23 ديسمبر، 2024 1:02 ص

ابداعات المخرج الأمريكي “سام مينديس”

ابداعات المخرج الأمريكي “سام مينديس”

ابداعات المخرج الأمريكي “سام مينديس”: “سكاي فول” الفيلم الجديد لجيمس بوند/1 + فيلم “الطريق الى الجحيم”/2:
مطاردات جامحة وحنين لمسقط الرأس وجرذان تفترس بعضها!
أبدع المخرج سام مينديس بتصوير مطاردات مثيرة في أسواق وساحات وازقة اسطنبول وعراك قاتل فوق قطار سريع ، وانتقل لحالة قنص فريدة في أعلى ناطحة سحاب في شنغهاي ، ثم انتقل لمهرجان التنين الذهبي في ماكاو وصور عراكا مرعبا في قاعة قمار باذخة ، قبل ان ينتقل للمشاهد الأخيرة المعبرة في لندن واسكتلندا.
بدأت القصة بسرقة غامضة لديسك سري يحوي اسماء عملاء المخابرات البريطانية المندسين مع الجماعات الارهابية العالمية ، وقد هدد السارق المجهول المحترف بكشف اسماء خمسة عملاء اسبوعيا : أبدع الممثل الاسباني خافير بارديم بدور الشرير الخارق سيلفا بكاريزما لافتة وخفة دم لا ترتبط عادة بسلوك المجرمين الخطرين ، لقد انقلب على ماضيه شاعرا بالحقد والمرارة ومتحررا من قيوده ، أما الممثلة المخضرمة البارعة جودي دينش فعادت باسمها الحركي ” ام” كرئيسة لجهاز “ام16” ، واعطت هنا للدور التقليدي نفسا فنتازيا مع مزيج من العاطفة والحزم ، كما أضاف رئيس لجنة الأمن والاستخبارات الممثل رالف فينيس (بدور مالوري) توازنا دراميا ولعب ببراعة دور الوسيط المطلوب ،كما لعبت الكيمياء الخاصة ما بين دانييل كريغ ودينش دورا ديناميكيا كقطبي الكهرباء لتحريك الأحداث بهذا النمط المتصاعد البالغ الجموح والجاذبية ، وربما ساعد اختيار اسم “ام” لدينش كاشارة مجازية “للام” (الحازمة والعطوفة في آن) لبناء هذه العلاقة الخاصة ما بين رئيسة الجهاز والعميل السري الشهير ، كما لعبت ناؤومي هاريس دور مساعدته السمراء الجذابة ، حيث انها أصابته افتراضيا بالخطأ اثناء العراك فور القطار السريع ، وأنقذت حياته مرة ثانية في ماكاو ، وبالرغم من ذلك الا أن الكيمياء كانت مفتقدة في تلك العلاقة ، ودخل الممثل “بين ويشو” بدور المرجع التقني (كيو) ، وبدا كمراهق متحمس وشغوف وملم بالحاسوب والانترنت وتكنولوجيا المعلومات ، مكتفيا بتزويد بوند بمسدس مشفر وجهاز صغير لتحديد المواقع بدلا من الجهزة الاستخبارية العديدة السابقة ، والأدوات القاتلة المبتكرة التي كانت تعطى له في الأقلام السابقة (كالقلم القاتل) .

لعبت “بيرنيس ليم مارلوهي” دورا جديدا كفتاة بوند الجميلة سيفيرين ، التي تقوده قصدا لمواجهة سيلفا ،وذلك عكس الدور التقليدي كدمية جنسية جميلة ، وعكست ببراعة التوجس والقلق والخوف . تميز هذا الفيلم عن معظم افلام بوند الاخرى ببعده الانساني العميق ، وتركيزه على مكامن الضعف في الشخصيات ، كما أن دور الشرير لم يكن هنا سطحيا ونمطيا ، وانما أداه بارديم ببرود وذكاء لافت ( حيث بدا شكله غريبا بماكياج أشقر وحركات مثلية استعراضية )، ومن الواضح ان المخرج مانديس قد تأثر هنا بشريط الفارس الأسود لكريستوفر نولان ، حيث نلاحظ اعادة مشهدية مبتكرة لسلوكيات الأبطال ، وخاصة بطريقة اداء الشرير سيلفا واسلوبه الكاسح بمواجهة خصومه ، آخذين بالاعتبار طريقة تقديم بارديم لدور سيلفا الذي يذكرنا أحيانا باسلوب الراحل هيث ليدجر في دوره الذي لا ينسى كجوكر (في الفارس الأسود) حيث ” لا يقف شيء امام اندفاعه الشرير ” !

