23 نوفمبر، 2024 12:27 ص
Search
Close this search box.

ابو خليل بسطاّل السلطة ……!

ابو خليل بسطاّل السلطة ……!

ترافق لقب (ابو خليل ) مع الجندي العراقي ، ومازلت أجهل دلالة ان يلصق هذا اللقب بالجندي ، لكن (ابو خليل ) كان يحضر في عمل سدود الأنهر حين تفيض بموسم الربيع وحماية الناس من الغرق ، وأيضا ًكان عنوانا ً للشهامة ومساعدة المحتاج واعتقد انه منح صفة الأبوة ل خليل إنطلاقا ً من ذلك .
 
   صورة اخرى مازالت ماكثة في الذاكرة ، كان الشاب يركض بسرعة فائقة ، وخلفه إثنان بملابس الإنضباط العسكري واوشحتهم الحمراء، يركضان شاهرين مسدسيهما   يطلقان منه عيارات في الهواء ويصرخان (أوكف جبان ) … فلت الشاب ، وتوسد رجل الإنضباط رصيف الشارع لاهثا َ،وشاعت في أزقة الناصرية حكاية ( الفراري) اي الرجل الجبان الهارب ، وحين كبرنا عرفنا أنه أشجع من السلطة والإنضباط وقرارات السجن والإعدام .
 
  داخل غرفة التحقيق في سجن الشعبة الخامسة ، سألني ضابط التحقيق ؛  انت شيوعي أم خميني ..؟
 قلت له ؛ لاهذا ولاذاك ..! قال لماذا تهرب من الجبهة ياجبان وكيف تساعد الآخرين على الهروب وتزور لهم الهويات، أنت تسحب مقاتلين من الجبهة  ياكلب ياخائن ..؟ 
 هل أقول له شاركت بالحرب ثلاث سنوات بلا معنى … وهربت لملاقات حريتي ..؟ وهل يعي ذلك ..؟ كنت صامتا ًتغطيني موجة سباب ولكمات لتحطيم جسدي  .
 
  وقتها كانت الحرب العراقية الإيرانية في عامها السابع ، وقد تغير اسم (ابو خليل ) الى (ابو تحرير ) ..! رغم انه لم يحرر شيئا ً إنما كان حطبا ً لوقود حرب بلا معنى ، تافهة ، خيضت بسبب تعنت شخصي وبروز طائفية وعداء نفسي، وليس ضرورات استراتيجية أو دوافع أخلاقية أو وطنية ، كانت حرب نزق السلطة وقيادتها الفاشية  لقطعان بشر مستسلمة للذبح..!
 مايؤكد تفاهة تلك الحرب أنها أنتهت في نفس نقطة بدايتها مع التستّر بآي من القرآن الكريم ..” فأذا الذي بينك وبينه عداوة  كأنه ولي حميم …!
 
  كان الجندي لايتعدى كونه بسطالا ً ترتديه الأنظمة المتعاقبة للحفاظ على سلطتها ومكافحة الشعب إن اضطرت لذلك ، حدث هذا مع محيء الأنظمة الإشتراكية والثورية والقومية واخيرا ًحكومة أحزاب الإسلام السياسي ، زج به في حروب ضد مدن شمال العراق كردستان وكذلك في مدن الجنوب ، وأخيرا ً في قمع التظاهرات السلمية 2011في ظل “الديمقراطية ” المتفسخة بالفساد الأخلاقي والمالي والإداري .
 
  سنين طوال يحاول أبناء الجنوب وفقراء العراق ترميم جوعهم وشجاعتهم بالتطوع في الجيش حتى غدت مدن مثل الناصرية تكنى بمدينة ( المليون عريف ) ..!
 المدينة التي انجبت يوسف سلمان (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ، و فؤاد الركابي مؤسس حزب البعث ، وأجيال من الشعراء والفنانين والمبدعين والثوار ..!
 
   ابو خليل أو ابو تحرير … أرقام يتداولها الضباط الأجلاف بعجرفة وتعالي ، جثث متروكة في ساحات القتال ،ضحايا مجهولي الهوية ، طاقات من شجاعة تمتصها أوسمة تعلق لقادة الجيش المتكرشين ، وساعات طوال من البكاء الخفي في ملاجيء تجمعهم مع العقارب والأفاعي ، ايام من الرعب من عصاة الجبل أو الدب والذئب وماتخفي الجبال والوديان من وسائل دفاع عن بكارتها وطهارتها .
 
  لكل عراقي حيز من ذاكرة الخدمة الإلزامية محرقة سنين العمر وبهجته ، خسارات هائلة عشناها وضياع زمن وأحلام وثروات حتى بلغ الوطن مهب الريح .. كلها ضرائب تنتزع من روح الجندي العراقي … كل صور الخيبة والأحزان  في زمن بالغ اليأس والمرارة ، تكاد لاتعادل يوم من خيبة فقدان الموصل ، هذا شعور كل من أمضى ردحا ً من شبابه في الخدمة العسكرية .
 
*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات