في حكاية قديمة روتها لنا والدتي رحمها الله كانت تستوقفنا المقارنة المؤلمة بين الزوجة المفضلة لدى تاجر ثري وزوجته ” البايرة ” وبين ابناء المفضلة وابن ” البايرة ” ..كنت أتألم لحال ” البايرة ” وابنها واتمنى ان ينتفضا على اهمال التاجر لهما ، وبالفعل ، تمر الاحداث وينجح الابن المغبون في جلب تفاحة الحياة لابيه المريض ويفشل ابناء الزوجة المفضلة في انقاذه فتحل النهاية السعيدة التي اثلجت صدورنا ويصبح للبايرة وابنها حظوة لدى التاجر ..فهمنا وقتها من الحكاية ان الضعف لن يدوم وان القوة تحتاج الى ضمير حي ليتحقق الانقاذ لكل فرد مغبون ..لكن حكايتنا الاثيرة لن تجد لها صدى اليوم لو روتها الامهات لابنائهن فهم يدركون مسبقا ان التاجر سيحقق ( مصلحته ) بان ياخذ تفاحة الحياة من ابن زوجته البايرة ثم يعود لتهميشه ، وان الابن المغبون سيفضل الصمت والسمع والطاعة خوفا من بطش ( السلطة ) المتمثلة بوالده وسيكتفي بمايلقيه له ولوالدته من فتات طعامه …
يقول قادة الرأي والداعون الى التغيير ان الشعب يجب الا ينتظر من الدولة ان تحقق له مطالبه وانما عليه ان ينتزعها انتزاعا لكن الانسان يولد حرا ويعيش مكبلا بالاغلال في كل مكان وزمان ، فالانسان ينتقل –حسب روسو – من مرحلة الحرية الى مرحلة العبودية حين يخضع لسلطان يستغله ويتحكم بمصيره واذا ماحكم السلطان الافراد وفق مصلحته وليس ضميره بعيدا عن مصالحهم فلن يكون لحكمه اساس قانوني ..، كما ان القوة لو توافرت لدى انسان فانه لن يبقى عليها بصورة دائمة مالم يحول قوته هذه الى حق وطاعته الى واجب ..هذا ماتقوله النظريات الاجتماعية والسياسية وهو شبيه الى حد كبير بما يجري في واقعنا فالحكومة تحقق مصالحها الذاتية من خلال شعبها عبر عشرات الوعود الانتخابية والمشاريع التي ترسم لهم مستقبلا مزهرا وماان تستقر على مقعد السلطة حتى تعود لترمي لهم بالفتات او تنساهم وتضع مطالبهم وراء ظهرها حتى يحين موعد حاجتها لهم فتجدد الوعود وتبني لهم قصورا في الهواء ..المشكلة ان شعبنا سيظل –ابن البايرة – الذي يقدم الكثير للسلطة سواءا كان ولاءا او خوفا لكنه لايحظى برضى الحكومة الا نادرا وحين يمنحه السلطان شيئا من حقوقه بيد فانه يسلبه حقوقا اهم واكبر باليد الثانية ..شعبنا انتظر اكتمال قانون التقاعد ليرتاح اخيرا من ( ضيم ) الوظيفة وحين تحققت له بنود قانون مرضية الى حد ما اكتشف بأنه ابن البايرة الذي ترمي له الحكومة عظاما بينما يلتهم اللحم المبشرون بجنة ( رضا الدولة ) من النواب واصحاب الدرجات الخاصة وابناء بدعة ( الخدمة الجهادية ) ..شعبنا لن يحظى بحصة من نفطه الغزير او خيره الوفير مادامت القوة التي تمتلكها السلطة لايوجهها ضمير حي …شعبنا مازال يمنح السلطان فرصا لاخراجه من اطار –ابن البايرة –ووضعه في اطار –ابن البلد – الذي يستحق حب الحكومة ورعايتها ..شعبنا مازال ينتظر ان تلتفت اليه الحكومة وتحقق مطالبه متجاهلا ان الحقوق يجب ان تنتزع انتزاعا فمن الغصن الرديء ..لايجب ان ننتظر الا ثمرة فارغة !!