاهرين من خلال مواجهتهم بالقنابل المسيلة للدموع لإصابات مباشرة بالرأس او منطقة الصدر، وهذه الطريقة “محرمة” في جميع دول العالم حتى اسرائيل وقواتها الصهيونية لا تستخدمها بهذه الطريقة، وهو امر معيب جعلتنا القيادات الإيرانية نقارن بين تعامل “الصهاينة” للفلسطينين وتعامل من يدعون عراقيتهم مع اخوتهم في الوطن.
فيما تشكل خطبة المرجعية الدينية التي رفضت التدخلات الخارجية في شؤون العراقيين وخاصة الإقليمية، ودعت الى ترك ابناء الشعب يقررون مصيرهم بأنفسهم، صفعة أخرى للنظام الإيراني ورد مباشر على تغريدة الخامنئي، لكن اسمعت لو ناديت حيا، لتكون الأيام التي جاءت بعد خطبة المرجعية اكثر تدخلا من الجانب الإيراني حينما أرسلت قاسم سليماني الى بغداد ليستمر بعقد الاجتماعات مع القيادة السياسية ويفرض عليهم القرارات التي يجب اتخاذها “لقتل المتظاهرين” وإجبارهم على التمسك بحكومة عبد المهدي ورفض استقالته، ليذهب اكثر من ذلك حينما ابلغ زعيم تحالف الفتح هادي العامري بضرورة رفضه للاتفاق مع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، بشأن اقالة عبد المهدي وإيجاد بديل عنه، ليخرج العامري متحدثا بلسان قاسم سليماني ويؤكد بانه “لا يملك السلطة في استقالة عبد المهدي” بعد ساعات على قبوله التفاوض مع السيد الصدر، فسبحان مغير الأحوال والمواقف.
حتى بعد مغادرة سليماني إلى طهران الذي اختتم زيارته بلقاء السيد الصدر في منزله بمدينة الحنانة، ولا نعلم بماذا أقنعه او ماهي أهمية اللقاء التي جعلت زعيم التيار الصدري يعود الى إيران التي وصل منها قبل ايام معدودات، لكن سليماني ترك خلفه ابو مهدي المهندس بديلًا لحضور الاجتماعات ونقل الموقف الإيراني بصيغة أوامر لا يمكن التراجع عن تنفيذها، ولعل قطع خدمة الانترنت واحدة من ثمار وجود المهندس في اجتماع عبد المهدي مع القيادات الامنية، الذي أشار بضرورة تنفيذها “حفاظا على الامن العام” او كما ابلغنا دولة رئيس الوزراء “لمنع التأمر وزرع الكراهية”، والذي يشكك بهذا فليس أمامه سوى مراجعة تصريحات لوزير الاتصالات نعيم الربيعي اكد خلالها بان “أوامر قطع الانترنت صدرت من جهات عليا”، لكنها ليست “لحفظ الامن” كما تدعي الحكومة، إنما لمنع فضح أساليب القمع التي تستخدمها أدوات الجارة ضد المتظاهرين العزل، ومنع إيصال أصوات استغاثاتهم الى المجتمع الدولي في خطوة تمثل حماية “للقتلة” من الملاحقة القانونية.
الخلاصة… ان التدخل لإيراني لا يلغي التدخلات الأخرى المتمثلة بتركيا التي أرسلت شحنة من القنابل المسيلة للدموع والمواقف الأمريكية التي تؤيد بقاء عبد المهدي وتعتبره أفضل شخصية لمنصب رئيس الوزراء بحسب بيان للخارجية الأمريكية، لكن إيران توسعت في فرض ارادتها علينا حتى أصبحت تقرر من يبقى في السلطة ومن يغادرها، في حين تبقى الحقيقة الثابتة بان تلك التدخلات سببها الأذرع الداخلية التي توفر المساحة الكافية وتسمح لتلك الجهات بالتحكم بالقرارات كونها فرصة لا يمكن ان تضحي بها ايران او غيرها، حتى لو وصل الأمر الى قتل جميع المحتجين وارتكاب مجزرة عنوانها “الدفاع عن الشرعية”… اخيرا.. السؤال الذي لا بده منه،،، ماذا يريد الجنرال الإيراني من المواطن العراقي؟،..