23 ديسمبر، 2024 10:54 ص

اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد واسترداد الاموال العراقية المنهوبة

اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد واسترداد الاموال العراقية المنهوبة

شهدت السنوات العشر المنصرمة تطورا كبيرا فى مجال الجهود الدولية لمكافحة الفساد المالي والاداري وغسيل الاموال نتج عنها عقد العديد من الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي تسعى الى تفعيل التعاون الدولى في تلك المجالات ،ومن بين تلك الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التى انضمت إليها حتى الآن 148 دولة من بينها العراق الذي انضم الى تلك الاتفاقية عام 2007 .
وحيث ان الدولة العراقية تسعى بكل جهدها الى محاربة افة الفساد المالي والاداري في الداخل وفي نفس الوقت تسعى الى استعادة الاموال الطائلة التي تم تهريبها عن طريق مافيات الفساد بالاضافة الى مليارات الدولارات التي قام بتهريبها اركان النظام السابق قبل سقوط النظام عام 2003 والتي تقدرها بعض الاوساط بحوالي 180 مليار دولار مما يستدعي النظر في كافة الحلول الممكنة لاستعادة ثروات الشعب المنهوبة ومن اجل ان لايمنح الفاسدون الفرصة للتمتع باموال السحت التي اقتطعوها من رغيف خبز الفقراء . ومن تلك الحلول تفعيل نصوص اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد . والتي نصت في المادة 3 منها على ” 1- تنطبق هذه الاتفاقية، وفقا لأحكامها، على منع الفساد والتحري عنه وملاحقــة مرتكبيه، وعلى تجميد وحجز وإرجاع العائدات المتأتية من الأفعال المجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية.  2. لأغراض تنفيذ هذه الاتفاقية، ليس ضروريا أن تكون الجرائم المبيّنة فيها قد ألحقت ضررا أو أذى بأملاك الدولة، باستثناء ما تنص عليه خلافا لذلك”.
الزمت المادة 31 من الاتفاقية كل دولة طرف فى المعاهدة متى طلب منها ذلك وإلى أقصى مدى ممكن ضمن نطاق نظامها القانوني الداخلي، اتخاذ ما قد يلزم من تدابير للتمكين من مصادرة الاموال التاليه :
أ‌. العائدات الإجرامية المتأتية من أفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية، أو ممتلكات تعادل قيمتها قيمة تلك العائدات.
ب‌. الممتلكات أو المعدات أو الأدوات الأخرى التي استُخدمت أو كانت معدّة للاستخدام في ارتكاب أفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية.
كما الزمت نفس المادة الدول الاطراف في المعاهدة بان تتخذ ما قد يلزم من تدابير للتمكين من كشف أي من الأشياء المشار إليها في اعلاه أو اقتفاء أثره أو تجميده أو حجزه، لغرض مصادرته في نهاية المطاف.و إذا حُوّلت هذه العائدات الإجرامية إلى ممتلكات أخرى أو بدلت بها، جزئيا أو كليا، إذا خُلطت هذه العائدات الإجرامية بممتلكات اكتُسبت من مصادر مشروعة، وجب إخضاع تلك الممتلكات للمصادرة في حدود القيمة المقدّرة للعائدات المخلوطة، مع عدم المساس بأي صلاحيات تتعلق بتجميدها أو حجزها. وتؤكد الاتفاقية على ان كل دولة طرف فيها تكون ملزمة بان تقوم محاكمها أو سلطاتها المختصة الأخرى باصدار اوامر بإتاحة السجلات المصرفية أو المالية أو التجارية أو بحجزها. ولا يجوز للدولة الطرف أن ترفض الامتثال لذلك بحجة السرية المصرفية.
ان النظر في نصوص تلك الاتفاقية يقودنا بسرعة الى ماتضمنه الفصل الرابع خاص باليات التعاون الدولي والذي ضم ثمان مواد ( 43 – 50)، تحددت فيها بالتفصيل إجراءات وشروط التعاون بين الدول الأطراف، وتسليم المجرمين ونقل الأشخاص المحكوم عليهم، والمساعدة القانونية المتبادلة، ونقل الإجراءات الجنائية، والتعاون في مجال إنفاذ القانون، والتحقيقات المشتركة، وأساليب التحري الخاص.والفصل الخامس الذي يتحدث عن اليات استرداد الموجودات والذي يضم 9 مواد (51–59) ، أوضحت بالتفصيل ضوابط والتزامات الدول الأطراف في مجالات: منع وكشف حالة العائدات المتأتية من الجريمة، وتدابير الاسترداد المباشر للممتلكات، وآليات استرداد الممتلكات من خلال التعاون الدولي في مجال المصادرة،والتعاون الدولي لأغراض المصادرة, والتعاون الخاص، وإرجاع الموجودات والتصرف فيها، وإنشاء وحدة معلومات استخبارية مالية، وإمكانية إبرام اتفاقات وترتيبات ثنائية ومتعددة الأطراف.
تناولت المواد 54 و55 و57 من الاتفاقية أحكام وسبل استرداد الاموال المنهوبة والمهربة الى خارج البلد . حيث بينت المادة 54 من الاتفاقية ان الدولة التي ترغب باسترداد اموالها المنهوبة والمهربة الى الخارج اتخاذ الاجراءات والتدابير القضائية ومن خلال الاجهزة القضائية فقط لحجز ممتلكات الاشخاص الذين ترغب باسترداد ماقاموا بتهربيه من اموال الى الخارج لوجود اتهام جنائي عن جرائم فساد مع التاكيد على ان يكون قرار الحجز قد صدر عن محكمة اعتيادية اي يستثنى من ذلك القرارات والاجراءات القضائية التي تتخذها المحاكم الخاصة والتي لاتتعتبر جزء من النظام القضائي الاعتيادي للبلد .و يجب أن يكون هناك فى التحقيقات ما يوفر أساس واعتقاد لدى الدولة المطلوب منها تجميد أرصدة وممتلكات من يخضع للمحاكمة عن جرائم فساد ما يطمئن تلك الدولة بأن اكتساب تلك الأموال قد تم  بطرق غير مشروعه‏، و.‏بأن تلك الممتلكات ستخضع في نهاية المطاف لأمر المصادرة إنتظارا لإعادتها الى الدولة التي تطلب استرداد تلك الاموال بعد صدور أحكام قضائية بالمصادرة.
بعد استكمال تلك الاجراءات تقوم الدولة الطالبة للاسترداد بمخاطبة الدول التى لديها تلك الأموال بموجب طلبات مرفقة بمستندات تضم ما تم من تحقيقات وأدلة مادية تؤكد بأن الأموال التى لديها باسم ذلك الشخص رهن المحاكمة هى أموال اكتسبت بطرق غير شرعية ووليدة جرائم فساد.
  وفقا لنص المادة 55 من الاتفاقية يتعين على الدولة المطلوب منها التحفظ على تلك الاموال التى لديها باسم الشخص رهن المحاكمة فى جرائم فساد  بالكشف عن الأموال أو الممتلكات التى باسم الشخص محل طلب التحفظ واقتفاء أثرها وتجميدها أو حجزها، بغرض مصادرتها في نهاية المطاف بأمر صادر إما عن الدولة الطرف الطالبة وإما عن الدولة الطرف متلقية الطلب . ويتم اتخاذ تلك الإجراءات وفقا لأحكام قانونها الداخلي وقواعدها الإجرائية أو أي اتفاق أو ترتيب ثنائي أو متعدد الأطراف قد تكون ملتزمة به تجاه الدولة  الطالبة ورهنا بتلك الأحكام والقواعد أو ذلك الاتفاق أو الترتيب .ويجوز للدولة متلقية الطب رفض التعاون أو إلغاء التدابير المؤقتة إذا لم تتلق تلك الدولة  أدلة كافية أو في حينها أو إذا كانت الممتلكات ذات قيمة لا يعتد بها.
 
تم تخصيص المادة 57من الاتفاقية  لشرح الاليات التي يجب على الدول الطالبة للاستردا اتباعها لمخاطبة الدول المطلوب منها الاسترداد حيث يتعين أن تقوم الدولة بإرسال طلب إلى الدول التى لديها الأموال المتحصلة من جرائم فساد مرفق به الحكم القضائى النهائى المسبب والمشفوع بالمستندات التى تؤكد كون تلك الأموال تم الحصول عليها من جرائم فساد الصادر وأن ملكيتها ثابته لتلك الممتلكات المصادرة ، ويكفى حسب قانون الدول المطلوب منها اعادة الاموال أن تعترف بالضرر الذي لحق بالدولة الطالبة كأساس لإرجاع الممتلكات المصادرة؛بمصادرة تلك الأموال وإعادتها للدولة
 تقوم الدول المطلوب منها اعادة تلك الأموال بإرجاع الممتلكات المصادرة، وفقا لأحكام هذه اتفاقية الامم المتحدة لمحاربة الفساد ، ومع مراعاة حقوق الأطراف الثالثة الحسنة النيّة. يجوز للدولة الطرف متلقية الطلب، عند الاقتضاء، ما لم تقرر الدول الأطراف خلاف ذلك، أن تقتطع نفقات معقولة تكبدتها في عمليات التحقيق أو الملاحقة أو الإجراءات القضائية المفضية إلى إرجاع الممتلكات المصادرة أو أن تتصرف فيها بمقتضى هذه المادة.
  في حالة رفض احدى الدول اعادة الاموال المهربة لديها والمتحصلة عن جرائم الفساد بالرغم من اتباع كافة الطرق التي نصت عليها الاتفاقية فيتم اتباع الخطوات التي نصت عليها المادة 66 من الاتفاقية والتي تبدا باللجوء اولا الى امفاوضات المباشرة بين الدولتين ، فإذا لم يثمر التفاوض عن شيء أو تعذر اتمام التفاوض جاز اللجوء الى التحكيم الدولى على أن ينتهى خلال ستة أشهر.فإذا تعذر ذلك أيضا جاز اللجوء الى محكمة العدل الدولية باحالة النزاع اليها بطلب يقدم وفقا للنظام الأساسي للمحكمة.
وختاما يجب ان نشير الى ان الاتفاقية اعلاه هي بالفعل سلاحاً فعالاً في مكافحة الفساد بأنواعه، لكن مالم يترافق ذلك مع الإرادة والمصداقية وتطوير القدرات والتشريعات والآليات, فان فعالية ذلك السلاح تكون محدودة . والدور الاساسي والجوهري يقع على عاتق الدول المتضررة من الفساد, والتي اصبحت طرفاً في تلك الاتفاقيات والمبادرات, هي المعنية المباشرة بانجاح هذا الدور،وهي الملزمة بوضع التشريعات اللازمة لمحاربة الفساد، كما هي ملزمة باستحداث وإصلاح المؤسسات التي ينبغي أن تتصدر وتتحمل المسئولية المباشرة في عملية مكافحة الفساد.