منذ بداية ظهور الدول.. ظهرت إدارة الأزمات من خلال فن التفاوض.. ولتوضيح الواضحات في هذا المجال لاسيما والعراق يمضي قدما في خوص غمار مفاوضات مفصلية في مستقبله السياسي، أورد نموذجين، الأول، في إحدى الروايات التاريخية.. ان أحد الأمراء العرب ارسل فارسا وشاعرا لنقل رسالة حساسة إلى امبراطور جائر.. فطلب ان يتحدث الشاعر اولا فإذا كان الرد غير ما ينتظر.. يرد عليه الفارس.
مضمون ذلك.. جسده النموذج الثاني في كتاب الوجيز في الحرب للبروسي الجنرال كارل فون كلاتوفيتز.. ان الحرب نتيجة فشل السياسة في التوصل إلى تسويات مطلوبة.. وبعد الحرب تعود طاولة التفاوض لمعالجة ذات الفشل بلغة المنتصر والمهزوم على الأرض.
تطبيق كلا النموذجين على وضع اللجنة العسكرية الأمريكية العراقية التي بدأت أعمالها في اب ٢٠٢٣ وهي تعاود هذه الأيام جلسات عملها.. تواجه عدة حقائق أبرزها:
اولا: ليس هناك منتصرا ومهزوما في أرض المعركة بل هناك تحالفا قاد احتلال العراق واليوم مطلوب ان تغادر قوات هذا الاحتلال الأراضي العراقية…السؤال.. إذا انتهت مهمة قوات الاحتلال في تكوين نظام مفاسد المحاصصة.. هل انتهت مهماته وفق معايير ذات دول الاحتلال؟؟
الجواب الموضوعي هناك ذيولا وتشعبات على طاولة المفاوضات، سواء في ذلك البحث الفاشل عن أسلحة دمار غير موجودة انتهت بتغيير النظام ، او في الحرب على الإرهاب الداعشي التي انتهت بمعادلة اما دخول العراق في معدلة احد طرفي الحرب الإقليمية اليوم وتمثله ايران بما جعل الأراضي العراقية ميدانا لتصفية الحساب مع الطرف الثاني في معادلة الحرب متمثلا في المشروع الصهيوني للشرف الأوسط الجديد، بما يجعل تكرار استنجاد العراق بالقوات ذاتها لمحاربة الصفحة التالية من الإرهاب الداعشي !!
ثانيا :في أكثر من متابعة اعلامية عن مراحل التفاوض وصولا إلى اتفاقيات الإطار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد.. كانت رغبة الشاعر في أحزاب عراقية تخالف رغبة الفارس في أحزاب عراقية أخرى.. يبدو ان هذا الحال ما زال كما كان.. يتكرر السؤال عن أهمية تقديم المخالف لإظهار عزمه في خروج قوات الاحتلال التي ربما ترى فيها أحزاب عراقية ضمانة استمرار نظام المحاصصة وربما تكون المرحلة المقبلة بلا ضمانات والاحزاب الكردية أبرز هؤلاء ثم بعدهم أحزاب المناطق شمال غرب العراق التي ربما توافق شرط التحول إلى نظام كونفدرالي، من دون ان تكون لتغريدات هذا او ذاك من القيادات الكردية لعل أبرزها تغريدة رئيس الإقليم نجيرفان برزاني تمضي بهذا الاتجاه.!!
ثالثا: هناك من يشدد على ان قصف المعسكرات التي تستضيف فيها الحكومة العراقية قوات اجنبية عامل الضغط الابرز.. وانهم فرسان الأرض في إجبار واشنطن لسحب قواتها من العراق.. فيما هناك من يؤشر إلى أن بقاء قيادة الحرس الثوري لإدارة عمليات اجنحتها المسلحة في العراق وسوريا ولبنان وحتى اليمن عامل ضعف عراقي يمكن أن ينال منه المفاوض الأمريكي بسهولة.. ومطلوب توجه ذات الفارس إلى طهران وقم لإلغاء وجود او نفوذ فيلق القدس في العراق.. فكما مطلوب خروج قوات الاحتلال بقيادة واشنطن.. مطلوب أيضا خروج نهائي الوجود الإيراني ونفوذ الحرس الثوري في العراق…السؤال هل يمكن تحقيق ذلك؟؟ .. الشاعر ام الفارس استطاعته انجاز هذه المهمة؟؟
رابعا: من أولويات فن التفاوض.. الصمت الإعلامي باتفاق الطرفين.. لكن يبدو من التغريدات والبيانات متعددة الأطراف قد خلقت صخب الفوضى.. فهناك من يعتبر الموقف الأمريكي يمضي نحو استدامة الشراكة الشاملة.. بما في ذلك الشراكة العسكرية في عناوين بديلة كما سبق وان فعلت سلطة الانتداب البريطانية مطلع القرن الماضي.. مقابل انتشار واسع ان اية هدنة لأغراض التفاوض لن تكون الا الانسحاب الشامل.. وشتان بين كلا الحالين!!
وتكرار ذلك وفق خارطة مصالح الانتخابات الرئاسية الامريكية وتنافس الحزبين الجمهوري والديمقراطي على كسب ود الناخب بمغادرة مناطق مكلفة انتخابيا، فيما تبقى الاساطيل والقواعد التي يزيد عداد قواتها المجوقلة على 80 ألف مقاتل امريكي محيطة بالعراق احاطة السوار بالمعصم.
ما بين هذا وذاك، لابد من ظهور الاتفاق الوطني العراقي وتحديد سياقات واضحة لصلاحيات اعلان الحرب وعقد اتفاقات السلام، نعم، مازالت هناك اشباحا في الدولة العميقة والدولة الموازية بكل منها أذرعها على طاولة المفاوضات للتحدث عن مصالح دولا إقليمية وليس في صميم المصالح العراقية وتلك معضلة يحملها المسؤول العراقي على كاهله امام المفاوض الأمريكي.
كل الامنيات للمفاوض العراقي المحترف بمهنية عالية ان يتعامل مع منهج واضح لعراق واحد وطن الجميع لعل وعسى تنتهي طاولة المفاوضات الى حلول بلا صخب الفوضى ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!