19 ديسمبر، 2024 6:56 ص

ابن تيمية في (السياسة الشرعية)/1

ابن تيمية في (السياسة الشرعية)/1

مقدمة :
    يعتبر ابن تيمية الحراني(661- 728هجرية) أحد أئمة التطرف والمؤسس الاول للمذهب الوهابي ، الذي سار على منهجه وبنى افكاره المذهبية والفقهية والسياسية وغيرها محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية ، المذهب الرسمي للسعودية اليوم ، ولأبن تيمية آراء جريئة على الحكام والخلفاء خالف بيها عدد كبير من الفقهاء ، سواء من الذين عاصروه أو من الذين سبقوه في هذا المعترك ، وإن اغلب آراءه تدعو الى التطرف والعنف ، ولا نستشف منا التسامح والعفو والتغاضي التي يدعو اليها الاسلام ، الامر الذي حدى بأبن يتمية أن يودع السجن ويموت فيه . وما داعش اليوم الا هم شطحة من شطحات هذا الرجل ، اذ هم يطبقون فتاواه وآراءه الفقهية والسياسية ، وقد رأيناهم بأم اعيننا ما فعلوا ، من جرائم يندى لها جبين الانسانية .
    ولأبن تيمية كتب كثير في الفقه والسياسة والتاريخ والعقائد والفتاوى وغير ذلك ، ومنها هذا الكتاب الذي بين ايدينا الذي اسماه (السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية) تحقيق علي بن محمد العمران ، دار عالم الفوائد ، بدون ذكر سنة الطبع) .
البداية :-
    يطرح ابن تيمية في كتابه هذا عدة مفاهيم وآراء يؤكد من خلالها على شرعية السياسة في الاسلام وإنها مدعومة ومؤيده من الكتاب والسنة ، وكيف يكون عمل الامير اوالرئيس (رئيس الدولة) من خلال آيات قرآنية واحاديث منسوبة للنبي يؤولها بحسب رؤياه ، معتبرا أن ما يطرحه في كتابه ماهو الا رسالة إذ يقول : (فهذه رسالة مختصرة ، فيها جوامع من السياسة الإلهية والإنابة النبوية ، لا يستغني عنها الراعي والرعية ، اقتضاها من أوجب الله نصحه من ولاة الأمور). ويقصد بهم الخلفاء الذين اداروا شؤون الامة الاسلامية منذ توفى النبي ووقع الاختلاف بين الصحابة على يتولى الحكم من بعده الى أن افضى الامر الى ابي بكر بعد شد وجذب بين الانصار والمهاجرين ، في قضية تايخية معروفة .
    ويستشهد ابن تيمية  بقول منسوب الى النبي وهوقوله : (إن الله يرضى لكم ثلاثة: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) .عادا ذلك اشارة واضحة على أن أطاعة ولاة الامر (الرؤساء – الساسة) أمر شرعي بعد قول النبي هذا معتبره نصا صريحا لا يقبل الشك .
    ويشير الى أن هذه رسالة مبنية على آية الأمراء في القرآن ، التي جاءت مساندة لقول النبي ومدلولها واضح ، بحسب ما يرى ، وهي قوله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا. يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} .النساء/58-59.
    ويفسر هذا بقوله: أن الآية الأولى في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، وأما الثانية  فيقول انها نزلت في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم ، إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله .
والشيعة ترفض التفسير الذي يذهب الية ابن تيمية وغيره في مسألة اولى الامر لاعلى انهم المقصود بهم الخلفاء والامراء ، ويرون أن المقصود بهم اهل البيت النبوي. يقول الطباطبائي في (الميزان) :(( وبالجملة طاعة اولي الامر مفترضة ، وأن كانوا غير معصومين يجوز عليهم الفسق والخطأ فأن فسقوا فلا طاعة لهم ، وأن أخطأوا وردوا الى الكتاب والسنة إن علم منهم ذلك ، نفذ حكمهم فيما لم يعلم ذلك ، ولا بأس بإنفاذ ما يخالف حكم الله في الواقع دون الظاهر رعاية لمصلحة الاسلام والمسلمين ، وحفاظاً لوحدة الكلمة )) {راجع الميزان ، ج4ص390 ، الطبعة الثالثة 1972 بيروت دار الاعلمي} .
 فالشيعة تشترط في الحاكم (رئيس الدولة) أن يكون معصوما حتى لا يخطأ او يسهو او ينسى وبالتالي يظلم الناس ، ولا يعدل ، ولا سوف يؤدي رسالته بحسب ما تقتضي الحاجة في ذلك . وصاحب هذه السطور لا يميل الى هذا الرأي ، وأن كان قول صاحب الميزان فيه نوع من العقلانية ، ولكن هذا الرأي افلاطوني ولا يمكن أن يتحقق . ومثل هذا قد اشار اليه الفارابي حيث اشترط على الرئيس المفترض في مدينته الفضلة اثنا عشر شرطا يجب أن تتوفر فيه ، ثم اعترف الفارابي نفسه أن هذه الشروط لا يمكن أن تتحقق في شخص بعينه .
    وكلام الطباطبائي في استدلاله على ما تذهب الشيعة في هذا الرأي طويل جدا في ذيل تفسيره للآية ، لكنني لا استطيع أن انقله كله ، فأكتفيت بهذه الاسطر القليلة . وملخص كلام الشيعة إنهم يعتبرون أولي الامر المقصودون في الآية المذكورة هم الامام علي وذريته من اهل البيت ، وهم بذلك يخالفون رأي اهل السنة قاطبة ويخالفون ابن تييمية في كل ما يذهب ، فهو خصمهم وهم خصومه .
    ونعود الى ابن تيمية وقوله وإن لم يفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله .
    ويستشهد بالآية التي تقول {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة/ 2. ويعتقد أن الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل. فيقرر أن هذا هوجماع السياسة العادلة ، والولاية. ويقصد في ذلك أن يتعاونوا فيما بينهم اي عامة الشعب ، الذين اطلق عليهم ابن تيمة بالرعية ، وما بين ولاة الامر الذين هم رجال الدولة وقادة السياسة من الحكام ، فيريد أن يقول أن طاعة هؤلاء واجبة من هذه الناحية حتى لا تتمزق الامة شذر مذر وتضعف شوكتها . بينما المقصود في هذه الآية هو ليس ما ذهب اليه ابن تيمية .
اذ يقول الزمخشري : ((وتعاونوا على البر والتقوى : على العفو والاغضاء ، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان : على الانتقام والتشفي ، ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى وكل اثم وعدوان فيتناول بعمومه العفو والانتصار)) .
(راجع تفسير الزمخشري ج2ص5مكتبة مصر بالفجالة تحقيق يوسف الحمادي) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات