اجتماع غير متوقع، مع بغياب روسي لأوّل مرّة، عقد في العاصمة السوريّة دمشق بين رؤساء أركان جيوش سوريّا وإيران والعراق!
من أهمّ نتائج الاجتماع إعلان رئيس أركان الجيش العراقيّ، الفريق أوّل ركن عثمان الغانمي، قرب افتتاح معبر الوليد على الجانب العراقيّ الذي يقابله معبر التنف الخاضع لسيطرة فصائل الجيش الحرّ المدعومة من التحالف الدوليّ بقيادة أمريكا!
وفي تصوري فإنّ هذا الإعلان العراقيّ هو أوّل نتائج زيارة الرئيس الإيرانيّ إلى العراق قبل أسبوعين، لأنّ فتح الطريق البرّيّ سيكون متنفساً جديداً لإيران التي تعاني من تجديد العقوبات الأمريكيّة عليها، وهذا الرأي أكّدته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة، التي اعتبرت فتح المعبر بين العراق وسوريّا فرصة لإيران من أجل تخفيف الأضرار الاقتصاديّة التي لحقت بها نتيجة العقوبات الأمريكيّة.
وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكيّة اعتبرت أيضاً أنّ الممرّ الجديد هو “الجائزة الأكبر، إذ يضمن لإيران طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانيّة إلى حليفها في لبنان (حزب الله)، كما سيسهّل حركة الميليشيات التي تدعمها، إضافة إلى كونه طريقاً تجاريّاً بديلًا عن مياه الخليج”.
رئيس أركان الجيش الإيرانيّ، محمد باقري، قال إنّ” فتح المعابر الحدوديّ بالنسبة لإيران أمر مهمّ، للمبادلات التجاريّة وتنقل الزوار والسياح الإيرانيّين من إيران إلى العراق وسوريّا”.
هذه التطورات الميدانيّة تأتي في الوقت الذي فرضت الولايات المتّحدة الخميس الماضي عقوبات جديدة على (لواء زينبيون) الباكستانيّة، و(لواء فاطميون) الأفغانيّة، وشركة فلايت ترافل ومقرّها أرمينيا، وشركة قشم إير فارس للطيران ومقرّها إيران، وأكدت أنهم مرتبطون إما بفيلق القدس التابع للحرس الثوريّ الإيرانيّ، أو شركة إير ماهان المدرجة على قائمة العقوبات!
والسؤال هنا هل أرادت إيران عبر اجتماع دمشق إيصال رسائل لموسكو أنّها هي المتحكم في الساحة السوريّة، بدليل لقاء زعمائها بالقوى المؤيّدة لها في دير الزور وغيرها، وكذلك التوافق التام مع الجناحين السوريّ والعراقيّ؟
أظنّ أنّ إيران لديها مثل هذه الرسائل أو الخطّة، لكن يظهر أنّ الروس فهموا اللعبة، ولهذا فإنّ روسيا الغائبة عن الاجتماع بمحض إرادتها أوفدت في اليوم التالي للاجتماع وزير دفاعها “سيرغي شويغو” للقاء رئيس النظام السوريّ بشار الأسد.
وبحسب وكالة “سانا” التابعة لنظام الأسد، فقد تمّ خلال اللقاء بحثّ الأوضاع في منطقتي إدلب وشرق الفرات!
ويبدو أنّ اللقاء ليس لبحث مسألة إدلب وشرق الفرات والملفّات العسكريّة، وهنالك من يقول إنّ وزير الدفاع الروسيّ حمل رسالة لم تعرف حتّى الآن من القيادة الروسيّة، ربّما فيها نوع من التهديد لرئيس النظام، والتأكيد أنّه لو لا القوّات الروسيّة لما بقي الأسد في الحكم حتى الساعة!
الغياب الروسيّ عن الاجتماع يمكن النظر إليه من عدّة زوايا، ومنها:
الغياب له دلالات سياسيّة واضحة، وذلك لأنّ النقاط التي ركّز عليها المجتمعون ليست محلّ اتّفاق، أو – ربّما اهتمام- لروسيا المكبّلة باتفاقيّات مع تركيا، وكذلك بتنسيقات كبيرة مع إسرائيل، وبالذات بعد الزيارات العديدة لرئيس الوزراء الصهيونيّ لموسكو.
اعتقد أنّ روسيا ضامنة لمصالحها الإستراتيجيّة والاقتصاديّة في سوريا سواء حضرت الاجتماع، أم لم تحضر لأنّها القوّة الأبرز على الساحة السوريّة، ولهذا فهي لا تريد أن تدخل في نزاعات ” عقائديّة” لمصلحة إيران، وغير مستعدّة لتقديم جنودها وقوداً لمثل هكذا مواجهات.
وخلاصة القول إنّ إيران أرادت إرسال رسائل غير مباشرة لموسكو، ورسائل مباشرة لواشنطن التي تضيّق الخناق الاقتصاديّ عليها، وكأنّها تريد أن تقول لهما إنّ زيارة روحاني إلى العراق واجتماعه مع الحكومة التي رفضت العقوبات الأمريكيّة ولقاءه مع شخصيّات عشائريّة ودينيّة في السفارة الإيرانيّة ببغداد، وكذلك اجتماعه مع المرجع الدينيّ علي السيستاني ثمّ اجتماع دمشق العسكريّ، هذه الفعّاليّات، أو الرسائل مفادها أنّ جميع هذه الأطراف، أو الأدوات تمتلك إيران القدرة على تحريكها، سواء أكانت القوّى السياسيّة، أو العسكريّة، أو الشعبيّة، أو الدينيّة في هذه الدول؛ وعليه ليس من مصلحة واشنطنّ أن تضيّق الخناق على إيران، بحسب تخطيطها!
إيران تُحاول عبر العباءة الدينيّة المذهبيّة التأثير على بعض المواطنين في العراق وسوريّا، وكذلك عبر القوى المليشياوية المؤيّدة لها في كلا البلدين، ولا أظنّ أنّ نجاحها النسبيّ الذي حقّقته عبر هذه الأذرع سيبقى مستمراً وبالذات مع انكشاف مخطّطاتها التوسعيّة في المنطقة!
إيران مستعدّة لحرق دول المنطقة من اجل مصالحها فهل سننتبه لهذه الحقيقة قبل فوات الأوان؟