23 ديسمبر، 2024 12:07 ص

منذ عام 2003 عاش العراق اوضاع لم يتوقع شعبه والعالم ان تمر عليه،انفلات امني اقتتال مذهبي فساد اداري قتل تهجير اعتقالات عشوائية تغيير ديموغرافي وكل مايخطر على البال من طرق تخريب الدول،لكن هناك امر مهم جداً بدأت ملامحه تظهر منذ بداية الاحتلال الامريكي للعراق ثم تكبر رويداً رويداً حتى بات مشروع كامل الشكل، ثابت يمتلك كل مقومات الاستمرار والتاثير من مال وسلاح وإعلام وتعبئة جماهيرية،المشروع هو عبارة عن حالة احادية احتكارية تسلب كل دور وقرار وحراك من كل جهة الا من تلك الراعية للمشروع.
اولى خطواته بانت آبان ظهور المقاومة العراقية ضد القوات الامريكية فكما هو معروف ان القوات المحتلة تعرضت لمقاومة عنيفة دوافعها اسلامية ووطنية استنزفت تلك القوات وانهكتها، ومن نافلة القول ذكر المناطق التي شُكلت فيها المقاومة وانهارت القوات المحتلة على اسوارها،اعترض المشروع على هذه المقاومة وسماها ارهاب وحُورِب كل من انخرط في صفوفها،آنذاك كان المشروع يُطلق على القوات المُحتلة اسم القوات المُحررة او الصديقة وحرم استهدافها، لكن حين بدأ جزء منه باستهداف الامريكان تنفيذاً لرغبات من خارج الحدود سُمي ذلك الجزء بالمقاومة واضيفت له عبارة (الاسلامية) لاضفاء صفة القُدسية عليه،وبالاضافة لحمله السلاح صار جزء من القرار السياسي العراقي فامتلك الغطاء القانوني وقبله الديني،ثم تعالت اصوات المشروع مطالبة القوات المحتلة بالخروج من العراق في تناقض غريب لموقفه من تلك القوات التي دخل للعراق عبر دبابتها! لم يعي احد اصراره على خروج تلك القوات وعلى المستوى الاعلامي لم يأل جهداً في اضفاء الدور الوطني النزيه نقي اليد والقلب وكلمن يخالف طرحه وافكاره يُصنف على انه معادي للوطن ويُسقط اعلامياً وتُلوث وطنيته،حتى بدأ المشروع يُصعد من عمليات التسقيط الاعلامي حتى وصلت لتشويه اطياف كاملة من الشعب.
عسكرياً اعاد تشكيل القوات المسلحة على شاكلة مُعاقة غير مجدية الا لهُ،ليبقى البلد دون سور يحميه مفتوح الحدود لكل عابر شر،فأعتمد في التشكيل آلية المكونات بدل المواطنة فصار يُنظر لها كقوات لجهة دون اخرى فقد المجتمع على اثرها احساسه بالامان،بانت نتائج الفشل العسكري للمشروع حين انهارت القوات عام 2014 امام ثُلة همجية لم يتجاوز عديدها الثلاثمائة وخمسون شاذ فكري مما أظهر عوار الجانب العسكري للمشروع فأضطر الى تحشيد الجماهير مستخدماً الجانب الديني متنازلاً عن مليون وربع الميلون عنصر عسكري وامني صُرف عليهم مليارات الدولارات من تدريب واعداد وتجهيز.
لم يسمح المشروع لاهالي المناطق المغتصبة من التنظيم الاجرامي بالدفاع عنها بل اظهرهم من خلال ماكنته الاعلامية على انهم متخاذلين تعاونوا مع الارهاب ليحتكر النصر لاتباعه ويظهرهم بثوب الوطني المُضحي للارض ويرافق العار اهالي تلك المناطق لعدم تحريرهم اراضيهم.
بعد استدراج عوام الناس وزجهم كوقود للحرب مع تنظيم داعش الارهابي عن طريق التعبئة العقدية قام بتقنين الجموع المدنية المستدرجة (عقب استخدامهم لاكثر من شهرين دون صفة قانونية) وأسس لهم هيئة حازت على الشرعية القانونية وهنا دخل في تناقض جديد،فقبل سنوات شُكل مايسمى بالصحوات لمحاربة المتطرفين وفعلا طُرد التطرف على يدها لكنها لم تعامل كنظيرها المؤسس بعد 2014 بل على العكس طوردت وأُعتقل قياداتها وتم افشال مشروعها بالكامل والسبب كونها لاتكتسي بنفس لون المشروع الذي يُدير البلد.
