23 ديسمبر، 2024 11:00 ص

اتحاد ادباء روسيا يعقد مؤتمره الرابع عشر

اتحاد ادباء روسيا يعقد مؤتمره الرابع عشر

اتحاد ادباء روسيا هو الوريث الشرعي لاتحاد الادباء السوفيت, الذي تأسس عام 1934 برعاية مباشرة من قبل ستالين وباشراف مكسيم غوركي ومساهمته في تفاصيله كافة,والذي اصبح اول رئيس له , وبقي في موقعه هذا الى حين وفاته عام 1936, وقد أشار بعض الادباء الروس المضادين لهذا الاتحاد الى هذه الوقائع في محاولة للتقليل من اهميتة ومنالمؤتمر الرابع عشر له باعتباره يرتبط بمرحلة تاريخية مضت وانتهت الى غير رجعة, بينما أشار المؤيدون لهذا المؤتمر الى نفس تلك الوقائع بفخر واعتزاز كبيرين , مؤكدين انه يجسد تاريخ روسيا الحديثة باحداثها المتسلسلة والمترابطة بعضها بالبعض الآخر, وان روسيا الاتحادية  انبثقت بالذات نتيجة تلك الاحداث واصبحت بالتالي الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي, ولهذا يمكن القول ان الصراع الفكري بين الاتجاهين الرئيسيين في صفوف الادباء الروس لا زال مستعرا وحادا وحيويا رغم مرور اكثر من عشرين سنة على انهيار الاتحاد السوفيتي وتأسيس روسيا الاتحادية بدلا عنه ,وقد أدٌى هذا الصراع الى انشقاق في صفوف الادباء , وبالتالي الى انبثاق الاتحاد الحالي , والذي يحمل اسم روسيا(وليس اتحاد الادباء الروس كما يترجمه البعض ,اذ التأكيد هنا على كلمة  روسيا بالذات  كأسم وليس كصفة ) وتأسيس اتحاد آخر مضاد له, اضافة الى وجود اعداد اخرى من الادباء غير المنتمين الى أيٌ من الاتحادين.
يضم اتحاد ادباء روسيا في الوقت الحاضر 7453 عضوا ويتوزعون في 92 فرعا بمختلف المدن والاقاليم الروسية والجمهوريات الاخرى في اطار روسيا الاتحادية, وقد شارك  في  المؤتمر الرابع عشر 164 مندوبا يمثلون 70 فرعا من تلك الفروع. ابتدأ المؤتمر في القاعة الكبرى بمقر اتحاد ادباء روسيا في موسكو بتاريخ 21 اكتوبر, حيث كان يجلس على المنصة رئيس الاتحاد الكاتب الروسي المعروف فيتالي غانيجيف والذي يشغل هذا الموقع منذ عام 1994 ومعه مجموعة من اعضاء الهيئة الادارية للاتحاد, وقد جرى الحديث عن التحضيرات التي اتخذها الاتحاد بشأن انعقاد المؤتمر الرابع عشر , وعرض بعض الادباء آراء فروعهم ومقترحاتهم, وفي نهاية الجلسة أعلن  غانيجيف عن قرار الاتحاد بمنح عضوية الشرف ( للمواطن العراقي د. ضياء نافع  تقديرا لجهوده وبحوثه في مجال الادب الروسي في العراق والعالم العربي ) وبعد ان قرأ عناوين بعض مقالاتي الاخيرة عن الادب الروسي دعاني لاستلام الهوية الخاصة باعضاء الشرف , وهكذا صعدت الى المنصة واستلمت منه الهوية وسط تصفيق من قبل الحاضرين وقدمت كلمة شكرت فيها الاتحاد وقيادته على هذه المبادرة واعتبرتها تكريما رمزيا من جانب روسيا  لكل زملائي الباحثين العراقيين الاحياء والراحلين في مجال الادب الروسي, وكذلك لكل زملائي التدريسيين في قسم اللغة الروسية بكلية اللغاتفي جامعة بغداد, وقد احاطني الادباء الروس بعد ذلك وقدموا التهاني لي وتحدثوا عن تعاطفهم مع العراق وشعبه,وقال لي احدهم انه بكى عندما شاهد كيف