23 ديسمبر، 2024 1:54 ص

ابراهيم الجعفري وإخفاقاته الداخلية والخارجية

ابراهيم الجعفري وإخفاقاته الداخلية والخارجية

إن الفرق بين من ينتقد بلده، ومن ينتقد حكومته كبير جداً. فالاول خائن عميل، أما الثاني فوطني معارض. وإنطلاقاً من هذا المبدأ، أود التعليق على تصريح وزارة الخارجية. فقد أثارني ذلك التصريح على الرغم من إنه مرّ على العراقيين والاخرين من غير المطلعين على بواطن الامور مرور الكرام، أو ملّوا امثال هذه التصريحات التي تنطوي على خداع ورياء. وكدبلوماسي سابق سأوضح كيف يجري العمل في وزارة الخارجية ولن أتطرق الى المسائل الشخصية أو ما يتعلق بالسياسة الخارجية التي سبقني إليها أخرون، فقد باتت معروفة للجميع، وقد انكشفت الامور بشكل واضح لجميع العراقيين، ويمكن إثارة مقارنة بسيطة لتوضيح السياسة الخارجية في زمن ابراهيم الجعفري، حيث استنكرت وزارة الخارجية العراقية، الاثنين 16/1/2017، اعدام ثلاثة شبان بحرينيين، لمجرد كونهم من شيعة البحرين، على الرغم من إنه شأن داخلي، ولكنها لم تصدر أي بيان حول منح ميناء خورعبدالله العراقي للكويت يوم 28/1/2017.
ورغم كل الجهود التي بذلها النائب عادل نوري من كتلة التحالف الكوردستاني في البرلمان العراقي، ورغم كل التهديدات التي وصلت الى حد القتل، وعلى الرغم أيضا من أن النواب المستقلين كانوا يتندرون بإقالته، وهو على سلم المجلس، وقبل الدخول الى قاعة التصويت، نظراً لما عرف عنه، من سفسطة لا تغني ولا تسمن. الا إن البرلمان كمؤسسة تشريعية، لم يتمكن من تقديم أبراهيم الاشيقر الجعفري الى الاستجواب في برلمان الشعب. وقد جاء ذلك نتيجة ضغوط كبيرة مارستها الدولة الراعية للجعفري، إيران. لاسيما وإن بقية الكتل الرئيسية الاخرى في التحالف الشيعي، قد قبلت ضمناً عدم تقديمه للاستجواب، بعد تفضيله منصب وزارة الخارجية على منصب قيادة الإئتلاف الشيعي، الذي ذهب الى عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى.
ويمكن معرفة حجم التضليل الذي يمارسه إبراهيم الجعفري، والمتحدث بإسمه، فإننا نعرض نموذجا صارخا لذلك، دون أن يتضمن ذلك دفاعاً عن وجهة النظر السعودية، بأي حال من الاحوال. فقد صرحت وزارة الخارجية على لسان المتحدث بإسمها أحمد جمال في بيان صادر يوم الاربعاء 23/11/2016 في معرض الرّد على تصريحات وزير الدولة السعودي لشؤون
الخليج ثامر السبهان، هاجم فيها وزيرها إبراهيم الجعفري بمناسبة تحفظ العراق على قرار منظمة التعاون الاسلامي في 18/11/2016 بشأن إتهام السعودية للحوثيين بإطلاق صاروخ نحو مكة، فيما عدّ ماسماه “إختطاف وزارة عربية ل “مصالح” ايران “مصيبة”.
وما يهّمنا من جملة التصريحات والردود المتبادلة هو عبارة وردت في بيان وزارة الخارجية العراقية بانها “وزارة لكل العراقيين”.
إن خدمتي الدبلوماسية للفترة من عام 2006-2013 أتاحت لي المعرفة الدقيقة لكيفية التعيين فيها وأسلوب تعاملها مع قضايا العراقيين عموما في الداخل والخارج، ليتبين للجميع مدى الكذب الفاضح في هذه المقولة، وعدم إنطباقها على وزارة الخارجية عموماً، وتحديداً منذ عام 2003 حتى يومنا.
وبقصد المقارنة مع النظام السابق لمعرفة ما اذا كان هناك إختلاف أم لا؟ وانا اعلم علم اليقين، لا بل يعلم جميع العراقيين، عدا فئة ضالة أو متملقة، بأن ألامور قد غدت نحو الاسوأ عما كانت في ظل النظام السابق، وهذا ما يقول به المسؤولين الامريكان أنفسهم الذين تولوا التغيير إبتداءً.
