أصبحت قضية الموازنة العامة للدولة العراقية الشغل الشاغل للفعاليات السياسية والبرلمانية العراقية , بل ربما أ ُريد لها أن تكون كذلك , لكي تمرر السرقات الواضحة للعيان كما مررت سابقاً مجموعة من الموازنات تكاد تبلغ أرقامها خيالية جداً بالنسبة لخبراء الأقتصاد في كل دول العالم المتقدمة عمراناً وعلماً , ولكن ما يثير التساؤل هو هذا الكم الهائل من التهويل الأعلامي والضجيج السياسي الذي قد أوصل رسالة شبه مفهومة للمواطن البسيط بأن حيتان السرقة سوف تلتهم جزءاً ليس باليسير من ارزاقهم أو مرتباتهم التي يتقاضونها رغم المعاناة والتضييق الذي يلقاه المواطن العراقي و الموظف البسيط الذي تنهال عليه مصائب الدنيا وتطبق على رأسه كل القوانين العراقية وقوانين الدول المجاورة لو تجرأ يوماً و طلب بأن ياخذ اجازة اضطرارية أو أن تجبره الظروف على الغياب ليوم أو يومين ,
ورغم أن خبراء الأقتصاد وصفوا الأزمة الأقتصادية بأنها خانقة أستناداً منهم على أسعار النفط الذي يعتمد عليه كاملاً الأقتصاد العراقي أو تعمداً منهم لتهويل الأزمة أو تمييع سبل تجاوزها وأستغلالها لمنع كل أبواب السرقات والتجاوزات على المال العام الذي ذهب كله وبملياراته لجيوب السراق من المنتفخين وحيتان السياسة والأقتصاد وتجار الدم ,
نعم ياسادتي فلو اردنا حساب قيمة النهب والسرقات للأموال العراقية لكل موازنة سنوية بالنسب المئوية فأننا لا نبالغ لو قلنا أن 50% فقط قد تم الاستفادة منه أو أقل وقد عاد بالنفع للدولة وذلك بتوفير جزء بسيط من متطلبات الحياة من ماء صالح للشرب او كهرباء او مشتقات نفطية او أستثمارات تجارية ما عدا الجانب الأمني والأستثمارات الصناعية والزراعية التي أسرفت فيها مليارات الدولارات بلا نفع أو فائدة ,
فالموضوع لا يمكن أن يقتصر على تركيز حل الازمة في مسألة الادخار الأجباري على الرواتب التي يتقاضاها الموظف العراقي بكافة درجاته الوظيفية وحتى الخاصة منها , بل أن هناك أبواباً عدة يمكن لها أن توفر العديد من المليارات للدولة لو تمكنت من سن قانون يقيد من الصرف العام للأموال التي تخصص لكافة الوزرات والهيئات والمؤسسات العراقية , بحيث ان هناك بدعة عجيبة وغريبة تم اختراعها والعمل بها منذ تاسيس الدولة العراقية الجديدة أو السابقة الا وهي بدعة اللجان التي لا ينفك المسؤول العراقي على العمل على تخصيص أموال خيالية لها من خلال استحداث أبواب صرف شرعية وبحيل قانونية تمكنها من الصرف بدون رقيب وحسيب , بحيث أصبحت العضوية في لجان المشتريات والصرف والتحقيق والتقصي كافة , تباع وتشترى من قبل المدراء والمسؤولين أو من قبل الموظفين الصغار أنفسهم , فلو جئنا لتوضيح الخطوط العريضة فأن هذه اللجان تجهز الدولة بحاجيات وبتكاليف ضعف قيمتها الحقيقية بعدة مرات , فمثلاً أصغر الاشياء ألا وهو صندوق المياه المعقمة فقيمته الحقيقية في السوق هي 1250 دينار بالسعر المفرد و 900 دينار بسعر الجملة هذا ان كان التجهيز من الأسواق التجارية أما تكاليف السفر والرحلات وتكاليف النقل والأكل وأمور اخرى فحدث وبلا حرج فما بالك بالأجهزة والمعدات الكبيرة والمهمة , فأنها تشترى باسعار خيالية مضاعفة تخجل السامع والمتحدث , أما عن ميزانيات الأعمار والأستثمار فما بالكم ببناء مدرسة بثمانية صفوف وأدارة ومجموعة صحية وجدار خارجي وتكلفة بناءها أكثر من مليار وربع المليار دينار عراقي , فيما لو تم بناءها بصورة صحيحة ومن دون أسراف فأن أجمل وأحدث مدرسة بتجهيزات الكترونية مهمة وبوسائل ترفيه راقية لا تكلف النصف مليار دينار ,
أبواب اللغف كبيرة وكثيرة ولا يمكن وصفها أبواب صرف أبداً لأنها سرقات بوضح النهار , لذا فلابد ان ندعو كل من له الأمر ومن يحمله شعوره الوطني ودينه الحقيقي على أغلاق هذه الابواب ومكافحة السراق والمنتفعين والعودة للعراق بالخير والسعادة , فعليه أن يركز في حيثيات الأمور وفي التفاصيل لا أن يؤكز على شيئاً ويترك الاشياء الأخرى على حالها ,