كان الامريكان يقصفون بغداد, وهكذا انتهت الجلسة الاولى للمؤتمر, وانتقل الحاضرون بالباصات الى مدينة كالوغا وبدعوة من محافظ المدينة,واستمرت اعمال المؤتمر هناك الى غاية 24 من الشهر نفسه, حيث استضافت المحافظة كل اعضاء المؤتمر وتحملت كافةنفقاته من سكن وضيافة وجلسات وجولات في ارجاء تلك المحافظة الروسية العريقة. وصلنا الى مدينة كالوغا بعد ثلاث ساعات تقريبا في طريق ساحر وملئ بالغابات الروسية المدهشة الجمال وهي ترفل ببقايا اوراق الصيف الخضراء و تعانقها و تحيطها من كل الجوانب اوراق الخريف الذهبية , وبعد استقرارنا في الفندق بدأنا بالتعارف فيما بيننا, خصوصا بالنسبة لي, اذ اني أشارك للمرة الاولى في مؤتمر اتحاد ادباء روسيا.كان معي مندوب اتحاد ادباء الصين البروفيسور جين غوانيوسوان – عميد معهد كونفيشيوس التابع لجامعة موسكو وعميد كلية اللغة الروسية سابقا في جامعة بكين , وكان الحديث معه ممتعا ومتشعبا ويقتضي ان اكتب عنه مقالة خاصة. التقيت بعض الاصدقاء الذين تعرفت اليهم في داغستان اثناء الاحتفالات بتسعينية رسول حمزاتوف قبل فترة, ومنهم نيقولاي لوغينوف من ياكوتيا, وقلت له اني كتبت بعض الكلمات عنه في مقالتي عن تلك الاحتفالية, وكيف ان بعض القراء اهتموا بروايته عن جنكيز خان ومنهم الكاتب المصري الدكتور احمد الخميسي, فقال انه سيكون سعيدا اذا صدرت هذه الرواية بالعربية والتي كتبها على مدى عشرين سنة وانه مستعد للتعاون مع المترجمين العرب حول ذلك , فابتسمت انا وقلت له ان الرأي السائد عن جنكيز خان عند القراء العرب غير ايجابي, ولكن من الممكن طرح الموضوع ومناقشته والتفكيربشأنه, خصوصا وان هناك بعض المؤرخين العرب قد تحدثوا في الفترة الاخيرة عن دوره كمؤسسلدولته . التقيت ايضا برئيس اتحاد ادباء داغستان محمد أحمدوف وتحدثنا عن مقترحي بشأن التمثال النصفي لرسول حمزاتوف في بغداد, وقلت له ان الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية أيدت المقترح و تبذل جهودها في بغداد لتنفيذ ذلك وانني احلم ان أرى تمثال حمزاتوف في بغداد وتمثال الجواهري في داغستان, وارجو ان يتحقق هذا الحلم مثلما تحقق حلمي قبل سنوات بشأن  تمثال بوشكين في بغداد وتمثال الجواهري في روسيا . وتحدثت طويلا مع مسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد ادباء روسيا أليغ مترافانوفيتش بافيكين , وقلت له اننا نخطط لاصدار سلسلة من الكتيبات بعنوان – ( اعلام الثقافة في العراق المعاصر ) باللغة الروسية لافتقار المكتبة الروسية لمثل هذه المصادر, ونريد ان نبتدأ بجواد سليم وهناك اسماء محددة اخرى مثل الرصافي والزهاوي وعلي الوردي وجواد علي وانستاس الكرملي وغيرهم , وسألته هل يمكن ان نؤسس جمعية أصدقاء العراق في اطار اتحاد ادباء روسيا  لرعاية هذا المشروع الثقافي؟ وقد تقبٌل هذه الفكرة بترحاب, وعرضناها  معا على رئيس الاتحاد فأيدها ايضا, وهكذا تحدثنا مع حوالي 15 شخصية في المؤتمر وكلهم أبدوا استعدادهم في المساهمة بذلك, وتحتاج هذه الخطوة الآن الى مناقشتها و بلورتها ورعايتها كي تظهر الى الوجود.
