23 ديسمبر، 2024 3:19 م

إِقْلِيْمُ كُرْدِسْتَانَ … هَلْ يَسْرِقُ نَفْطَ الإِخْوَان؟ – 2

إِقْلِيْمُ كُرْدِسْتَانَ … هَلْ يَسْرِقُ نَفْطَ الإِخْوَان؟ – 2

فِي الحَلَقَةِ الأُولَى مِن هذا المَقالِ استَعرَضتُ، مَوضُوعَ تَصديرِ النَّفطِ، مِن إِقليمِ كردستانَ، بطريقَةٍ غيرِ مَشروعَةٍ. كما أورَدَتْها المصَادرُ الخَبَريّة. و إِنّي أُورِدُ فِي ذَيلِ كُلِّ خَبرٍ، مَصدرَهُ و تاريخُ نَشرهِ، حتّى لا يُشكلَ عليَّ أَحدٌ بأَنّي مُتحامِلٌ، على جهةٍ دُونَ أُخرى. فأَنَا أُحَلِلُ الأَحداثَ و أَستَنتِجُ مُعطيَاتَهَا، استناداً إِلى مَصادِرِهَا، بكُلِّ مَوضوعِيَّة. و فِي هذهِ الحَلقَةِ مِن المقالِ، أَقُولُ: 
إضافةً للمَشاكلِ الشَائكةِ، بيّنَ الإِقليمِ و المركَزِ، نُلاحِظُ حكومَةَ الإِقليمِ، لا تَتوانَى عَن تَصعيدِ المَواقفِ، معَ الحكومةِ المركزيَّةِ. و كانَ مِنها خِطابُ السيّدِ مَسعودِ البَارزاني، يومَ الخميسِ 6/3/2014، عندَ مُشاركتِهِ فِي مطارِ أَربيلَ الدُّوَليّ، فِي مَراسيمِ استقبالِ رُفَاتِ (93) ضَحيَّةٍ مِن الأَكرادِ، الّذين أَعدَمَهُم نِظامُ صدَّامِ المَقبُور. و كانَ هذا الخِطَابُ، لا يَخلو مِن كثيرِ  تَشَنُّجٍ، و مِن التَّعالي أيضاً، على بقيَّةِ العِراقيّين. فالشِّيعَةُ قَدّموا من الضَحايَا، ما لا يُدَانِيهمْ أَحدٌ في تلكَ التَّضحِيَات، معَ ذلك لا يَستخدِمونَ تلك التَّضحيَاتِ، كصَكٍ يَمنَحُهُمْ رُتبَةَ المُواطِنينَ، مِن الدَّرَجَةِ الأُوْلى، و يَعتبرونَ غيرَهُم مُواطنينَ مِن الدَّرَجَةِ الثَّانِيَة.
فقدّْ وَرَدَ فِي خِطابِ السيّدِ رئيسِ الإِقلِيم، الفَقراتُ التَّاليَةِ الّتي قُمْتُ باقتبَاسِها مِن جَريدَةِ المَدَى، الّتي نَشرَتْ الخَبَرَ يَومَ (السَّبتِ 8/3/2014):-
1.    (وصف رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، الخميس (6/3/2014)، الأزمة بين حكومتي الإقليم والمركز بــ(الشديدة جداً)).
2.    (واتهم الحكومة المركزية بـ(العمل على كسر هيبة الكرد وجعلهم على الهامش)، وفيما أكد أن الشعب الكردي (لن يساوم على حريته)، هدد بــ(اتخاذ موقف لا تتوقعه بغداد إذا استمرت بنهجها..(
3.    (الأزمة الحالية بين الحكومتين المركزية والإقليم شديدة جداً و المسالة ليست الميزانية او النفط وانما اكبر من هذا)، مبينا أن (القضية هي كسر لهيبة الكرد و كردستان وهم يريدون أن نكون على الهامش و أَلاّ نكون أصحاب قرار).
4.    (انهم يريدون التعامل معنا كأننا محافظة، مع اننا أصحاب كل هؤلاء الضحايا).
5.    (من المحال بعد كل هذا التحرر، المساومة عليها و لن نخطو إِلى الوراء و إِنما إِلى الأَمام).
