23 ديسمبر، 2024 5:14 ص

اجهاض موازنة 2014 الاتحادية .. مهزلة وخيانة كبرى للعراق

اجهاض موازنة 2014 الاتحادية .. مهزلة وخيانة كبرى للعراق

في ظل المشهد السياسي الحالي , فقد تمت مباشرة مجلس النواب بمهامه والتمتع بالامتيازات المادية والمعنوية واختيار الرئيس والنائبين كما تم انتخاب رئيسا للجمهورية ولا يزال الجدل حاصلا بشان من تم تكليفه لرئاسة مجلس الوزراء , وقد تم الافصاح عن العديد من الآراء بخصوص هذه الاختيارات لانها تمت باتفاقات الكتل وليس استنادا لمبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لانها قضية قومية ومذهبية بامتياز وخارج نصوص الدستور الذي يتعبد به البعض لاغراض بلوغ مصالحهم فحسب , ورغم كل ذلك فقد عول العراقيون ان يعالج مجلس النواب الجديد مشكلاتهم المتفاقمة واحدة تلو الاخرى كبادرة خير وبشرى للعراقيين لانقاذه من الوضع الحالي الذي جعل نصف العراق خارج سيطرة الحكومة الاتحادية , ولكن واقع الحال يسير بعكس أمنيات الناس البسطاء فبعد اداء اليمين الدستورية سقطت مناطق اخرى في شمال العراق تحت سيطرة الدواعش لينتج عنهاعدد كبير آخر من النازحين والشهداء سواء كانوا من المسلمين او المسيحيين او الايزيديين او من اي مكون اخرلان اية خسارة بانسان هي خسارة عراقية قبل كل شيئ .

ولو اراد مجلس النواب ان يكون بمستوى المسؤولية المتوقعة لجعلوا جلساتهم مفتوحة ليلا ونهارا لمعالجة مشكلات العراقيين او التخفيف من اثارها ومعاناتهم على الاقل , ولكنهم لايلتقون الا لتحقيق غايات الكتل , وبعد انعقاد كل جلسة يتم تحديد موعد جديد للجلسة القادمة وهذا الموعد يمتد لاكثر من اسبوع , وبامكان كل عراقي التحقق من ذلك من خلال احصاء عدد الجلسات التي انعقدت فعلا منذ مطلع تموز الحالي والمواضيع التي تضمنتها جداول الاعمال لحد اليوم , وقد يقول البعض ان جداول الاعمال مقتضبة بسبب عدم تشكيل اللجان في مجلس النواب التي يزيد عددها عن عشرين ولكن من حق العراقي ان يسال لماذا لم تشكل كامل اللجان ؟ والجواب واضح هو ان تشكيل اللجان التخصصية يتم على اساس طائفي وعرقي بما يضمن ان تكون رئاسة اللجان يخالف المسؤولية في الوزارات فاذا كان الوزير ؟؟؟ (مثلا ) فان رئيس اللجنة يجب ان يكون من خارج المكون وهو ما يعزز التخوين المسبق بان رئيس اللجنة ليس بكامل الموضوعية رغم ان عضوية مجلس النواب هي من المنتخبين من قبل الشعب وقد وثقوا فيهم على اساس عراقيتهم وانتمائهم الوطني بعيدا عن الانتماءات والانحياز لان المناطقية والحزبية تنصهر في المجلس بمسمى واحد هو العراق .

لقد اقترح رئيس مجلس النواب , اقتراحا خجولا يقضي بتشكيل اللجان على اساس الاختصاص على ان تحدد رئاستها بعد تشكيل الحكومة واختيار مجلس الوزراء وهو اعتراف ضمني بان الرئاسة والعضوية في هذه اللجان شكلية وامورها تسير من قبل رئاساتها فحسب , ورغم ذلك فقد استبشر البعض خيرا على اساس انها ربما تحل بعض القضايا العاجلة ولكن ما تمخض عنها هو تشكيل عدد محدود فقط من اللجان واحدة تتعلق بحسم موضوع قانون المحكمة الاتحادية وواحدة لمناقشة اوضاع النازحين واخرى للبت في موضوع غاية في الاهمية والحساسية وهي الموازنة الاتحادية التي هرب منها مجلس النواب السابق ليتفرغ اعضائه للدعاية الانتخابية وابقاء العراق الديمقراطي بدون موازنة ونحن في النصف الثاني من السنة المالية الحالية ( 2014 ) , وبعد ان لملمت اللجنة المالية اوراقها واختارت ابسط الحلول , قررت اعادت الموازنة الى الحكومة لاعادة صياغتها بموجب التغييرات التي حصلت على الايرادات والنفقات بسبب الظروف الاستثنائية التي يعيشها العراق والتي باتت معروفة للجميع ,اذ تم انفاق مبالغ خارج الموازنة لاغراض التسليح ودعم الجهد العسكري كما انخفضت ايرادات النفط بعد النقص الذي حصل في الصادرات .