اقتصادياً لم يُفلح المشروع الا بسرقة اموال البلد حتى غرق بلد النفط والثروات في الديون الى هامته بل سُحقت كرامته حين بدأ بالتسول من خلال عقد مؤتمرات دولية كما حصل في مؤتمر المانحين المنعقد في الكويت،وبدأ المواطن العراقي يعيش حالات لم تطرأ عليه سابقاً وأخذ يقتات جزء منه على المزابل بل بات يعيش فيها ووصل خط مستوى الفقر فيه الى ثلاثين بالمئة كما ذكرت وزارة التخطيط العراقية، المُتنعم الوحيد في هكذا وضع اقتصادي متردي هم جنود المشروع ومركز ادارته في الشرق،لولا اموال العراق وشعبه المُرسلة لدولة الشرق لكانت هلكت نتيجة انهيار اقتصادها بسبب الحصار المفروض عليها،من طرق الخبُث التي يسترسل فيها المشروع هو ارهاب كل جهة تحاول الاستثمار في العراق فالشركات العالمية وكبار المستثمرين لازالوا يتوجسون خيفة بسبب الانفلات الامني في البلد ومعرفتهم مسبقاً بان المشروع متهيأ لاستهدافهم، ومُنِع العمل والاستثمار حتى على اجزاء من العراق كما حصل لشمال العراق المتميز بسياسة خارجية ناجحة وبتقدم عمراني واقتصادي، فظهرت محاولات حثيثة لاجهاض ذلك التقدم ومساعي حثيثة لنقل الفشل له،وحين اعترض اقليم كردستان قُطعت رواتب الشعب الكردي وعانى ضنك العيش لشهور طوال،لم يفكر المشروع بحال المواطن الكردي في العراق فهو لا يعنيه الانسان العراقي ابدا بل كل مايعنية هو استنزاف الارض والشعب، فلا استثمار ولا تصدير ولا تجارة ولا صناعة ولا زراعة الا لراعية المشروع التدميري حصراً.
سياسياً يفسح المشروع طريق العمل السياسي لمن تتوفر فيه مواصفات العمالة والفساد فهو ينتقي من يسهل شراء ذمته بالمال والمنصب وفي حال الاختلاف مع المشروع فالقضاء المُسيس تحت اليد والمعتقلين الآف يصعب احصائهم يدلون تحت التعذيب بما لا يخطر على بال بشر من اعترافات ما انزل الله بها من سلطان ليصوغها جلادوا المشروع كقضايا ضد كل من يعارض المشروع ليصادق عليها القضاء بكل سهولة فينتهي الحال بالمعترض اما قابع في محجر يذوق صنوف العذاب والاهانة او هارب خارج الوطن أشد مايستخدمه مواقع التواصل الاجتماعي.
بعدما فرض المشروع سطوته على جميع مرافق الدولة بكل مفاصلها وأخذ يتحكم بها كيفما يشاء تحول العراق لمقاطعة تقودها الدولة الراعية للمشروع كيفما تشاء فهو مجبر على الامتثال لأوامرها وتنفيذ مطالبها خصوصا ان العراق فقد مقومات السيادة والقرار نتيجة تكبيله بكلما ذكرنا اعلاه. ماذكرناه هي حالات من واقع مجتمع يتلاعب به مشروع اصفر خبيث يُغيبه مذهبياً،لو تابعنا نتائج ادوات الدمار المستخدمة ضد العراق سنجد كل واحدة منها تدق أسفين عظيم بين افراد المجتمع الواحد،فهم نجحوا في زرع العداء واثارة الفتنة وتحميل مسؤولية الفشل لاطياف معينة من المجتمع بل حشدوا ضد الدول العربية المجاورة للعراق وحولوا اتباعهم لمقاتلين بالنيابة مستعدين لالحاق الضرر بالمحيط العربي،وماحصل من قصف للملكة العربية السعودية والكويت وتدريب مقاتلين بحرينيين ودعم لنظام بشار الاسد وارسال خبراء عسكريين الى الحوثيين في اليمن هو مثال قريب لما آل اليه الحال،حتى اقنع المشروع شريحة كبيرة من المجتمع ان التنازل عن حقوقه في حياة كريمة يهون مقابل ديمومة الفكر الديني(التابع له)، المشروع السرطاني في المنطقة وخصوصاً في العراق تقوده ايران فهي من تدعمه وتخطط له بكامل مؤسساتها، لذلك لايقوى على ايقافه افراد خصوصاً ان كانوا بلا مشروع منظم ولا زالوا يستخدمون الطرق الروتينية الثابتة،فلا بد من تظافر جهود تحمل قضية حقيقية جوهرها سلامة الامة والخلاص من سطوة مشروع السوء ومن يقوده،القاء اللوم على الحكومات والقيادات والشخصيات المؤثرة بكل انواعها كالدينية وغيرها حجة متهرئة وجب على كل مخلص ان يكون مشروع نهضة ومنبر توعية للامة كي يمكن للجميع النفاذ من نفق الظلام الايراني.