18 ديسمبر، 2024 10:20 م

ابني غير مقتنع بمدرسه

ابني غير مقتنع بمدرسه

مشكلة يعاني منها طلبتنا هذه الأيام وهي عدم التواصل مع أساتذتهم أو بالأحرى عدم تواصل أساتذتهم معهم، واقصد بالتواصل هنا هو التواصل البناء الهادف الذي من شأنه أن يبني شخصية الطالب وينمي قابليته، وبنفس الوقت يفرض الأستاذ شخصيته على الطالب بصورة غير مباشرة مبنية على الاحترام المتبادل النابع من نزول الأستاذ إلى مستوى الطالب ومشاركته في حل مشاكله، وتبادل الآراء والأفكار وإبداء النصح له ونبذ القسوة والعنف . وأهم من هذا كله أن يؤدي واجبه بأمانة وإخلاص حتى يكون الأستاذ قدوة لتلميذه ومثالا يحتذي به.  وإلا بماذا نفسر جواب ابني وأنا اسأله : (لماذا لا تحضر واجباتك يوميا ألا تخاف من المدرس ؟)،  فيجيبني : (المدرس لو امخوفني وفارض نفسه علي كان حضرت كل يوم، وبعدين أنت موتريد نجاح اني اجيبلك النجاح ) .       
قد يقول احدهم إن العيب بابنك وهو نفس ما تبادر إلى ذهني، لذا أردت التأكد من ذلك، فبدأت اسأله عن كل مدرس مادة على حدة، فوجدته يكن كل الاحترام والتقدير لبعضهم ويمقت البعض الأخر فيتهرب من درسه . ولكي أكون على دراية تامة وإلمام بالموضوع ذهبت إلى المدرسة لكي أتبين الأمر بنفسي . وما أن سألت مدير المدرسة عن الأستاذ (الفلاني) ومادته التي يكرهها ابني حتى بادرني المدير بأن علي أن اخصص مدرسا خصوصيا لابني بهذه المادة وتلك المادة أسوة بأقرانه، وهنا اتفقت مع وجهة نظر ابني .
أصبحت الآن متحيرا، هل أقف إلى جانب ابني أم اخذ بنصيحة مديره أم أقود طلاب المدرسة في مظاهرة من اجل تغيير النظام في المدرسة . وهنا كبر الموضوع في عقلي وقلت : التغيير يجب أن يبدأ من التربية وليس من المدرسة، لأن التربية التي تقبل بمثل هكذا إدارات لا تستحق أن تبقى على قمة هرم الوزارة .  إلا أني تراجعت خوفا من خوض حرب خاسرة قد يفقد فيها ابني فرصة الاستمرار في مدرسته، واستسلمت للأمر الواقع وقررت البحث عن مدرس خصوصي . وكانت المصيبة الأكبر هي أني وجدت نفس الأستاذ الذي لا يحبه ابني هو من يأخذ الطلاب دروسا خصوصية، فأين المفر؟ هل هو شر لابد منه ؟.
والآن صارت حيرتي اكبر وحزني اشد وتحول تفاؤلي إلى تشاؤم بعد كل الذي رأيته وسمعته، وامتلأ قلبي ألما على حال التعليم في بلدي ومستقبل أطفالنا الذي بات بأياد غير أمينة، كسفينة تتلاطمها أمواج الجهل والفساد وعدم الشعور بالمسؤولية، والتي قد تولد لدى طلبتنا حالة نفسية من الصعب التخلص منها . فعلاج المشكلة لا يبدأ من الطالب فحسب، بل من الأستاذ الذي يحتاج أن ينمي شخصيته ويبنيها كي تكون مؤثرة ولها وقع على شخصية الطفل الذي قد تكبر معه هذه العقدة وتتعمم وتنسحب على باقي أساتذته  وحتى على أولياء أمره، وبالتالي يحصل لديه نفورا من المدرسة، في الوقت الذي تطالبه أسرته بالالتزام بالدوام والمواظبة على أداء دروسه . وبذلك ينشأ صراع داخلي لدى الطفل متمثلا بعزوفه عن المدرسة  وبين ضغط أسرته عليه. وهذا الصراع لن ينتهي لكون الطفل لا يستطيع أن يبلور أفكاره وينظمها ويوصلها إلى أسرته – لصغر سنه – كي يحصل على المساعدة في حل مشكلته . وهنا صار لزام علي – وهو اضعف الإيمان – أن أوجه نداءا مستعجلا إلى أصحاب القرار أطالبهم فيه بوقفة جادة لحل مشكلة أطفالنا، فهم يستحقون أكثر من ذلك، ويكفيهم ما عانوه ويعانون كل يوم، ونداءا آخرا إلى أسرنا العزيزة أقول لهم فيها تعاملوا مع أطفالكم بالرفق واللين وساعدوهم على حل مشاكلهم بدون قسوة.