23 ديسمبر، 2024 9:35 ص

ابو شمسية الألماني

ابو شمسية الألماني

أن تنتقد لأجل الاصلاح شيء وأن تنتقد لغرض السخرية والضحك شيء آخر. هناك الكثير من السلبيات والتناقضات في المجتمع بل انه مجتمع متخلف في كافة المعايير. وكنت أتمنى على منتقدينا أن يقوموا من خلال نقدهم بتشخيص مواقع الخلل والأخطاء ومن ثم طرح الأفكار التي تساعد على تقويم تلك الأخطاء والمساهمة في اصلاح وبناء المجتمع. لكنه من المحزن أن يقوم المنتقدون بدلا من ذلك برصد بعض الحالات الشاذة لغرض السخرية وامتاع القراء . والأنكى من ذلك أن يكون هؤلاء من المحسوبين علينا الا اذا تنكر واحدهم لأصله وما أكثرهم.
بعد سقوط الطاغية أطل علينا المغتربون بوجوههم الكالحة علينا. وكان هناك صنفان منهم. الصنف الأول هم الذين جاءوا لغرض نهب ما يمكن نهبه تاركين عوائلهم في أمان واستقرار بعيدا عن المخاطر وتردي الخدمات واذا حانت ساعة الرحيل ركبوا الجمل بما حمل مخلفين وراءهم آثار فسادهم ليدفع ثمنه الشعب الجائع وليؤمنوا لهم ولأولادهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم العيش الرغيد. والصنف الثاني هم الذين يقومون بزيارات خاطفة لبلدهم سابقا ليوجهوا لساكنيه أرخص أنواع التهكم والسخرية باعتبار أنهم قد ترقوا الى مستويات أعلى ونهلوا من منجزات الحضارة الحديثة .
الصنف الأول مؤلم وقاسي أما الصنف الثاني فهو بشع ومزعج وأكثر ايلاما من الصنف الأول. فالرجال أصحاب الأرادات القوية لاتهمهم خسارة الأموال والعقارات بل وحتى الأولاد لكن عند الشماتة تنهار أصلب الارادات. لقد خسرنا في حياتنا الكثير ولسنا أخيرا في حاجة الى من يوجه لنا سهام نقده اللاذع  لغرض الضحك والتسلية. لاتعوزنا الشماتة  لتزيد فوق مصائبنا مصائب آخرى. لكني أسأل أصحاب الصنفين لم لم تمارسوا نشاطاتكم أيام الطاغية ؟ وقت أن كانت فرائصكم ترتعد بمجرد ذكر اسمه . وأريد أن أسأل أبو شمسية ( أو أبا شمسية على الأصح ) ان كنت مهتما بانتقاد المجتمع العراقي فلم لايكون غرضك الاصلاح بدلا من السخرية ان كان يهمك أمره؟. وان كان لايهمك أمره فلم لاتترك العراقيين وشأنهم؟. ثم ان كنت لا هم لك سوى انتقاد العراقيين فلم لاتنتقد العراقيين المغتربين أم أنهم بنظرك فئة مثقفة وأصحاب تمدن ورقي؟ وأنت قبل غيرك تعلم الفظائع التي ارتكبها العراقيون المغتربون مثل ذاك الذي يطلق زوجته أمام المحاكم ويعاشرها سرا باعتبارها امرأته لغرض الحصول على عوائد مادية ضخمة , وذاك الذي يدعي أنه عاطل عن العمل لغرض الحصول على المعونة في الوقت الذي يمتلك فيه متجرا أو معملا يدر عليه الربح الوفير, أو ذاك الذي يدعي المرض للحصول على معونات اضافية أو تلك الأعمال الهمجية والتخريبية التي يمارسها المغتربون في الشوارع كادخال عتلة في التلفون العمومي لتشغيله والقيام باجراء اتصال خارجي وغيرها من الأعمال التي سودت وجوه العراقيين أكثر من تلك الأعمال التي يقوم بها العراقيون في الداخل. وأريد أن أسألك من هو الأخطر على المجتمع الشرطي الذي لايعرف متى يبدأ الدوام أم من نهب قوت أبناء جلدته وتركهم تحت رحمة الجوع والفاقة والمرض ليقوم الآن بمحاولة لشراء ناد رياضي بمبالغ خيالية ؟
واذا كان العراقيون لديهم أخطاء وسلبيات كثيرة فهذا لايعني أن بقية الشعوب معصومة من الخطأ. ولو رجعنا الى ديننا الحنيف لوجدنا ما يؤكد ذلك. فقد جاء في الحديث الشريف ” كل بني آدم خطاؤون “. لكل مجتمع أخطاؤه لا فرق في ذلك بين العراقي والألماني والأمريكي, لكن تلك الأخطاء تختلف في مظهرها ومحتواها بين مجتمع وآخر, ولها في كل مجتمع  لونها الخاص ونكهتها الخاصة. واذا كانت مسألة عدم احتماء الشخص العراقي من الأمطار خطيئة ومدعاة للسخرية في نظر أبو شمسية ( أو أبي شمسية على الأصح ) , فهي أهون بكثير في نظري من مسألة أن يتقاسم رجل وامرأة العيش لسنوات تحت سقف واحد ويعاشرها معاشرة الأزواج دون أن تربطه بها رابطة الزوجية .  لكن أبو شمسية ( أو أبا شمسية على الأصح ) له رأيه الخاص وهو ان العراقيين وحدهم لهم أخطاؤهم وهم لهذا السبب يستحقون السخرية والضحك عليهم دون غيرهم.
لقد تعاطف الغرباء معنا تعاطفا حقيقيا ولم يظهر المغتربون  أدنى شعور بالشفقة على هذا الشعب في الوقت الذي يشهد فيه القتل بكافة أنواعه يوميا وبالجملة وفي الوقت الذي يعاني فيه خمسه من العوز والجوع والحرمان.
وأخيرا أوجه السؤال التالي الى ابو شمسية : نحن في شهر رمضان الفضيل شهر الرحمة والمغفرة , فهل تضرعت الى ربك أن يرفع عن هذا الشعب هذا البلاء الذي هو فيه ؟ هل فكرت على الأقل أن تكتب كلمة توجهها الى الشعب البائس لمباركته والدعاء له في هذا الشهر؟ من المؤكد لا طالما أنت مشغول بهذه التهكمات وهذه الترهات التي تؤرقك والتي تسميها السخرية من هذا الشعب المسكين.