ففي ظل نظام صدام حسين، كان التعيين في وزارة الخارجية مقصوراً لأعضاء حزب البعث الحاكم، مع ترشيح نسبة منهم عن طريق جهاز المخابرات الذي كان هو المسيطر الفعلي على مقر الوزارة وسفارات العراق لرصد ومراقبة تحركات جميع الموظفين فيها على مختلف درجاتهم، خشية تسريب أسرار الدولة الى الخارج. وهناك فئة قبلت بناءً على تزكية من مسؤول كبير، كما حدث مع د. محمد الحاج حمود الذي أشرف على رسالة ماجستير سبعاوي ابراهيم الحسن (شقيق صدام حسين)، فزكاه لدخول الوزارة بعد أن كان محامياً مغموراً في مكتب محاماة، شارع وزارة الري قرب ساحة الاندلس ببغداد يتشارك فيه مع محامي أخر. ولم يجري قبول المستقلين الا بعد عام 1991 نظراً لفرض العقوبات الدولية على العراق، مما دفع النظام الى الاستنجاد ببعض الكفاءات القانونية.
والغريب إن نسبة كبيرة من الذين عُرفوا بكتابة التقارير كانوا من الطائفة الشيعية في العراق، والذين لم يتورعوا عن الكتابة ضد أقرب الناس اليهم وبضمنهم أبناء مذهبهم. والادهى من ذلك، إن هولاء سرعان ما خلعوا البدلة الحزبية لحزب البعث ولبسوا عمامة المذهب الشيعي وأطالوا لحية المنافقين وسبحة المرائين وإعتمدوا أسلوب الدجالين، وإختار البعض منهم ألانضواء تحت لواء حزب من الاحزاب القائمة بما فيها الاحزاب الكردية تملقاً للوزير الكردي، فحق عليهم القول (الناس على دين ملوكها).
أما في ظل النظام الحالي الذي بدأ منذ نيسان/أبريل 2003، فبمجرد إنسحاب الحاكم المدني بول بريمر من العراق بعد سنة واحدة وتسليمه الحكم للاحزاب الاسلامية الموالية لايران، فقد أعطى ذلك الفرصة لها وهي دولة جارة للعراق أن تتوغل في كل مؤسسات الدولة ومفاصل الحياة فيها، وربما كان للاستراتيجية الامريكية أهداف بعيدة في ذلك، لتنبيه الرأي العام وتهيئته لتقبل فكرة أسقاط نظام الملالي في ايران، الذي يعاني منه الايرانيون قبل العراقيين، على المدى المتوسط أو البعيد.
وفي ظل الصراع الدولي الامريكي-الايراني، فقد غدا العراق عموماً, ووزارة الخارجية خصوصاً ساحة لهذا الصراع. وقد بذلت إيران كل ما في وسعها للسيطرة على هذه الوزارة السيادية، إلا إن وجود وزير كردي هو هوشيار زيباري المعروف بميوله الغربية, كان مانعا من تحقيق ذلك. وهكذا وجدنا ايران ومن خلال رجلها الاول في العراق نوري المالكي تسعى للسيطرة على وزارة الخارجية بأي وسيلة كانت. ولعل الجميع يتذكر سوء العلاقة بين المالكي وزيباري، وكيف إن سياسة المالكي تجاه الوزارة دفعت هوشيار الى الانقطاع عن الدوام والسفر الى كردستان-العراق ليقيم هناك لفترة طويلة. مما حدا بالمالكي الى منحه إجازة إجبارية وتكليف حسين الشهرستاني بادارتها بالوكالة لمرتين الاولى في (24/4/2013) والثانية في (10/7/2014). وكان قد سبق ذلك، قيام المالكي بتصفية 25 دبلوماسياً في معظمهم (بطانة هوشيار زيباري) من مناصبهم بغياب وزير الخارجية في 27/9/2009 وفي مقدمتهم وكيل الوزارة محمد الحاج حمود وأسعد المسعودي. ألا إن الوزير أبقاهم في مناصبهم خلافاً لارادة رئيس الوزراء. وفي وقت لاحق، إنتزع المالكي الملفات الرئيسية من وزارة الخارجية تلبية للتوجيهات الإيرانية، وأولها ملف الاتفاقية الامنية بين الولايات المتحدة والعراق عام 2008، وملفات أخرى كان الوزير وبطانته يتلاعبون بها حقاً لمصالح شخصية، في حين أراد المالكي من خلالها تحقيق مصالح إيران وتفوقها على الولايات المتحدة في صراعها أثناء مفاوضات الملف النووي الايراني.
وفي ظل الصراع بين المالكي وزيباري أصبح موظفي الوزارة ودبلوماسييها مطالبين بالانضواء لاحد طرفي الصراع، ومن وقف على الحياد، مثل كاتب هذه السطور فقد وقع بين المطرقة والسندان، وهكذا دفعت الوزارة ثمناً باهضاً لذلك الصراع.
وكان التعيين في وزارة الخارجية ابتداءً من خلال لجنة مشكلة من ممثلي الاحزاب الرئيسية سميت ب (اللجنة التوجيهية)، وقد تولت اللجنة مهمة تعيين موظفين أو دبلوماسيين تابعين أو موالين لتلك الاحزاب بموجب كتب تزكية لهم. وهكذا لم يختلف الأمر عما كان عليه في النظام
السابق سوى إن الإنتماء كان لحزب واحد في حين أصبح في ظل الوضع الراهن منتمياً لاحدى الاحزاب الرئيسية السبعة المعروفة أو من يأتلف معها.
إن مثل هذا الاسلوب الاداري المتخلف في إختيار ممثلي الدولة الى الدول الاخرى والمنظمات الدولية قد قاد الى ظهور طبقة إنتهازية من الدبلوماسيين والموظفين في وزارة الخارجية، إنتفعت من المناصب والمزايا والحصانات التي لا تستحقها، وبالمقابل حرمت فئة من إفراد الشعب المستحقين لها فعلياً.
ويبدو إن التوجه نحو تعيينات وزارة الخارجية من سفراء ودبلوماسيين وموظفين جرى على النحو التالي:
أولا. يكون ترشيح السفراء من قبل الدول ومن خلال الاحزاب التابعة لها. وهكذا رأينا إن 60 سفيراً من مجموع 95 سفيراً يحملون جنسيات أجنبية قد تم تعيينهم في الخارجية العراقية. وكانت الاولوية لحملة الجنسية الامريكية والبريطانية والفرنسية والاسبانية والبولونية وغيرها، الى جانب فئة أخرى من الموالين لايران. وهكذا رأينا إن السفير يستقوي على وزارته وموظفيها مهدداً اياها بعلاقته مع الجانب الاميركي.
ثانياً. يكون ترشيح الدبلوماسيين والاداريين والفنيين استنادا الى جدول حصص الاحزاب الحاكمة وحسب قوتها ونفوذها، وهي:-
(1) التحالف الكردستاني، ويضم الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وكذلك الاتحاد الاسلامي، ولاحقا حركة التغيير، وأحزاب أخرى صغيرة.
(2) التحالف الوطني، ويضم حزب الدعوة والمجلس الاعلى والتيار الصدري والفضيلة، واحزاب أخرى صغيرة.
(3) السنة وفي مقدمتهم الحزب الاسلامي وأحزاب اخرى صغيرة.
(4) المدنيون، وفي مقدمتهم جماعة أياد علاوي والاحزاب المنضوية معه.
أما الجماعات الصغيرة كالاقليات، فقد إنقسمت الى عدة تيارت إتضوت تحت أحد هذه الاحزاب الكبيرة لتحصل من خلالها على حصة صغيرة لها، مثل الاشوريين والكلدان واليزيديين والتركمان وغيرهم.
وقد إعتمدت هذه الاحزاب التي نشأت وترعرت خارج العراق على الاسس التالية لقبول الدبلوماسيين، وهي:-
1- أقرباء المسؤولين، مثل أبنائهم وبناتهم واشقاءهم، وما الى ذلك.
2- أعضاء الحزب.
3- أصدقاءه من خارج العراق.
4- الموالين له حتى لو كانوا من البعثيين السابقين.
5- العلاقات الخاصة، وهذه تشمل اغراض مختلفة منها جنسية أو إقتصادية أو إعلامية، أو ما شابه.
وبخلاف هولاء، فمن المستحيل القول بقبول شخص مستقل إستناداً لكفاءته خلافاً لتلك الضوابط.
وهكذا وجدنا إن معظم من تعين في وزارة الخارجية هم من المنتمين لآحد تلك ألاحزاب، لا بل أن البعض منهم كان يحتفظ بأكثر من منصب ويتقاضى أكثر من راتب فيحرم غيره بذلك، مثل علي الدباغ، وصادق الركابي، وصفية السهيل، الذين كانوا نواباً وسفراء في ذات الوقت. أو من أقرباء أحد المسؤولين. وقد وضع العديد من الكتاب قوائم بعوائل موظفي الوزارة لا حاجة لتكرارها، حتى باتت هذه الوزارة تعرف ب (وزارة عوائل).