هكذا خطابٌ يَدُلُّ على التَّشَدُّدِ و التَّشَنُّجِ، بَدَلاً مِن التَّهدئةِ و السَّعي لإِيجَادِ حلولٍ مُشتركةٍ، بيّنَ الإِقليمِ و المَركَز. فَالعِراقُ بحَاجَةٍ إِلى مَواقِفَ مِن الإِقليمِ، تُطَمْئِنُ الحُكومَةَ المركزيَّة.  لكِنَّ السيَّدَ البارزانيّ، زادَ الموقِفَ تَصعيداً، فقدّْ وردَتْ بعضُ تَصريحاتِهِ النّاريَّةِ، فِي نَصِّ الخَبرِ التَّالِي:
(هدد رئيس كردستان مسعود بارزاني بوقف تصدير النفط العراقي عبر أراضي اربيل إلى خارج العراق. وقال بارزاني ان بامكان كردستان استخدام ورقة الماء للضغط على بغداد. وشدد على ان اربيل تستطيع مواجهة الجيش العراقي، لانه لم يتمكن من صد هجمات المسلحين وحماية الاستقرار في العراق، على حد تعبيره)(موقع فضائية الاتجاه 15/3/2014).
و فِي خِضَمِّ أَزمَةِ النَّفطِ، بيّنَ الإِقليْمِ و المَركَزِ، ظَلَّ الدِّكتورُ حيدرُ العبادي، رئيسَ اللجنَةِ المالِيَّةِ فِي مَجلسِ النُوَّابِ، معَ الدِّكتورَةِ حَنانٍ الفَتلاوي، مِن إِئتِلافِ دَوّلةِ القَانونِ، يؤكِدانِ عبرَ سِلسِلَةٍ مِن الّلقاءآتِ التلفزيونيَّةِ، فِي شَهرِ آذارَ 2014، بأَنَّ الإِقليمَ يُصَدِّرُ النَّفطَ إِلى تُركيا، ولا تُوجَدُ لَدى الحُكومَةِ، أَيَّةُ بيانَاتٍ، عَن كميَّةِ النَّفطِ المُصدَّرِ، و عَن مَبالِغهِ أَيْضاً، فالأكرادُ لا يُقَدِّمونَ البَيانَاتِ حَولَ ذلك.
و بصورَةٍ مُفاجِئَةٍ، أُعلِنَ فِي يَومِ 22/3/2014، خبَرُ مُوافَقَةَ حُكومَةِ إِقليمِ كردستانَ، على تَصديرِ (100) أَلفِ برميلٍ مِن النَّفطِ يَوميَّاً. و أَنْ تكونَ الأموالُ، تَحتَ تَصَرُّفِ شَركةِ النَّفطِ الوَطنيَّةِ (سومو). و المُفاجئُ أَيْضَاً، أَنَّ هذا الاتِّفاقَ، جَاءَ عَن طَريقِ نائِبِ الرَّئيسِ الأَمريكيّ، (جوزيف بايدن).
(تحدث نائب الرئيس جوزف بايدن اليوم مع رئيس حكومة اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني. و بالنيابة عن الولايات المتحدة، هنأ نائب الرئيس الشعب الكردي في المنطقة بمناسبة عيد نوروز، و أكد بأن الولايات المتحدة تبقى ملتزمة تجاه العراق و تجاه جميع المواطنين العراقيين في سعيهم لبناء دولة بما يتفق مع الدستور العراقي ورؤيته لعراق ديمقراطي اتحادي تعددي و موحّد.)(موقع السفارة الامريكية في بغداد 20 آذار 2014).
و الأَسئلَةُ الّتي تَتَبَادَرُ إِلى الذِّهنِ، لمَاذا لا يَستَطيعُ السِياسِيُّونَ العِراقِيُّونَ، حَلَّ المَشَاكِلِ السِّياسِيَّةِ بأَنفُسِهِم، فَدَائِماً تَأْتِي حُلولُ الأَزَماتِ على يَدِ الأَجَانِب؟.
فَهلْ بَعضُ السِياسِيّينَ العِراقِيّينَ، لا يَعرِفُونَ اتِّخَاذَ القَرارَاتِ الوَطنيَّة؟.
 أَمْ أَنَّهُم تَلامِيذٌ فِي مَدرسَةِ السِياسَةِ، فيَحتَاجُونَ دَائِمَاً إِلى مُعَلِّمٍ، ليُعطِيَهُم الحَلَّ الصَّائِب؟.
