لم تكن ردود الافعال ، وما اكثرها ، ازاء اجتماع او مؤتمر أربيل الذي عقد بتاريخ ٢٠٢١/٩/٢٤ تحت عنوان “مؤتمر السلام والاسترداد” لم تكن موضوعية بل وللاسف كانت سطحية ، اذ تعاملت مع الحدث وفق النتائج التي اصبحنا عليها وغادرت الاسباب.
فنحن ايضا نشجب وندين من هيأ لعقد هذا المؤتمر ومن شارك فيه ، وان كان الكثير من الكتابات والمنشورات والبيانات سواء كان منها الرسمية ، بيان الحكومة العراقية ، والاخر بيان حكومة اقليم كردستان ، وغير الرسمية بيانات الكتل والتيارات والاحزاب السياسية ، هي بيانات مغالطة لا تعبر عن الموقف الحقيقي لها ازاء المؤتمر ومخرجاته.
اذن النظرة التي ننشدها تجاه من هيأ وأعد لعقد المؤتمر وتجاه من شارك في المؤتمر من العراقيين وغير العراقيين ان تكون غير النظرة التي تحدثنا عنها انفا.
غير بعيد عن الذهنية الصهيونية عقد المؤتمرات حيث تطرح وتقر الافكار التي نضجت في حينه لتنتقل من النظرية للتطبيق. فبعد ان صاغ هرتزل الافكار الصهيونية لاقامة الدولة اليهودية سنة ١٨٨٥ اتجه نحو وضعها في مؤلف سنة ١٨٨٦ ثم ما لبث ان عقد مؤتمر يهودي عالمي سنة ١٨٩٧ لنقل الافكار الصهيونية التي سبق وان نوهنا عنها لاقامة دولة يهودية من المرحلة النظرية الى مرحلة التطبيق وفعلا تم انعقاد المؤتمر ونجحوا في اقامة الدولة الخاصة بهم في فلسطين ، ارض الميعاد حسب ما يدعون ، سنة ١٩٤٨.
وهنا من المهم ان ننوه للذين انشغلوا بحل لغز التاريخ الذي انعقد فيه المؤتمر في اربيل ، بأن تاريخ الانعقاد غير مهم للصهيونية العالمية والمهم هو فقط الانتقال من النظرية للتطبيق. وبمعنى اخر البدأ بتنفيذ ما سبق وان عرض من افكار.
استغرق العمل من اجل تطبيع العلاقات مع مصر ٣٠ سنة من سنة ١٩٤٨ – ١٩٧٨ واستغرق التطبيع مع دولة الامارات والبحرين ٤٢ سنة اخرى اضافية ليتم التوقيع على اتفاقية السلام او الوثيقة الابراهيمية سنة ٢٠٢٠.
ومن المهم والمحير بنفس الوقت ان نشير الى ان التسمية الابراهيمية مظللة وغير غائب ان هدفها معلوم لكل الاطراف العربية والاسلامية وان تباينت ثقافاتها وان حشر اسم سيدنا ابراهيم بهذه الوثيقة بقصد التضليل. اذ ان لا علاقة لسيدنا ابراهيم لا باليهودية ولا بالنصرانية. ان اليهود يعترفون بأن لسيدنا ابراهيم ولد واحد هو سيدنا اسحق ولا يعترفون بسيدنا اسماعيل. ويفعل مثلهم النصارى بينما يعترف المسلون بأن سيدينا اسماعيل واسحق هما ولدي سيدنا ابراهيم. فما معنى الابراهيمية طالما هم لا يعترفون بسيدنا اسماعيل؟ انهم اليهود لا يعترفون بالديانات الاخرى لا النصرانية ولا الاسلامية. والنصرانية تعترف بالديانة اليهودية ولكن لا تعترف بالديانة الاسلامية. بينما الديانة الاسلامية تعترف بالديانتين الاخريين اليهودية والمسيحية.
تتقمص الصهيونية الفرص لتوقع بفريستها. من ذلك فأنها تكرس جميع الوسائل المتاحة ، وما اكثرها ، لتحقيق الهدف المنشود. وهذا ما حصل في تطبيع العلاقات مع كل الدول العربية التي وقعت اتفاقيات السلام مع اسرائيل.