وبعد تكليف رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم للسيد حيدر العبادي لتشكيل الحكومة الجديدة ورفض الرئيس الحالي لمجلس الوزراء السيد نوري المالكي هذا الاجراء , والذي عده مخالفة للدستور فستكون للعراق حكومتين احدها قائمة ويغيب اغلب اعضائها عن الحضور لاجتماعات مجلس الوزراء واخرى قيد التشكيل بانتظار عملية قيصرية لاخراجها للوجود , وفي ظل هذه الصراعات ستبقى الموازنة اسيرة الخلافات السياسية بشكل يرجح عدم المصادقة عليها خلال العام الحالي وبما يحقق امنيات البعض في دمج موازنتي العامين 2014 و2015 بموازنة واحدة على اساس ان ماتبقى من السنة الحالية يمكن تمريره بالترقيع , وهي مهزلة بكل ما تعنيه الكلمة من معاني لان غياب الموازنة يعني من ضمن ما يعنيه هو الغياب الحقيقي لواحدة من الادوات المهمة للدولة في التخطيط وبلوغ الاهداف والسماح بطمس الحقائق وتشويه السلسلة الزمنية للموازنات لاغراض المقارنة والرقابة والتدقيق وهو ما سيغيب معالم احصائية وبحثية وتاريخية واستقصائية مهمة على غرار ما جرى عند عدم اجراء التعداد السكاني بموعده عام 2007 ولحد الان , رغم ان العراق يجري تعدادا سكانيا كل عشر سنوات منذ 1927 بكل مامر به البلد من ظروف .

ومما لاشك فيه فان غياب الموازنة السنوية سيفضي الى تعميق جراح العراقيين , فالمشاريع الاستثمارية متوقفة بدون تخصيصات والخدمات قاصرة ويجري تسييرها على اساس الافتراضات والوزارات تتم تمشية امورها على اساس 1/ 12 شهريا من المصروف الفعلي لسنة 2013 , كما ان التعيينات متوقفة رغم تفاقم البطالة والعاملين بعقود واجور يومية يتم تسريحهم لكي ينضموا الى جيوش العاطلين ولا احد يسال كيف يتدبرون معيشتهم بعد ان تعودوا على الدخل الشهري , اما الحسابات الختامية فانها في مهب الريح لانها لم تقدم بشكلها النهائي والفعلي منذ سنوات , ولا نعلم كيف نطلب من رئيس الوحدة الادارية او المالية ان يؤدي عمله بالشكل الصحيح وهو يعمل بدون موازنة وتقديرات تخطيطية وكثيرا منهم تم اختيارهم على الاسس الحزبية والطائفية وليست لديهم المعرفة الكاملة بهذه الامور مما يسمح باستشراء الفساد الاداري والمالي للمتطفلين والمنتفعين الذين لايعرفوا من الوطنية شيئا غير تحقيق المنافع والاصطياد في المياه العكرة , ويضاف لكل هذا وذاك ان الوضع الانساني والوطني يحتاج لحشد الموازنة لمواجهة اكبر ما يواجهه العراق في تصديه لاعتى المخاطر بما فيها تواصل التهديدات للعاصمة العزيزة بغداد .

لقد كنا نتمنى وفي ظل الظروف السياسية وغير السياسية التي تواجه اللجنة المكلفة بالموازنة التي تشكلت في مجلس النواب , ان تتولى اعادة النظر في الموازنة التي سبق وان قدمها مجلس الوزراء من خلال اجراء ما يجب تصحيحه ومناقلته وتعديله بضوء المتغيرات الحاصلة اعتمادا على المتخصصين ومن خلال الاستعانة بمن يمكن الاستعانة بهم من الخبراء واساتذة الجامعات لاخراج واقرار الموزنة بدلا من اعادتها الى مجلس الوزراء المنتهية ولايته لان التشييع للقبور لايعيد الحياة للاموات , اخذين بنظر الاعتبار اهمية الموازنة في حياة العراقيين والعراق , والعجيب ان العديد من اعضاء مجلس النواب يحمل لقب ( دكتور ) في مختلف الاختصاصات ولكن البعض منهم غير قادرين على مداواة جروح العراقيين من خلال اختصاصاتهم , فالتعديل على فقرات الموازنة من صلاحيات مجلس النواب وكان من الممكن جدا استضافة الوزراء المعنيين للاستفادة من ارائهم بخصوص التغييرات التي تجريها لجنة الموازنة في المجلس بدلا من اعادتها الى مجلس الوزراء لان هذا الحل يوفر الوقت لاخراج الموازنة باقرب موعد ممكن .

ومما لاشك فيه فان عدم اقرار الموازنة الاتحادية للعراق لسنة 2014 يعد مثلبة كبرى للعملية الديمقرطية وله تاثير كبير على تسيير الامور اليومية للمواطنين فالجميع يصرخ ( السوق واكف ) بسبب الموازنة , ومن الناحية السيادية فانه يعد ( انتقاصا ) من العراق المعروف بكفاءاته الوطنية وثرواته المعروفة للجميع , ونقول من باب الحرص والايمان بقدرات العراقيين لو تم ايكال مهمة اعداد الموازنة باي مكتب استشاري لاحدى الجامعات العراقية او مكتب اهلي متخصص لتم انجازها خلال اسابيع بدلا من ادخالها في متاهات سياسية قد يعرضها للاجهاض لكي يستستهل البعض بدمجها مع موازنة 2015 وهو (ان حصل ) فهو جهل كامل بتداعيات ذلك وانعكاسه على الوضع الاقتصادي , ومن وجهة نظر المتخصصين وشرائح عديدة من الشعب فان اجهاض موازنة 2014وعدم اخراجها الى حيز الوجود لحد الان , يعد خيانة كبيرة للعراق والعراقيين ويجب ان يحاسب المسؤول عن هذا الفعل المشين بموجب الدستور او اي قانون يمكن اعتماده لهذا الغرض , لانها قضية وطنية بالفعل وتتعلق بحاجات واستحقاقت العراقيين جميعا بغض النظر عن المكونات وكل الحسابات الضيقة فلكل عراقي حقا ونصيبا في الموازنة لانها من ثروات بلده وليس صدقة او منة من احد ما .