على مدى اكثر من سبعة عقود، كافح العسف والظلم والطغيان، وصار أيقونة النضال ضد الدكتاتورية.
في سجون أنظمة القمع،تفنن الشيوعيون والوطنيون والديمقراطيون في ابتكار وسائل للترفيه عن أنفسهم، ومقاومة وحشة السجون والمعتقلات.
في سجن (نقرة السلمان)الصحراوي، وسجن الحلة، والسجن المركزي في بغداد، وغيرها من المعتقلات والسجون؛ ابتدع العراقيون سجناء الضمير الشطرنج من بقايا الخبز، والاتصالات بين الزنزانات عبر علب الصفيح.
دوٌن سجناء الضمير، قصصا وروايات، تؤرخ لكفاحم المرير؛ في الحفاظ على التواصل فيما بينهم ، ومع العالم الخارجي، بوسائل تحتاج الى توثيق اكبر في زمن عراقي تسعى الاحزاب الفاشية الحاكمة في بغداد الى محو الذاكرة الوطنية العراقية وإعادة كتابة التاريخ وفقا لنظرية ولاية الفقيه!
يتصدر مثقفو مصر وسجناء الضمير قائمة أدب السجون؛ وليس كتاب
” شيوعيون وناصريون” الا واحدا من مئات المؤلفات التي تؤرخ للعسف بعد وصول العسكر الى الحكم مطلع خمسينات القرن الماضي، وأبلوا في تعذيب وقتل خصومهم.
وكذلك الحال في تونس،والمغرب والبحرين والسعودية وفِي غيرها من بلدان “المذلون المهانون”.
العامل المشترك بينها من المحيط الى الخليج الخوف من الصوت المعارض والتفنن في القمع،والإبادة.
تحتل السجون السورية، بعد وصول حافظ الاسد الى السلطة مطلع سبعينيات القرن الماضي، مكانة متميزة، في أساليب التعذيب والحرمان والانتهاكات.
ويمثل (سجن تدمر )الصحراوي، معادلا للرعب والعسف.
سجل الروائي السوري المقل، مصطفى خليفة في روايته ” القوقعة” أحداثا وشهادات لو لم نكن نحن القرّاء العرب نعرف أساليب الحكام ونذالاتهم لاعتبرت الرواية الوثائقية ضربا من أدب الخيال.
من بين سجناء الضمير يبرز اسم المناضل اليساري السوري؛ رياض الترك،المعروف بلقب” ابن العم” لانه يخاطبك بمثل هذا التعريف.
لقد أمضى المحامي والقيادي الشيوعي “ابو هشام” معظم سنوات حياته في سجون النظام البعثي السوري
وقبلها سنوات الوحدة بين سوريا ومصر. وخلال 18 عشر عاما (1980-1998) بينها عشر سنوات في الحبس الانفرادي؛عاش اقسى صنوف الانتهاكات والتعذيب الجسدي والنفسي .
“قررت ان لا اخضع لوحشة السجن الانفرادي، وبدات ابحث عن طريقة لمقاومة تدمير الذاكرة”.
يقول ابن العم في الفلم الوثائقي بنفس الاسم متحدثا عن سنوات السجن الطويلة.
“اربع مرات في الأسبوع كانوا يقدمون للسجناء حساء العدس. وبين العدس المطبوخ، كانت تتقافز حبات سوداء صلبة فقمت بجمعها ومنها أخذت أضع على شرشف ابيض تشكيلات وزخارف تشغل سكون حياتي في الزنزانة، وتكافح الملل القاتل “.
لم يستسلم ابن العم لجلاديه ولم يمنحهم سعادة إلغاء ذاكرته وتعطيل المخيلة ودفعه الى الياس.
رابط رياض الترك في سوريا، بعد اندلاع الثورة، وعاش في ظروف قسرية متنقلا من مكان الى اخر سرا ، وساند الانتفاضة السلمية، وانتقد اداء الفصائل المعارضة التي أخذ عليها تخبطها وخضوعها للإرادات الإقليمية والدولية.
انهكت السجون الجسد النحيل للمناضل مواليد 1930. وحين بدأت القوات الحكومية تستعيد اغلب مناطق القتال، اقنع رفاق وذوي “ابن العم” رياض الترك، لان يغادر سوريا المثخنة بالجراح، فلجا الى فرنسا قبل حوالي العام.
رياض الترك ، ابن العم، أيقونة الكفاح ضد الاستبداد، لا يقوى اليوم على الإدلاء بشهادته امام الكاميرات لأسباب صحية.
ونامل ان يكون قد دون رحلة العذاب في سجون الدكتاتورية. فمن غيره اجدر على فضح فساد الأمكنة في أنظمة القمع.
رابط فلم ابن العم :
https://youtu.be/dY1tRvspJ9k