تستند مضاربات البورصة العالمية على اختيار سلعة ضرورية وعزيزة لا يمكن الاستغناء عنها بل يعول عليها لتكون محور الاهتمام في الاستحواذ على المضاربات وهذا ما حصل بالنسبة للنفط قبل الازمة العالمية لسنة ٢٠٠٨. فقد وصلت اسعار النفط الخام لاسعار عالية غير مسبوقة بعد ان تزاحمت الشركات والدول للحصول عليه حتى ان الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز قد قال في حينه ان باخرة نفط اعيد بيعها بعد ابحارها من الميناء الذي حملت منه ١٠٠ مرة قبل ان تصل الى هدفها النهائي.وبمجرد ان قالت الولايات المتحدة سنة ٢٠٠٨ ان خزينها النفطي كاف في الوقت الحاضر ولا حاجة الى المزيد انهارت الاسعار الى ما دون ٢٥ دولار للبرميل الواحد وانهار معها الاقتصاد العالمي بدون استثناء.
الصهيونية او اسرائيل تقتبس عن البورصة هذه الفكرة وتركز على الثغرة التي تنفذ من خلالها الى داخل الشعوب والدول خاصة العربية فوجدت التباين الثقافي او الطائفي الشائع لدى المجتمعات الاسلامية والذي توظفه ايران لتوسيع نفوذها داخل المجتمعات العربية والاسلامية واولها العراق ودول الخليج العربي هي الثغرة المناسبة التي تنفذ من خلالها لتحقيق مآربها ، لاسيما وان الكره الفارسي التاريخي للعرب والطمع الفارسي في الارض العراقية مازالا قائمين ، فعمدت الصهيونية الى تهيئة الارضية لتوسع ايران من نفوذها وتهديدها للشعوب العربية لا سيما في منطقة الخليج العربي والعراق من جهة ، وتقليص فرص الشعوب والدول العربية المستهدفة لمواجهة ذلك من جهة اخرى.
وهذا ما حصل لدول الخليج وللشعب العراقي. الخلل هنا عجز الشعوب العربية او عدم مقدرتها على صد الطموحات الايرانية المعادية لها.
ثم مالبثت الدول العربية المعنية ان تيقنت ان الولايات المتحدة ، لاسيما تحت ادارة باراك اوباما ، انها ليست بصدد التصدي لهذه الاطماع التوسعية ، بل انها تلبي رغبات اخرى للدول الغربية والصهيونية العالمية ، حتى صار الاعتقاد ، وهو اعتقاد خاطأ بالتأكيد ، ان لا منفذ للدول العربية وشعوبها لان تصد هذا التهديد المدمر الا عبر اللجوء الى اسرائيل.
انها مؤامرة دولية كبيرة ضد الشعوب العربية ، ولكن لماذا اختارت الدول العربية الخليجية اسرائيل دون غيرها لتكون السند لها لصد الاطماع الايرانية؟ وحسب بعض التحليلات السياسية قد تم اختيارها لذلك لان الولايات المتحدة والدول الاوربية لا تعترض على هذا الاختيار ، ولانها اسرائيل تمتلك بنفس الوقت تأثير واسع على قرارات الولايات المتحدة وبأمكانها توجيهها الصوب الذي تراه بحيث توقف المد الايراني في المنطقة.
ربما . ان فشلت الولايات المتحدة ، في تحقيق الامن والاستقرار للدول العربية في منطقة الخليج العربي وما حوله ، وهذا متوقع جدا ، فستكون الدولة المرشحة للقيام بهذا الدور في المستقبل روسيا وبدعم من الصين. هذا الخيار قائم في ذهنية روسيا والصين لكن مازال هذا الخيار بعيدا عن ذهنية دول الخليج العربي التي شرعت الباب لان تقوم اسرائيل بهذا الدور دون سواها.