 
و مِنَ المُؤْلِمِ جِدّاً أَنْ تُرَحِبَ، السَّفَارَةُ الأَمريكيَّةُ بهذا الاتِّفَاقِ، الّذي جَرَى بتَرتيْبٍ مِن الإِدارَةِ الأَمريكيَّة. فقَدّْ نَشرَ مَوّقِعُ السَّفارَةِ الأَمريكيَّةِ، فِي بَغدَادَ بتاريخِ 20/3/2014، مَا يَلي:
(تعرب الولايات المتحدة عن ترحيبها بالقرار الذي اتخذته حكومة إقليم كردستان بشأن البدء في تصدير 100.000 برميل نفط يومياً إعتباراً من بداية شهر نيسان وذلك عبر أنبوب النفط العراقي- التركي ووفقاً للترتيبات المتعلقة بتصدير النفط المبرمة مع الحكومة المركزية في العراق. كما أننا نرحب أيضاً بالإلتزام الذي قطعته حكومة إقليم كردستان من أجل ضمان استمرار هذه الصادرات بالتوازي مع المحادثات الجارية الرامية إلى التوصل إلى اتفاق إطاري بشأن إدارة قطاع النفط والغاز). (موقع السفارة الامريكية في بغداد 20 آذار 2014).
و هناكَ إِشكالٌ، يُثيرُهُ تَصرِيحُ وزيرِ الطَّاقَةِ و الموارِدِ الطَّبيعِيَّةِ التُّركِيّ (تانر يلدز)، الّذي نَشرَتهُ صَحيفَةُ (الرؤيا الأَلكترونيَّة)، يَومَ الأَربعاءِ 19/3/2014. و فِيمَا يلي نَصُه:
(إن النفط المتراكم في مستودعات (جيحان) -شمال شرق تركيا- سيجري تصديره حال امتلاء المستودعات، حيث لا يمكن تخزينه أكثر من ذلك. تعتزم الحكومة التركية بدء تصدير النفط القادم من إقليم كردستان العراق إلى الخارج، حال امتلاء مستودعاتها، دون العودة إلى الحكومة المركزية في بغداد. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للتخزين في مستودعات (جيحان) 2.5 مليون برميل، سيجري ملؤها بالكامل قبل نيسان/ إبريل المقبل. و أضاف يلدز أن :
(امتلاء المستودعات يجعل إقدام الحكومة التركية على بدء بيع النفط إلى الخارج أمرا واردا، حتى لو لم تعط الحكومة المركزية في العراق موافقتها على ذلك). و أوضح يلدز أن (عائدات النفط سيجري إيداعها في أحد المصارف الموجودة داخل تركيا.)(انتهى).
كَمّْ مُريّبٌ و وَقِحٌ و جَارِحٌ، تَصريحُ الوزيرِ التُركِيّ، لكُلِّ العِراقِيّينَ النُّجَبَاءِ. فإِنَّهُ وضَعَ نَفسَهُ، بمَوقِعِ الوِصَايَةِ عَلى النَّفطِ العِراقِيّ، و هُوَ مُلكُ كُلِّ العراقيّينَ، دُونَ أَدنَى اكتِراثٍ من هذا الوزيرِ، بمشاعرِ العراقيّينَ، كأَبنَاءِ دَوْلَةٍ مُستَقلَّةِ، و لَيْسوا رَعَايَا تَحتَ الوِّصَايَةِ العُثمَانِيَّة.
معَ أَنَّ تَصريحَ الوَزيرِ التُركِيّ، قَدَّمَ دَلِيلاً على تَهريبِ النَّفطِ، مِن إِقليمِ كُردِستَانَ. و الإِقلِيْمُ طالمَا أَنكَرَ ذلك، و لمرَّاتٍ عَديدَة. فَقَدّْ بَيَّنَ الوَزيرُ التُركِيُّ فِي تَصرِيحِهِ، بأَنَّ هناك نفطاً متراكماً فِي مُستَودَعَاتِ (جيهانَ) التُركِيَّةِ، و إِنَّهُ لا يُمكِنُ الاحتِفَاظُ بهِ، و أَنَّ المُستودَعَاتِ سَيجْرِي مَلؤهَا بـ(2.5) مِليونَ بَرميلٍ، مِنَ النَّفطِ، قَبلَ شَهرِ نَيسَانَ 2014.
و إِذا أَجرينَا عمليَّةً حِسابيَّةً بَسيطَةً، وذلكَ بتَقسِيمِ، (2.5) مليونَ برميلٍ، على نَاتجِ الإِقليمِ و هو (100) أَلفِ برميلٍ، الّذي حَدَّدَتهُ حُكومَةُ الإِقلِيمِ، بَعدَ تَدَخُلِ (جوزيف بايدن). سيكونُ هناكَ 25 يوماً أَمَامَ الإِقليمِ، يَستَمرُ فيهِ ضَخُّ النَّفطِ، إِلى مُستودعَاتِ (جيهانَ) التُركيَّةِ، حتّى تَستكمِلَ طاقَتَها الاستيعَابيَّةِ البَالِغَةِ، (2.5) مليونَ برميلٍ مِن النَّفط.