واذا ما تأملنا بصمات مينديس الابداعية في الاخراج وتحريك الممثلين ، نجد قدرته الفذة متمثلة بتشكيل فريق متوازن حرفيا مع المام “ابداعي” غير مسبوق بالتفاصيل مما يجعله ينطبع في الذاكرة ،أما المصور السينمائي روجر ديكنس فقد صور مشاهد بصرية تفوقت احيانا على مشاهد فيلم نولان الشهير (فارس الظلام) ، وشكل مع مينديس جهدا كبيرا لتجديد انطلاقة هذه السلسلة بعد مرور خمسين عاما على انطلاق اول أفلامها، واثبتا ان دانييل كريغ هو من سيستمر بحمل شعلة بوند في المستقبل المنظور على الأقل ، كما يبدو أنه تم هنا وضع مواصفات جديدة لهذه السلسلة في عصر حافل بالتحديات التقنية المتنوعة والسياسية والاحتقانات الدولية الجديدة ، محافظا على نمطية الأفلام ومدخلا عنصرا انسانيا جديدا يتمثل بالحنين الجارف لمسقط الرأس ، حيث تصور المشاهد الأخيرة في منطقة “سكاي هول” باسكتلندا وفي بيت طفولة بوند الريفي القديم وبوجود حارس البيت العجوز كينكيد (أدى الدور بشغف ألبرت فيني)، حيث استعرض طفولة بوند المريرة وحادث مقتل والده ، وشاهدنا قبره المهجور ، كما أن المشاهد الأخيرة كانت بلا شك حزينة وربما رومانسية بالرغم من قسوتها ، حيث انتهت بمقتل سيلفا و”ام” متاثرة باصابتها الخطرة اثناء هجوم سيلفا وعصابته على الكنيسة القديمة المهجورة ، وان كنت لم استوعب سبب غياب الاغنية الرائعة “سكايهول” هنا كخلفية موسيقية لهذه المشاهد الرائعة ! ومع ذلك بقيت الصورة النمطية البراقة للشخصيات باطارها الاستعراضي الحركي : كالبدلات الأنيقة والملابس الباذخة ، والسيارات الحديثة الفائقة السرعة ، والعرض الدعائي السمج المكرر لساعات اوميغا الفاخرة ، ولكنه تجاوز هذه الأدوات الباهرة بمناظر عير مسبوقة لاسطنبول المدينة الساحرة التي تجمع الشرق والغرب معا : كساحة السلطان أحمد ومتحف أيا صوفيا الشهير ومدينة فتحية والسكة الحديدية فوق جسر فاردا قرب اضنة ، ثم انتقل لشنغهاي في الصين فأتحفنا بمشاهد حركية لأعلى ناطحة سحاب ومشاهد في مضمار “أسكوت” الشهير ، ولمطار شنغهاي الدولي ” بودونغ” …وفي منطقة سكاي فول باسكتلندا تم بناء منزل كبير باستخدام الخشب الرقائقي والجص لتصوير الأحداث …وان حاول هنا كريغ ان يسرق شهرة شون كونري باداء فريد استثنائي الا انه لم ينجح باعتقادي ، وأدخل على الدور عناصر جديدة كالابهار والجراة والطرافة والفكاهة وصولا لهزل زائد ، ولكن بارديم تجاوزه بتألق استثنائي واضافات مشهدية غير مسبوقة خلطت الشر الجامح بالطرافة والبرود والحكمة ، وانصهرت كل هذه العناصر البشرية والأدوات والمواقع لتقدم شريطا رائعا لافتا ، أثبت فيه سام منديس انه مخرج مغامرات من الطراز الأول وخاصة اثناء تقديمه لمطاردات وعراك يحبس النفاس فوق قطار سريع ، بتصوير متزامن يدمج الحركة بالموقف ، ثم بتصويره لعراك قاتل في حظيرة عظايات ضخمة مفترسة ( اسفل نادي قمار في ماكاو )، او باخراجه لقطات فريدة لمطاردة قاتلة فوق ناطحة سحاب في شنغهاي ، وانتهاء بمعارك وتفجيرات ماحقة في لندن واسكتلندا ،انتهت بتفجير مبنى “الام16” وهليوكبتر . أما المجاز الذي التقطته باعجاب فهو يكمن بمشاهد خروج سيلفا الشرير من مصعد وتوجهه لمقابلة بوند ( المقيد اليدين) ، راويا باسلوب استعراضي لافت طريقة مكافحة الجرذان التي تكائرت على الجزيرة ، وتم صيدها وتجميعها وتركها معا بلا طعام لكي تقوم بافتراس بعضها البعض ، حتى بقي اثنان فقط قي اشارة مجازية له ولبوند كعميلا استخبارات منشقين وفاشلين ، وتركهما يواجها مصيرهما بافتراس احدهما للآخر ، وكعادتي الدارجة باسقاط مكونات الأفلام على واقعنا العربي البائس : أليس هذا تماما ما يجري في دول ما يسمى ربيعنا العربي ، حيث نترك كجرذان تفترس بعضها البعض!

