ابا يحيى وقس إبن ساعدة

ابا يحيى وقس إبن ساعدة

في الحي الذي كنت اسكن فيه كان هناك شيخ يجمع صفات الوقار والرزانة وحسن الإصغاء وغض البصر وصفات حسنة أخرى جعلت أبناء الحي يكنًون له الإحترام، وبالرغم من فارق السن بيني وبينه إلاّ أنه كانت تربطني به علاقة على درجة عالية من التقدير. وكان لا يتوانى في تقديم المشورة لمن يطلبها والنصيحة لمن يبغيها، وتلتمس في كلامه درجة عالية من الحكمة وطيبة صافية نابعة من أصول  تربيته الريفية الممزوجة بالنقاء والبساطة.
ولم يكن ديدنه المساعدة في أمور الحياة لمن يطلبها وحسب ولكنه كان دائم التواصل من خلال مشاركته في المناسبات الاجتماعية والدينية يشارك الناس احزانهم وافراحهم، وكنت أراه يدخل المجالس بهدوء وينزوي في طارف المجلس أو يجلس على البساط تواضعا متلفعا بعباءته غاضا نظره عن ما حوله. وبالرغم من أن وجوه المجتمع يسألونه الجلوس في صدر المجلس وكل يفسح له المجال ليتصدر المكان إلاّ أنه كان يرفض بأدب جم، وواقع الأمر كان حيث يجلس يصبح قبلة أنظار الجالسين.
ولا أعرف لماذا هذا الشيخ الوقور ( أبا يحيى) رحمه الله عندما يخطر في بالي يجعلني اقارنه باسم احد حكماء العرب المشهورين وهو قس ابن ساعدة والذي اختلفت فيه روايات المؤرخين وآراء الباحثين بل يعد من أشهر حكماء العرب. تقول الروايات أن قس ابن ساعدة دخل مجلس وجلس في طارفه فنهض عليّة القوم وقالوا له دونك صدر المجلس فقال (أنا صدر حيث كنت).
العبرة من هذا السرد أن حضورنا للمجالس والمناسبات يجب أن يضيف لها وليس العبرة أن نجلس في أول المجلس أو في آخره.
أن المظاهر الكاذبة المغلّفة ببريق زائف من التعالي الفارغ والتي تغشى سلوك الكثير من أفراد مجتمعنا وفي معظم المجالات والتي نراها في مناسبات ومجالس عامة وخاصة وابطالها من أدنى السلّم ماهي إلاّ أمراض وسرطانات تنخر في هياكل بناء المجتمع وتقدمه بصورة صحيحة.
لتكن بصمتنا في الحياة ما نقدمه من أفعال ومنفعة مقرونة بالتواضع والصدق وجميل المعشر والحكمة في المنطق فلا ترتقي الأمم بغير جميل أفعالها.
مهداة إلى الصديق نجم الوائلي