فِي حيّنِ أَنَّ مُوافَقَةَ الإِقليمِ، كانَتْ بتَاريحِ 20/3/2014، أَيّ لَمْ تَبقَ غيرُ عَشرةَ أَيَّامٍ، أَمَامَ المُهلَةِ الّتي حَدَّدَها، وزيرُ الطَّاقَةِ التُركِيّ. و إِنَّ إِنتَاجَ الإِقلِيمِ مِنَ النَّفطِ، خِلالُ هذهِ العَشرَةِ أَيَّامٍ، سَيكونُ مَجموعُهُ مليونَ برميلٍ فقط. إِذاً هناك (1.5) مليونَ بَرميلٍ مِن النَّفطِ العِراقيّ، موجودَةٌ مسبَقَاً، فِي مُستودعاتِ (جيهانَ)، قَبلَ الاتِفَاقِ بيّْنَ الإِقلِيمِ و الحُكومَةِ المركزيَّة. و هذا يَعني أَنَّ الإِقليمَ، كانَ يُصَدِرُ النّفطَ فعلاً إِلى تُركيا، و كانَ المسؤولونَ الأَكرادُ، يُخْفُونَ على الحُكومَةِ المركزيَّةِ، تَصديرَ النَّفطِ إِلى خَارجِ الإِقلِيم.
لذا يَنبَغِي على الحُكومَةِ العِراقيَّةِ المركزيَّةِ، أَنْ تَفتَحَ تحقيقاً، تُطالِبُ فيهِ حكومَةَ الإِقلِيمِ، بمبالِغِ النَّفطِ المُصَدَّرِ مِنَ الإِقلِيمِ، و إِعادَتِها إِلى الخَزينَةِ المَركزيَّةِ، لأَنَّها أَموَالُ كُلُّ الشَّعبِ العِراقيّ، هذا أَوَّلاً.
و ثانيَاً، أَنْ تَقُومَ الحُكومَةُ المركزيَّةُ، برَفْعِ دَعْوَى قضائيَّةٍ، فِي المَحاكِمِ الدُّوليَّةِ، تَتَّهِمُ فيهَا تُركيَا، بخرقِهَا للقَانُونِ الدُّوَليّ. لأَنَّها تُسَاهِمُ فِي سَرِقَةِ النَّفطِ العِراقِي، و التَّصَرُفِ بالمَالِ العَامِّ العِراقِيّ. و الحُكومَةُ العِراقيَّةُ تَمتلِكُ مِن الأَدلَّةِ، مَا يُثبِتُ ذلك. فَهلْ ستكونُ الحُكومَةُ المَركزيَّةُ، على قَدرٍ مِن الشُجَاعَةِ، لتَقومَ بهذهِ الخُطوة؟.
أَقولُ: إِنَّ الأَكرادَ شُركاءٌ، فِي الوَطَنِ و فِي العَمليَّةِ السِياسِيَّةِ أَيضَاً، و هكذا شَراكةٌ، يَجبُ أَنْ تَقُومَ على أُسُسٍ وَطنيَّةٍ شَامِلَةٍ، دونَ التَّركيزِ على الخُصًوصِيَّاتِ التَّجزيئيَّةِ، و إِنَّمَا النَّظَرُ إِلى المَصلَحَةِ العَامَّةِ للجَمِيع.  هذا المَنهَجُ الوَطنيُّ الشَّامِلُ، هوَ الكَفيلُ الوَحيْدُ، ليُخرِجَ البَلَدَ مِنَ الدَوَّامَاتِ و الأَزمَاتِ، الّتي مَا عَادَ الفَردُ العِراقِيُّ، يَتحَمَّلُ ضَغْطَها و تَبِعَاتَها باستِمرار. خُصوصَاً أَنَّ إِقليمَ كردستانَ، يَعتبرُهُ العِراقيُّونَ، بأَنَّهُ جَنَّةُ العِراقِ، و هوَ لكُلِّ العِراقِيّْين. فأَقُولُ للسِياسِيينَ، أَريحُونَا و أَريحُوا أَنفُسَكُمْ  يَرحَمْكُم الله.                      
كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي
[email protected]