واحد من أحسن أفلام بوند:
مع الاحتفال باليوبيل الذهبي بعد خمسين عاما على انطلاق السلسلة ، فقد قدم دانييل كريغ كل المكونات البوندية الشهيرة : السيارت السريعة الحديثة وحتى القديمة ، والمال الوفير وقاعات القمار الباذخة ، والمارتيني الشهير والمواقع الساحرة والنساء الجميلات ، كل هذه المكونات انصهرت ببراعة لافتة مع اغنية أدلي الرائعة “سكاي فول” التي استهلت بداية الفيلم ، حيث صدح صوتها الشجي وكأنه ” ساقط حقا من السماء ” ، كما أن تركيز الفيلم على مواضيع عصرية مثل التهديد والارهاب الألكتروني ، مكن المخرج سام مينديس من تجديد واعادة اطلاق السلسلة الذي كاد بريقها ان يخفو في النمطية والتكرار ، اضافة لمشاركة مصور سينمائي فذ مثل روجر ديكنز قد حول المشروع لعمل عبقري . ركز الفيلم على انتقال مركز الاستخبارات البريطني “ام16” لموقع جديد مؤقت تحت الأرض بسبب تفجير موقعه الأصلي ، مما حول سياق القصة من النمط الجاسوسي التقليدي لاسلوب “الويسترن” المصيري ، ووضع وجود و مصير المركز وكافة الأبطال والعاملين على المحك بعد مقتل ستة منهم في التفجير الارهابي . تكمن واحدة من اجمل مشاهد الفيلم في شقة فارغة في الطوابق العليا لناطحة سحاب في شنغهاي ، حيث يستعرض مشاهد خرافية لقاتل محترف وقناص ماهر وهو يصطاد ضحيته في شقة مقابلة فور جلوس الضحية لتأمل لوحة فنية جميلة ، وذلك باعادة تكوين لمشاهد رائعة مماثلة مقتبسة من الفيلم الشهير ” الطريق للجحيم ” لنفس المخرج ، وخاصة عند تصويره للعراك ما بين بوند والقناص والذي أدى لسقوط الأخير هاويا من أعلى الناطحة !

