ليس مبالغةً وصف العراق بأنه من أكثر الدول فساداً، وقد تجاوز فساد المسؤولين ما متعارف عليه عالمياً، وصار مضرب أمثال في تماديهم بحق المواطن، ويعلنون أن الفساد ظاهرة مجتمعية.
الفساد لم يقتصر على الإستحواذ على المال العام والمشاريع الوهمية والفضائيين؛ بل تجاوز الى تعطيل متعمد لقوانين تخدم المجتمع؟!
الغريب أن للفاسدين أحزاب تحميهم، وتضعهم دائماً في صدارة تشكيل أيّ حكومة؟! ولا تبالي بدفعهم أموال شراء المناصب، وهي تعرف جيداً بأنها مسروقة، لدرجة بات فيها يقيناً؛ أن للفاسدين منهج تخريب؛ أكثر مقدرة من مؤسسات حكومية ينفق عليها نصف موازنات تسمى إنفجارية؟!
أحد عشر عام والعراق يراوح في مكانه، وحالة سبات على الفساد تحيط أجواء صناع قراره، ولا يعلمون أن العالم يتسابق لإرتقاء فنون إدارة الدولة، وتنظيم الحياة بسلاسة دقيقة؛ تبدأ بوضع الحلول من القاعدة وتتجه للقمة، وتبني المدن من الأطراف الى المركز، وتحل مشكلاتها من أرض الواقع بقواعد بيانية، بعيدة عن مركزية القرار.
تبنى مجلس محافظة بابل يوم أمس؛ ما طرحه محافظها العضو في دولة القانون، وأُعلن في مؤتمر صحفي حضره أعضاء البرلمان من المحافظة، وطرحوا بأن تجعل بابل عاصمة تاريخية، لمواجهة التحديات الإقتصادية، وظروف العراق الإستثنائية.
محافظات آخرى طالبت بإنشاء مطار، ومنها من تُريد إعادة معاملها وأرضها للزراعة، وقرى تتمنى عودة أهوارها، ومحافظات يلاحقها الفقر، وإنشغل محافظوها بتبليط شارع المحافظة والأرصفة والنافورات، وهم يلتقطون الصور عند نصب محولة كهربائية؟! كأنها فضل منهم ومنة على المواطن؟!
أرتفعت نسبة ما دون خط الفقر في العام الماضي، وزيادة نسبة الحرمان وعلى التوالي: السماوة، الديوانية، الناصرية العمارة، وبابل مرشحة أن تكون خامساً؟! لكن آخر تقرير في نهاية عام 2014م، كانت ميسان من أكثرها فقراً بنسبة 30% في الأرياف؟! والأرقام التي تذكر أقل بكثير من الحقيقية؟!
ميسان فيها معامل مهمة لإكتفاء العراق ذاتياً من منتوجاتها وهي: معمل السكر، الزيوت، الورق، البيبسي، والديوانية مليوني دونم صالحة للزراعة بحاجة الى تنظيم المياه؟! والناصرية معمل القابلوات والأسلاك والنسيج الصوفي، والسماوة مناجم الملح وأراضي شاسعة، في ثاني أكبر محافظة مساحة وأكثرها فقراً؟! وهكذا البقية، وشجون البصرة يطول شرحها؟!
الحديث عن المطالب؛ جاءت نتيجة تصادم الصلاحيات مع الحكومة المركزية، ومنهم محافظ البصرة السابق خلف عبدالصمد عضو دولة القانون البارز، عن تعطل بناء مستشفى ومجاري أم قصر، يفهم من طيات لم يعلنها، أن بناء المستشفى مثلاً، يحتاج موافقة وزارة الإسكان والإعمار لرصد الأموال، والبلديات للحصول على قطعة الأرض، والصحة لدراسة جدوى المشروع، والكهرباء لتقدير إمكانية توفير الطاقة، والنفط خوفاً من تقاطعه مع أنابيب تملأ أرض البصرة وتطول القائمة الى 42 وزارة؟! وصولاً للتقاطعات السياسية، وإستخدام مطالب الناس كشعارات إنتخابية؟!
مطالب المحافظات، يمكن تبويبها في مشروع قانون يعطيها الصلاحيات، ويسمح لها بإستثمار مواردها وطاقاتها ومخزوناتها.
لا بأس أن تكون بغداد عاصمة سياسية، وبابل عاصمة تاريخية، والنجف عاصمة العالم الإسلامية، وكربلاء عاصمة الأحرار والزيارات الدينية، وذي قارعاصمة ومهد الحضارات، والعمارة عاصمة الأهوار وهكذا، ولا يلومني أحد أن أبدأ من الجنوب؛ لأن إعتقادي بأن البناء يبدأ من الأسفل صعوداً، ولكن على من يتحدث عن جعل المدن عواصم، ولها مطارات وصلاحيات عطلها سابقاً، لماذا يتغافل ويسد أذنيه، ويرفع صوته معترضاً؛ حينما يُطلب أن تكون البصرة عاصمة إقتصادية؟!