اجتثاث البعث أم اجتثاث الخصوم؟ صراع الإرادات في مشهد سياسي متآكل

اجتثاث البعث أم اجتثاث الخصوم؟ صراع الإرادات في مشهد سياسي متآكل

في خضم الاستعدادات الجارية للانتخابات العراقية المقبلة، يعود إلى السطح مجددًا ملف اجتثاث البعث لا بوصفه إجراءً قانونيًا يهدف إلى تحصين الدولة من عودة النظام السابق بل كسلاح سياسي يُشهر عند الحاجة لإقصاء خصوم لا ترغب بعض الأطراف في وجودهم داخل المشهد الانتخابي.
المفارقة الكبرى أن الحكومة العراقية، التي تشكلت بعد عام 2003 لم تكن بمنأى عن تأثيرات البنية البعثية السابقة سواء على مستوى الكوادر أو البُنى الإدارية التي استُخدمت كأساس أولي لإدارة الدولة بعد الاحتلال بل إن العديد من السياسيين الذين تبوأوا مناصب حساسة في النظام الجديد، كانوا جزءًا من تلك المنظومة, أو استفادوا من علاقاتها وشبكاتها ومع ذلك، يتم اليوم إقصاء شخصيات بتهم الانتماء أو الارتباط  بـ البعث في وقت تفتقد فيه هذه الإجراءات للشفافية والمصداقية، وتُستغل لأغراض التنافس السياسي لا أكثر.
الواقع أن ما يُطرح تحت غطاء الاجتثاث هو في جوهره امتداد لنهج الإقصاء والتسقيط الذي ساد العملية السياسية منذ تأسيسها بل تحوّل إلى أداة طيّعة بيد أطراف ذات نفوذ لتعديل موازين القوى الانتخابية قبيل كل استحقاق ومع اقتراب موعد الانتخابات، نشهد تصاعدًا في وتيرة هذه الممارسات وكأن الهدف ليس بناء دولة مؤسسات، بل حماية مكاسب جماعات تخشى المنافسة الحرة والنزيهة.
الأسئلة التي تُطرح اليوم بإلحاح من يحدد من هو البعثي؟ وأين تنتهي حدود الاجتثاث وتبدأ حدود الانتقام السياسي؟ وإذا كان بعض المشمولين بالإقصاء قد خضعوا بالفعل لإجراءات عدلية وقرارات قضائية في مراحل سابقة فما مبرر العودة لاجترار ملفات قديمة في كل موسم انتخابي؟ ثم كيف تُقبل مشاركة شخصيات معروفة بانتمائها السابق أو صلاتها المباشرة بالنظام السابق، في حين تُقصى أخرى دون سند قانوني واضح.
إن استمرار هذه السياسة لن يُفضي إلا إلى مزيد من الانقسام والتشظي وهو ما يؤكد أن الطاولة السياسية في العراق باتت متآكلة فعلًا كما تنخرها حشرة الأرضة من الداخل، في إشارة إلى تآكل الثقة الشعبية، وتراجع الأداء المؤسساتي، وانهيار قواعد التنافس الديمقراطي.
آن الأوان لإعادة النظر في مفهوم الاجتثاث ذاته وتجريده من طابعه الانتقائي, ووضعه ضمن إطار قانوني واضح لا يُستغل كأداة لتصفية الحسابات، بل يُستخدم  إن لزم , كوسيلة لحماية المسار الديمقراطي من التطرّف بكل أشكاله، البعثي وغيره.
فالديمقراطية لا تُبنى بالإقصاء، بل بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع وقبول التعددية السياسية, واحترام خيارات الشعب, لا فرض الوصاية عليه عبر قرارات مشكوك فيها تُتخذ في اللحظات الحرجة من أطراف تتنازع على السلطة أكثر مما تتصارع على المبادئ.

أحدث المقالات

أحدث المقالات