كما ان الفيلم يظهر الضعف الانساني لبوند، الذي تعودنا على ظهوره قويا متماسكا ، وذلك بعد اصابته القاتلة في استنبول وبنيران صديقة ، وبدا في أضعف معنوياته حتى أن الشرير يستغل معرفته لعلاماته المتدنية اثناء فحص اعادة التأهيل (40%) للطعن بمصداقية رئيسته “ام” ليثبت له أنانيتها الطاغية ،عندما أعلمته كاذبة بان علامته كانت 70% لتحقيق هدفها واعادته للخدمة ، وبالرغم من استمرار بوند باستعراض عضلاته وجاذبيته الجنسية ، الا انه تمكن من التعايش مع ضعفه وقدم شخصية انسانية معقدة وجذابة …كما زودنا الممثل الشاب “بن ويشو” ( بدور كيو) بطرافة غير متوقعة ، وخاصة أنه بدا كمراهق مبتدىء ما زال يعاني من آثار حب الشباب ، فيما بدا التناقض واضحا مع قدراته البارعة بالقرصنة الألكترونية ومعرفته العميقة بخفايا التجسس. ثم هناك خافير بارديم الذي سرق بادائه اللافت الفيلم بأكمله وهمش معظم الممثلين ، فهو لا يثير الدهشة فقط وانما بدا كشرير هائل يملك قوة مفرطة لا حدود لها ، وكعميل سابق في ال”ام16″ يسعى بلا هوادة للانتقام ضد المنظمة التي عمل بها لسنوات ، محاربا اياها بتكنولوجيا فائقة الكفاءة ، لكن دوره يعود فيغرق في النمطية المعهودة لممارسات الأشرار ورغبتهم الجامحة بالسيطرة والتدمير من خلال خلق فوضى مدبرة ومنسقة ومتصاعدة … ويؤدي هنا دوره بفرادة مازجا التوهج ” المثلي” السلوكي الخطر بالهدؤ البارد القاتل ، وهنا يقدم بارديم واحدا من افضل أدواره السينمائية ، حيث يستعرض مونولوجا تمثيليا جميلا خالطا بتلقائية لمسات من اداء ” الجوكر” الهيستيري في “فارس الظلام” واداء بارديم اللافت نفسه بدور ” أنطون” القاتل المرعب في فيلم ” لا بلد للعجائز” ( الذي حصد الاوسكار في مجال الاخراج ) ، مضيفا لهذا الأداء التمثيلي المعقد بعض السلوكيات المثلية الباردة والسادية في آن واحد … كل هذه الخلطة السينمائية البارعة الفريدة جعلت من فيلم “سكاي فول” محطة اطلاق وتجديد للسلسلة الشهيرة .

فيلم “الطريق الى الجحيم”/2:
“لن يدخل أحدا منهم الجنة أبدا”!

يستعرض مينديس بفيلمه الثاني الرائع ” الطريق للجحيم ” (2002) قصة حياة رجل عصابات مخلص لعائلته يدعى سوليفان ( توم هانكس) ، حيث يقوم ابنه ذو الاثنا عشر عاما بالاختباء خلسة في سيارة والده (لمعرفة ماهية عمله) ، وذلك أثناء قيام الأب برفقة رجل عصابات آخر ( شكاك ويعاني من عقدة العظمة وقام بالدور دانييال كريغ) بقتل ستة رجال ! وعندما يكتشف هذا الأخير ذلك ، يقوم بابلاغ والده العراب العجوز جون روني ( باول نيومن)، الذي يصدر أمرا صعبا بتصفية الابن الصغير ووالده خوفا من الوشاية ، وعندئذ يهرب سوليفان مع ابنه ناجيا بنفسه ، فيما يقوم ابن العراب العصابي المهووس بقتل زوجة سوليفان وابنه الصغير الثاني ،ويتمكن سوليفان بمهارة أثناء هروبه من سرقة “وديعة مالية كبيرة تخص العصابة” من أحد البنوك ، كما يتم استئجار قاتل سادي معقد (جود لو) لمطاردته وتعقبه وقتلهما ، وينجح سوليفان بعد مطاردات ومواجهات حابسة للأنفاس بالهروب ساعيا لتوصيل ابنه لأقربائه في بلدة نائية ، ولكن القاتل العنيد يتمكن أخيرا من تعقبه وتحدث مواجهة مصيرية يقتل فيها الاثنان ، ويتحول الفتى لاحقا بعد ان يكبر لكاهن ، ونراه يتذكر بحزن واجلال والده الذي ضحى بنفسه لانقاذه ، وقد بذل جهده لكي لا ينهج ابنه ” طريق الجحيم ” ، الذي اضطر هو شخصيا لأن يسلكه بحكم تبني العراب له ، ونظرا لضيق العيش في عصر الكساد الكبير الذي أصاب أمريكا بثلاثينات القرن الماضي .

نال المصور السينمائي “كونراد هول” جائزة احسن تصوير سينمائي عن المشاهد البصرية الرائعة ، حيث صورت بمعظمها في اجواء ضبابية ماطرة ، مع سيطرة الألوان الرمادية والقاتمة على معظم المشاهد باستخدام اضاءة فريدة ، وبدت بعض المشاهد وكأنها لوحات رسم انطباعية جذابة ! أدى الممثل المخضرم الراحل “بول نيومان” واحدا من أعظم ادواره السينمائية كعراب عجوز ” مجرم وشغوف وحكيم” في آن واحد ، وانطبعت في ذهني مقولة رائعة له بأحد مشاهد القتل العنيف وعمليات التصفية المتبادلة ، عندما قال معلقا : لن يدخل احدا منا الجنة أبدا نحن القتلة ! وأقول انا نفس الشيء تعليقا على مصير كل “المسؤولين الحكوميين والمتمردين وأدعياء الثورة والمعارضة العرب” اللذين تسببوا ب “القتل والقصف والتفجيرات وسفك الدماء” التي تجري حاليا في بلاد ما يسمى الربيع العربي ، فلن يدخل أحدا منهم الجنة أبدا بل لن يشموا رائحتها بالرغم من ادعائهم وتشدقهم المزيف بالحق والدفاع عن النظام والديموقراطية والتعددية والحرية وبالدين والسنة ! كما أبدع الممثل “جود لو” بدور المصور الفوتوغرافي والقاتل المأجور ، الذي أدى دورا ساديا غريبا تمثل ب”وسواس مرضي” يجبره على قتل “الجرحى المصابين” خلسة وتصويرهم مباشرة بعد قتلهم ، جامعا صورهم بشكل “ألبوم صور” للتباهي والاستعراض وتحقيق المتعة السادية ! تشابهت بعض مشاهد المطاردات هنا مع مشاهد المطاردة بفيلم “سكاي فول” ، وخاصة بأعلى ناطحة السحاب في شنغهاي وبدت حابسة للأنفاس وفريدة الطابع ، كما أن مشاهد النهاية تشابهت بالتأثير الحزين الذي تركته لدى المشاهد بالرغم من اختلاف التفاصيل .
تميز هذا الشريط الرائع بقلة الحوار وباسلوب توصيل الانطباعات والأحاسيس العاطفية بواسطة التصوير الشاعري الخلاب وباستخدام موسيقى “جنائزية ” حزينة ، ومع ذلك فالفيلم لا يجر المشاهد للانعماس في الأحداث بحماس وان بدا مقنعا وممتعا ، وقد وصف احد النقاد هذا الشريط بقصيدة سينمائية حزينة !

العودة لمسقط الرأس: “سكاي فول”:
يحاول كيو في الموقع الجديد ل”ام16″ فك تشفير جهاز الكميوتر المحمول الخاص بسيلفا ، ولكنه بلا قصد يسهل لسيلفا الهرب لداخل النفق بتدبير ودهاء هذا الأخير ، ويتنكر سيلفا بهيئة شرطي ، ويعلم بوند بمقصده فيهرب مع الرئيسة “ام” لمنزل طفولته في منطقة “سكاي فول” باسكتلندا ، منسقا مع كيو للايعاز اليكترونيا لسيلفا لمطاردتهم هناك مع رجاله . في سكاي فول يلتقي بوند و”ام” مع العجوز كينكيد (حارس الطرائد في ممتلكات بوند العقارية ) ، ويستعرض معه الأسلحة الخفيفة المتبقية ومنها بندقية قديمة وخنجر حاد ، ثم يصل سيلفا بشكل استعرضي مع رجاله على متن طائرة هليوكبتر ، بعد ان يمهد اولا بارسال مجموعة يقتل معظمها ! ويقوم بوند بارسال كينكيد و”ام” من خلال نفق سري في الجزء الخلفي من المبنى القديم الذي يوصل لكنيسة قديمة معزولة في وسط ملعب مهجور …ويستخدم سيلفا بهجومه الكاسح قوة نيران الهليوكبتر مع القاءه لقنابل يدوية حارقة من خلال نوافذ المبنى ، ولكن بوند يحضر له مفاجاة بتفجيره لاسطوانتي غاز كبيرتين مع شحنة ديناميت ، مما يؤدي لانفجار هائل يقتل عددا كبيرا من رجال سيلفا ويفجر المروحية ، فيما يرى سيلفا كشاف كينكيد وشعلته من بعيد ، ويتزامن ذلك مع لقاء بوند لأحد رجال سيلفا على سطح بحيرة متجمدة ، ويسقط كلاهما ويتعاركان تحت الماء ، حيث يتمكن بوند كعادته من القضاء على خصمه ، مسارعا خطاه نحو الكاتدرائية المهجورة ومباغتا سيلفا (قبل ان ينتحر ويقتل “ام” ) بخنجر سريع يخترق ظهره ، فيما تموت الرئيسة متأثرة بجراحها النازفة …ونلاحظ في المشاهد الأخيرة تولي مالوري لموقع الرئاسة ، في حين تتولى رفيقته السمراء عمل السكرتارية متخلية عن العمل الميداني .
فيلم بذروات ثلاث شيقة:
حقق هذا الفيلم المميز باعتقادي ثلاث ذروات سينمائية لافتة ، في البداية وفي المنتصف وفي النهاية ، وهذه مهارة اخراجية تستحق التنويه لأنها شدت المتفرج لمتابعة القصة حتى النهاية ، واعطت زخما دراميا ومشهديا للفيلم …فالبداية الحركية المثيرة والتي انتهت باصابة بوند وسقوطه في الماء من فوق قطار سريع ، قادت متفرجا طريفا لكي يدعو أصدقائه لمغادرة القاعة قائلا : اذا قتل بوند فقد انتهى الفيلم ، دعنا نغادر اذن ! أما في الوسط فتتلخص الذروة برحيل بوند للصين ومواجهته من جديد لخصمه القناص الماهر الشديد البأس ، حيث دخلا بعراك بالأيدي انتهى بسقوط القناص من أعلى ناطحة سحاب يشنغهاي دون أن يحقق بوند غرضه بمعرفة الشخص الذي استخدمه ، أما الذروة الثالثة فكانت تلقائية وغيرمتوقعة وفي نهاية الشريط ، وتمت تحديدا في موقع “سكاي فول” الساحر في الريف الاسكتلندي ، وفي كنيسة قديمة مهجورة عندما تمكن بوند من قتل خصمه اللدود سيلفا وباغته بخنجر حاد انعمس بظهره ، قبل أن يقدم هذا الأخير من قتل الرئيسة المجروحة “ام” برصاصة ينتحر بها وتخترق رأسيهما معا ، في مشهد مجازي لمقتل الجلاد والضحية معا ، وأعتقد أن نهاية “ام” المحزنة كنتيجة للجروح والنزف المتواصل الذي تعرضت له كان ” تغييبا” ذكيا منطقيا ومدروسا لاعادة اصدار السلسة بروح جديدة مع دخولنا للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، حيث استلم مالوري المدير العصري الشاب مكانها بادارة المنظمة ، ليراعي متطلبات العصر الجديد في ادارة العمل الأمني –الجاسوسي ، والتي يحتوي على مكونات وتحديات جديدة كالارهاب العالمي (بصنوفه المستجدة كالارهاب الكيماوي والبيولوجي والنووي ) والقرصنة الألكترونية ، ولمواجهة بوادر عصر بارد جديد بدأت ملامحه تظهر للعيان ، وللتصدي الاستخباري للمؤامرات الخفية واقتسام مناطق النفوذ والطاقة والموقع الاستراتيجي الحيوي ، وقصص الجاسوسية والمطاردات العالمية التي تدور حول هذه المواضيع القديمة-الجديدة ، آخذين بالاعتبار التطورات التقنية المذهلة التي دخلت بقوة لكافة مناحي الحياة والأعمال في عالم شرس لا يرحم تسوده المعرفة ومكونات القوة الناعمة ، ويبقى أن أتحسر بحرقة على الموقع المتراجع دوما لامة العرب التي تسود دولها الفوضى اللاخلاقة والانقسامات الدينية والطائفية والعرقية والاقليمية ، والتي تعيقنا كدول وشعوب عن بناء المستقبل والأوطان وتشتت جهودنا عن مواجهة تحديات العصر الكبيرة !