أما حملة الشهادات المزورة في وزارتكم، فانتم من أعلن في 29/10/2014 عن وجود 175 موظفاً ودبلوماسياً يحملون شهادات مزورة، ولم تذكروا لاحقا ماهي الاجراءات التي إتخذت بحقهم، لا بل الاكثر من ذلك، فقد جرى ترقية شخص قدم بحثاً مزوراً للترقية الى درجة وزير مفوض في 4/10/2016، وهو(عباس كاظم الفتلاوي)، سبق وان اقترن اسمه بفضيحة مدوية عندما قدم بحثاً مزوراً للترقية في معهد الخدمة الخارجية، واكتشف لاحقا ان البحث الذي قدمه نسخة كوبي بيست من بحث قديم موجود أصلا في مكتبة المعهد لكن تم تسوية الموضوع لأسباب مجهولة، وبدلا من ان يعاقب تمت ترقيته الى وزير مفوض”. والانكى من ذلك، والى حد مشابه، فإن سفيراً متهما بإصدار جوازات استنادا لوثائق مزورة مازال يتمتع بمنصبه في الوزارة ومن المقربين لديكم، الا وهو السفير احمد بامرني، الذي استدعته وزارة الخارجية السويدية عام 2007 للاستفسار منه حول التقارير القائلة إن سفارته قد اصدرت الآلاف من جوازات السفر العراقية لاشخاص دون التحقق من هوياتهم.
وقد ظلَ التوجه الغربي سائدا في وزارة الخارجية طيلة وجود الوزير الكردي في الوزارة، الإ إن التقارب الايراني-الامريكي أثناء مفاوضات الملف النووي قد دفع الولايات المتحدة للتخلي عن الوزير الكردي هوشيار مقابل تخلي إيران عن أبرز رجالها في العراق ألا وهو المالكي. وماهي أيام قليلة حتى عاد هوشيار من الشباك عن طريق تولي منصب وزير المالية الذي إنتزعه من رفيق دربه روز نوري شاويس من ذات الحزب، مما دفع المالكي الى العودة عن طريق أخر بعد إستحداث مناصب نواب رئيس الجمهورية. ولم يكن المستفيد من ذلك كله الا قادة التغيير الاربعة، الذين إرتضوا تغيير المالكي. وهم معصوم والجعفري والجبوري، وأخيراً شماعة التغيير العبادي.
وبتولي إبراهيم الجعفري وزارة الخارجية، إنتقلت من صبغتها الغربية الى الصبغة الايرانية، أو كما سماها البعض (من خارجية الاكراد الى خارجية الشيعة). وجرى تعيين أقرباء الجعفري مثل حق الحكيم (حمو إبنه) ليهيمن فعلياَ على الوزارة، وليرتقي بعض الذين إنضموا لحزب الجعفري الجديد (حركة الإصلاح) مثل أحمد جمال ليصبح المتحدث بإسم الوزارة، وياسر عبد الحسين ليصبح معاون عميد معهد الخدمة الخارجية، إضافة الى إحسان العوادي وقيس العزاوي بعد ترقيتهما الى درجة سفير. وهكذا أصبح للوزارة طابعاً شيعياً، مما دفع الكثير من السنة الى ترك وظائفهم في الوزارة وطلب اللجوء في دول أخرى، بعد أن إكتسبوا خبرة سنوات طويلة في الخارجية.
أما مسألة الاختصاص في الوزارة فتلك طامة كبرى، فلو دققنا في إختصاصات موظفي الوزارة ودبلوماسييها لتوصلنا الى نتيجة واحدة وهي أن غالبية المقبولين فيها هم من إختصاصات بعيدة عن السلك الدبلوماسي، لا بل أن ذوي إختصاص العلوم السياسية هم الاقل قبولا في الوزارة، ويتقدمهم ذوي الاختصاصات البعيدة عنها مثل الاطباء والاطباء البيطريين والمهندسين والصيادلة والفيزياء والكيمياء، لا بل أن احد حملة البكلوريوس في الفيزياء قد نسب للعمل في ممثليات العراق لدى الامم المتحدة في نيويورك وجنيف لسنوات طويلة، وتم ترقيته الى وزير مفوض مؤخراً، فيما أبعد ذوي إختصاص القانون والسياسة واللغات من تلك البعثات. والانكى من ذلك، فقد جرى تعيين عدداً من اللاجئين العراقيين في الخارج الذين يعملون في خدمة المطاعم وغسل الصحون وتوصيل الطلبات للزبائن ووظائف أخرى بعيدة عن الخارجية بعد السماء عن الارض، وبالمقابل، فقد جرى إستبعاد عدد من الكفاءات من حملة الدكتوراه والماجستير في القانون والسياسة واللغات، وما كاتب هذه السطور الا واحداً منهم.
فعن أي وزارة للعراقيين تتحدث أيها الجعفري؟ إن حق التمتع بالوظيفة العامة حق يكفله الدستور والقانون وليس بمنَة أو صدقة من أحد، وخاصة إذا كان أجنبياً.
وختانا لانملك الا أن نقول: لاتكذب يا جعفري؟ لان من يكذب مرة سيكذب الف مرة.