18 ديسمبر، 2024 11:05 م

احباطات السيد السفير

احباطات السيد السفير

من وجهة نظر معينة, نستطيع ان نعزو اتهام السفير السعودي لدى العراق السيد ثامر السبهان وزارة العدل العراقية بـ”إهمال” طلبه للقاء مسؤوليها لبحث أوضاع السجناء السعوديين في السجون العراقية على انه دليل على حرص المملكة ممثلة بسفارتها على حسم تلك القضية التي تحتل مساحة واسعة من اهتمام الدوائر السياسية والاعلامية في السعودية, ولكنها من وجهة اخرى قد تدل على الاحباط الذي يشعر به السيد السفير من تأخر حسم المسألة بالشكل الذي يتبنى وجهات النظر السعودية خاصة بعد اعلان السفارة انه “ثبت” لديها خضوع السجناء لضغوط أثناء التحقيق معهم من قبل السلطات الامنية العراقية..
وهنا , ودون ادعاء الوصاية على راي السيد السفير, قد يكون الاحباط ناتج من خلاف آخر ما بين وجهتي نظر مختلفتين- ان لم تكن متناقضتين – تجاه طبيعة التهم الموجهة للمواطنين السعوديين القابعين في السجون العراقية, فالسيد السفير الذي صرح بأن من أولويات مهامه ستكون متابعة ملفات المعتقلين السعوديين في سجون العراق, والذي بشر بوثوقية عالية بعودة “السجناء المفرج عنهم في العراق قريباً”, قد يكون استند بتفاؤله هذا الى متبنيات الاعلام السعودي ومؤسسته الدينية التي ترى بالمقاتلين الذين يعيثون في ارض الرافدين قتلا وتدميرا على انهم مجاهدين, او مغرر بهم على اخف الظروف مما يستدعي التفهم الكامل لدوافعهم النبيلة ومقاصدهم ونواياهم الحسنة تجاه اخوانهم العراقيين, ولكن العراقيون لا يرونهم الا ارهابيين قتلة دفعتهم جهات سياسية مخابراتية للعبث بامن وامان وكرامة العراقيين مستغلة انغلاقهم وتعصبهم وخلفياتهم الجنائية والاخلاقية والفكرية المتدنية. وهذه نقطة خلاف قد يكون من الصعب ان نصل به الى منطقة وسطى او نقطة تلاق قد تساعد الى تقريب وجهات النظر.
فالسيد السفير الذي بدأ عهده بتوجيه دعوة الى السعوديين المنخرطين في داعش للتواصل مع السفارة لتسهيل اعادتهم الى المملكة, دون النظر الى مسؤوليتهم الجنائية تجاه دماء وامن العراقيين , لا يستغرب منه ان يتذمر من عدم مسارعة العراق للتعاطي مع السفارة لتذليل العقبات امام مطلب اعادة المحاكمات -بل نقض الاحكام كما ورد في تصريح السبهان- التي ادانت المتهمين السعوديين فقط لانه “ثبت”لديه بان المتهمين الذين خضعوا لمحاكمات طويلة وبمراحل متعددة واستنفذوا كل مراحل التقاضي قد تعرضوا لضغوط لم يكلف نفسه حتى عناء تحديدها.. 
يتوجب على السيد السفير ان يوفر سعيه وماله في تكليف “مكاتب محاماة ذات كفاءة ومصداقية لمتابعة السجناء وقضاياهم”،الى اليوم الذي تكون لنا فيه حكومات “ذات كفاءة ومصداقية” لتحاسب المملكة وذيولها عن كل السنين التي اوسعتنا فيها جيرة الآلام دما ونارا وامالا مضاعة, وان تدخر المملكة نقاشاتها القانونية الى اليوم الذي ستضطر فيه للوقوف امام العالم الحر للاجابة عن دعمها الواضح والمكشوف للجماعات الارهابية والرعاية والتنظير للعديد من التنظيمات التي استباحت كرامة العراقيين وارواحهم من خلال اطلاق عنان المنابر الزاعقة باحقاد القرون الداعية لاستنبات الطائفية والكراهية في ارض العراق.
اكوام من قرارات الشرعية الدولية تدين الدول الداعمة للارهاب, والاكثر منها هي الاصابع التي تشير الى المملكة متهمة اياها بالترويج للافكار الضالة من خلال اعلامها ومساجدها الممولة من قبل الحكومة , وعن طريق تحويل نظامها المالي الى مسارات امنة لنقل المليارات الى التنظيمات الارهابية -باعتراف منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية- وتسخير موارد الشعب السعودي ولقمة عيشه للاضرار باقتصاديات الدول المناهضة للارهاب, بل وحتى مطاردة ومنع وسائل الاعلام المؤيدة لحق الشعوب بالحرية والعدالة, مقابل سفح الاموال امام الابواق الداعمة للفكر التكفيري الطائفي ومعاداته الصريحة لحق الحياة الحرة للآخر المختلف فكريا ومعتقديا..وكل هذا ما يضع المملكة تحت طائلة العديد من القرارات التي ستسأل عنها في تكون احوج فيه الى الدفاع ذو الكفاءة والقوة ما قد يخفف عنها بعض الحرج والبلاء .
على السيد السفير ان لا يركن الى وقوف بعض سياسيي الصدفة على باب السفارة ليتحدث بلهجة الواثق من خلو طريق الحق من سالكيه, فهو اعرف بنا بان مثل هذه الصداقات لا يحددها موقف او مبدأ او اصطفاف قدر تأثرها بعدد الاصفار التي تطرز صكوك الاعطيات المستلة من مقدرات الشعب السعودي الشقيق..
نأمل ان تكون السفارة السعودية مثابة لانطلاق جهد حقيقي وخلاق يستهدف ترميم ما افسدته التقاطعات السياسية في التواشج التاريخي ما بين الشعب الواحد في ارض الرافدين وجزيرة العرب, وان يكون تشخيص مكامن الخلل في هذه العلاقة هو الاساس في اطلاق حوار بناء يفضي بالتأكيد الى تصحيح مسار التلاقي بين شعوب المنطقة, ولكننا للاسف لم نجد في ممارسات السفارة , رغم عهدها القصير, ما قد يكون مبشرا بهذا الهدف الحلم..