18 ديسمبر، 2024 6:19 م

إِنَّا لَهُ لَحَٰفِظُونَ

إِنَّا لَهُ لَحَٰفِظُونَ

في إحدى الولايات الأمريكية خرجت مجموعة من الشباب منددين بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. التظاهرة كانت أمام إحدى القنصليات الإسرائيلية وفي الجهة المقابلة من ساحة تجمعهم كان هناك محل لبيع الأعلام. الشباب توجهوا إلى هذا المحل ليشتروا منه الأعلام الفلسطينية ومنظمات التحرير وما إلى ذلك لرفها في المظاهرة. دخل الشباب إلى المحل ووجدوا أن المحل ليس فيه أي علم فلسطيني وأن صاحب المحل يهودي هو الآخر. غضب الشباب جداً لعدم وجود الأعلام الفلسطينية فانهالوا عليه بالضرب. صاح عليهم اليهودي هذا وقال لهم:

– لا داعي لهذا الغضب فأنا أمتلك الكثير من علم اسرائيل أشتروها لتحرقوها أمام القنصلية الإسرائيلية.

كانت الفكرة جيدة جداً واقتنع الشباب بها. فقاموا بشراء أعداد كبيرة من العلم الإسرائيلي ومن ثم حرقه أمام القنصلية الإسرائيلية.

لم يكتف الشباب بهذا العدد من الأعلام الإسرائيلية وقد حلت لهم ذلك، فقاموا بطلب المزيد من هذه الأعلام ومن ثم حرقها. حتى انتهاء المظاهرة باع هذا الرجل اليهودي أعداداً كبيرة من الأعلام وقد ربح آلاف الدولارات وكانت تجارته رابحة.

لقد تمكن هذا اليهودي من استثمار المظاهرة ضد اسرائيل وتحويلها إلى فائدة وتفريغ جيوب المتظاهرين ضد بلده. استولى على أموالهم ليسخرها فيما بعد في ضربهم والنيل منهم. فحرق قطعة قماش فيها العلم الإسرائيلي بالنسبة إلى هذا اليهودي لا يعني تحرير فلسطين ولا يعني إضعاف الاحتلال بل لا يعني شيئاً بالأساس.

اليوم ونحن نجد وفي فترات متقاربة بعض ضعاف النفوس وهم يثيرون مسألة التعدي على كتاب الله تعالى. منهم من يقوم بحرق المصحف الشريف ومنهم من يمزق صفحاته. ليس في الأمر من غرابة، فهم أعداء الإنسانية أولا ولا يقيمون للآخر وزناً. وبهذا التعدي إنما يثبتون أن كل ما يدعونه من حرية الفكر والمعتقد إنما هو كاذب ولا يمتّ إلى حقيقتهم بصلة.

الغرب بتوفيره للأجواء التي منها ينطلق المعتدون على الإسلام، إنما يقدم دليلاً واضحاً وعلى طبق من ذهب لمدى كرههم للإسلام والمسلمين. ليس هذا فحسب، بل إنهم بهذا العمل الشنيع إنما يعربون عن خشيتهم القاتلة من التمدد الإسلامي الحاصل في أوربا في يومنا هذا بعد إيمان الكثيرين بالله ورسوله.

من جهة أخرى فإن حرق المصحف الشريف أو تمزيقه إشارة واضحة لحجم الأهمية التي في هذا الكتاب وهم عاجزون عن تكذيب الآيات. يترجمون عجزهم وضغيتنهم السوداء إلى عمل ويحاولون إرضاء أنفسهم بهذا التصرف العقيم. تفكيرهم الضيق يصوّر لهم بأنهم ينالون من الإسلام ويطعنون التعاليم السماوية وفاتهم أن يعلموا أن كتاب الله في لوح محفوظ وليس للصعاليك أن يمحوه. القرآن الكريم هو مجموعة قوانين وتعاليم تخرج الناس من الظلمات إلى النور. فلولا الإسلام لكان الناس كالبهائم لا يرشدون إلى الصواب.

بتصوري المتواضع فإن تضخيم الموضوع ليس له أهمية. بل إن اهتزاز الدول الإسلامية والمسلمين ومقتهم وإغضابهم، أمر مفرح لهؤلاء الجناة. إنهم يحرقون القرآن الكريم لأنهم يجدون المسلمين يطعنون في قلوبهم لحبهم الشديد لكتاب الله وتعاليم دينهم الحنيف. التعامل مع هذا الموضوع لو كان ببرود أكثر لما دفع بالمعتوهين إلى المزيد من هذه الأفعال الشنيعة.

فمِنَ المستقرّ في قلوب المسلمين وعقولهم أنَّ القرآن الكريم محفوظٌ من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل وذلك لأنّ الله هو الحفيظ قد وَعَد بحِفظِه ولن يُخلِف اللهُ وعدَه وقد تحقق من وعدِ الله بذلك ما تقرّ به عيون الموحِّدين من حِفظ القرآن في الصدور وحفظه في السطور وذلك لأنّ ما حفظَ اللهُ تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيعَ منه شيء.

بهذا فإن كلّ ما يصبو إليه هؤلاء ليس إلاّ زوبعة في فنجان. فالله جل جلاله القائل وقوله الحق “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” صدق الله العظيم.