تم في اليوم التالي الافتتاح الرسمي للمؤتمر في القاعة الكبرى في مدينة كالوغاوسط أجواء احتفالية فخمة, وكان هناك شعار كبير وملون معلق فوق المنصة هذا نصه – ( مهرجان الادب/ / المؤتمر الرابع عشر // اتحاد ادباء روسيا ) وبعد ان عزف النشيد الوطني الروسي تحدث فاليري غانيجيف رئيس الاتحاد قائلا, ان جلسات المؤتمر الرابع عشر تستمر بالانعقاد في واحدة من مدن روسيا العريقة, واعطى الكلمة للمحافظ , الذي ارتجل كلمة قصيرة و معبٌرة أشار فيها الى اعتزازه بانعقاد مؤتمر ادباء روسيا لاول مرة في هذه المدينة, وقال ان ( الادباء يكتبون كلمات خالدة ) في تاريخ الامة, وفي هذه الكلمات تكمن اهميتهم , وبعد انتهاء كلمته اهدى رئيس الاتحاد له كتابا ضخما عن شولوخوف أنجزه اتحاد الادباء , ويضم كل الوثائق المرتبطة بحياة ذلك الكاتب الروسي الكبير, ثم تكلم ممثٌل الكنيسة الارثذوكسية في المدينة , و استشهد بالجملة الشهيرة من الكتاب المقدس – في البدء كانت الكلمة, وانطلق من هذا القول الى الحديث عن اللغة وآدابها والقيم السامية المرتبطة بها, وقد علٌق رئيس الاتحاد قائلا , ان اللغة الروسية بالنسبة لنا هي – ( الطعام ) الذي أعدٌه لنا بوشكين وغوغول وتولستوي وتشيخوف وصولا الى ادباء الحاضر , وتوقف عند الكاتب المعاصر راسبوتين, الذي ذكر انه كان مرشحا لجائزة نوبل للاداب ولكنهم لم يمنحونها له لانه لا يتناغم مع متطلباتهم باعتباره يجسٌد ( أدب الروحانية الروسية النقية ). في جلسة المساء ناقش المؤتمر قضايا تنظيمية مثل موضوع دعم الاتحاد وتمويله من قبل الحكومة المركزية والعلاقة مع وزارة الثقافة وهي مشاكل تذكٌر الى حد ما بما يمر به اتحاد الادباء عندنا في العراق , وكان جو المناقشات ديمقراطيا جدا وتخضع كل النقاط للتصويت , واخيرا جرت الانتخابات واعيد انتخاب الرئيس فاليري غانيجيف, وتم انتخاب مجموعة كبيرة( وفي معظم المحافظات) بعنوان – رئيس  مرادف او مناظر ( ان صحٌت الترجمة ), وهم يمتلكون صلاحيات الرئيس تقريبا في مناطقهم, وهو موقع اداري يختلف عن تسمية نائب الرئيس وصلاحياته,ويعتبر اعلى منه, ويمكن القول انه بمثابة  نظام اداري لا مركزي .
تم تكريس اليوم الثالث لزيارات الادباء الى مختلف المؤسسات الموجودة في المدينة وضواحيها للتعرف عليها والحوار المباشر مع العاملين فيها , وقد  كنت مع المجموعة التي زارت مدينة بوروفسك التاريخية,والتي قضى فيها نابليون ليلة واحدة واصدرمن هناك  اوامره الى جيشه بالانسحاب من روسيا بعد اندحار هذا الجيش في هجومه على روسيا عام 1812, وزرنا معالم تلك المدينة الروسية الصغيرة الجميلة ومتحفها الانيق الذي استقبلنا على الطريقة الروسية بالخبز والملح, وتناولنا طعام الغداء البسيط في مطعم دير قديم تم تشييده في القرن السابع عشر, واختتمنا تلك الزيارة بلقاء مع القراء, حيث القى الشعراء بعض قصائدهم وتحدث الادباء عن نتاجاتهم واجابوا عن الاسئلة الكثيرة التي طرحها الحاضرون بجو ملئ بالود والحميمية. في اليوم الرابع غادرنا المدينة وزرنا في طريق عودتنا الدير الروسي الشهير  ( اوبتينا بوستين), والذي يحتوي على العديد من الكنائس القديمة بنواقيسها وطقوسها , وهو الدير الذي زاره غوغول عدة مرات, والذي اراد تولستوي ان يصل اليه عندما هرب من بيته ولكنه توفي في الطريق ولم يستطع الوصول اليه, ويعد هذا الدير الان واحدا من اهم المراكز الارثذوكسية في روسيا, وواحدا من اهم معالم  روسيا التاريخية.