فمن وجهت نظر بعض المحلليين السياسيين فأن دول مجلس التعاون الخليجي ترى الوقت مبكر على الاستجابة لقبول الدور الامني لروسيا وكذلك الصين في منطقة الخليج العربي لاسيما وانها تلاحظ عمق العلاقات الاستراتيجية بينهما وبين ايران ، فضلا عن ان استيعاب تدخل روسيا وكذلك الصين كطرف لاعب ومؤثر ضد الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي ليس بالامر السهل. وعلى وفق ذلك ، فإن من غير الوارد ان تتبناه وتركن اليه دول الخليج العربي في الوقت الراهن.
ولكن هذا الخيار سيبقى شاخصا امام اعين الطرفين. الطرف الاول دول الخليج العربي ، والطرف الثاني روسيا والصين. وبنفس الوقت ستبقى الولايات المتحدة تراقب ذلك بأهتمام بالغ.
اذن اسرائيل لا تقوم بصد التمدد الايراني على اساس قدراتها العسكرية وانما على اساس نفوذها الواسع على سياسات الولايات المتحدة.
اسرائيل لم تعد لاعبة طارئة محدودة النفوذ في شؤون العراق ومنطقة الخليج العربي بل لاعبة اساسية فهي شريكة في العراق على المستوى القطري بحكم علاقتها الوثيقة بكردستان العراق. وهي لاعبة اساسية اقليميا بسبب اتفاقيات السلام الموقعة مع العديد من الدول العربية. وهي لاعبة اساسية دوليا بسبب ما تتمتع به من نفوذ مالي وسياسي في ارجاء المعمورة.
اما ان تحدثنا عن ايران فأن ما يحكمها تاريخيا نظامان لا ثالث لهما. فأما يحكمها الفوضى وهذا ما نشاهده منذ سنة ١٩٧٩ ولحد الان فالصوت العالي هو الذي يعبر عنه الشارع الايراني المشحون تاريخيا ضد الشعوب العربية ، ولا يمكن لجم هذا التيار وانما الاكتفاء بركوب موجته من قبل هذا او ذاك ، وهذا ما لا يعول عليه في اقامة علاقات نافعة وبناءة ومتبادلة بين دول المنطقة تخدم جميع الاطراف وتدفع الجميع نحو التعاون والتقدم والازدهار. والنظام الثاني الوراثي بغض النظر عن التسمية. وستبقى ايران على هذا الحال حتى يظهر مالك جديد لايران. وهذا ما لايبدو في الافق في المستقبل المنظور.
ما يبقى الحديث عنه وهو المشاركة في المؤتمر وكانت موزعة على قسمين. القسم الاول التابع لاسرائيل بشكل او بأخر وكلامه معروف ومتداول ، فهو يدعو الى نصرة اسرائيل ونكران الحقوق العربية سواء كانت فلسطينية او غيرها. والقسم الثاني وهم المشاركون من المهمشين في العراق والذين انقطعت بهم السبل ولم يبق امامهم غير العيش في كردستان كلاجئين داخل بلدهم.
ان سياسة او نهج التهميش والاقصاء المتبع منذ الاحتلال سنة ٢٠٠٣ ولحد الان كان الباعث لقبول مشاركة هؤلاء في المؤتمر بعد ان أوهموا بأن المؤتمر يهدف الى تفعيل النظام الفدرالي في العراق عسى ان يخرجوا من الجحيم الذي هم فيه الان.
اذن كل الطرق مغلقة بوجه الشعوب العربية ولا امل لها لان تنعم بالامن والسلام والازدهار ما لم تنبذ الخلافات وسوء التفاهم ما بين بعضها البعض. وان الفرصة الوحيدة الباقية امام الشعوب العربية لكي تعيش اسوة ببقية شعوب المعمورة هو ان تطرق باب التعاطف والتكاتف والتعاون القومي. وينبغي على كل مواطنة ومواطن عربي ان يدرك ان هذه الاهداف تتحقق بالمجهود الذاتي للشعوب العربية وليس غيرها. ومن هنا على كل عربي ان يدرك ان السند الفعلي لتحقق الامن والتقدم والازدهار للشعوب العربية يكمن في تحقيق الوحدة العربية. ان الوحدة العربية هي الترياق الشافي لكل المشاكل والمعضلات التي تعاني منها الشعوب العربية بلا استثناء.